ملاحظات حول استفتاء كُردستان
    الخميس 19 أكتوبر / تشرين الأول 2017 - 05:44
    زكي شيرخان
    كاتب ومحلل سياسي
    أتخذ قرار استفتاء كردستان.  أجري الاستفتاء.  ظهرت النتائج بما تطابق -تقريباً، وإلى حد بعيد- مع التوقعات.  أنتج هذا الحدث ظروفاً محلية، إقليمية، ودولية كان لابد أن يتم التعامل معها.  ما زالت الأسئلة التي طُرحت تبحث عن إجابات قاطعة.  لماذا الاستفتاء؟ لماذا في هذا الظرف الذي يمر به العراق والمنطقة؟ لماذا الإصرار من قبل رئيس الإقليم رغم الاعتراضات والنصائح والتهديد؟ هل اتخذ قرار الاستفتاء لمصالح قومية، أم لمصالح شخصية وعائلية؟ هل كان الاستفتاء بقرار كُردي محض، أم بدفع من جهة ما؟

    حاول السياسيون ذوي العلاقة المباشرة، والمحللون، والباحثون في مراكز الدراسات، أن يجيبوا عن هذه الأسئلة بناء على ما بين أيديهم من معلومات.  وبغض النظر عن الإجابات فإن التحليل في نهاية الأمر يبقى تحليلا يحتمل الخطأ خاصة وأن مجريات الأحداث السياسية في العادة تحتمل دخول عوامل لم تكن في الحسبان وتغير المسارات.

    يمكن تسجيل بعض الملاحظات على تتابع الأحداث:
    هل كان قرار الاستفتاء صائباً؟
    قرار إجراء الاستفتاء، والاصرار على إجراءه كان -واستناداً على ما ترتب عليه من نتائج- خاطئاً.  والنصائح التي قُدمت من قبل من يُعتبرون أصدقاء للكرد كان منطلقها الحرص عليهم وعلى مكتسباتهم وعلى مستقبلهم.  هذا إذا استثنينا إسرائيل التي يعتبرها بعض الكُرد من أوفياء الأصدقاء، والتي يفتخر مسؤوليها (إسرائيل) بعلاقتهم الوطيدة بكردستان منذ ستينات القرن الماضي.  وهنا لا بد من مثقفي الكرد وقادتهم من أن يقدموا إجابة لسؤال "هل كانت إسرائيل مخلصة في تأييدها لهم، أم أرادتهم جسراً لتحقيق بعضاً مما يخدم مصالحها؟".  هذا السؤال يفرض نفسه من تجارب مر بها الشعب الكردي.  فقد وقف شاه إيران والولايات المتحدة عام 1974 مع مصطفى البرزاني ودعموه بكل قوة، وعندما وقع صدام حسين "اتفاقية الجزائر" مع شاه إيران عام 1975، تخلى الأخير عن هذا الدعم. وعندما أُريد أن يُعرف السبب وراء تخلي الولايات المتحدة عن الكُرد، أجاب هنري كيسنجر (وزير الخارجية في تلك الفترة) بوضوح "الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية".  هذا هو ديدن الأسلوب الأميركي ليس مع أصدقائها فقط وإنما حتى مع حلفائها عندما تنتهي الحاجة لخدماتهم، والشواهد كثيرة.  صحيح أن المصالح لها الأولوية في العلاقات السياسية بين الدول، لكن يبقى هناك هامش يربط بين الأصدقاء والحلفاء بعيد -إلى حد ما- عن النفعية المباشرة.  وليس من المتوقع ان تكون إسرائيل بعيدة عن الأسلوب الأميركي.

    ماذا تريد الولايات المتحدة من الكُرد؟
    دوغلاس أوليفانت، الباحث في "مؤسسة أميركا الجديدة"، أفاد عندما استضيف على "قناة الحرة-برنامج ساعة حرة" في 12 أيلول/سبتمبر الماضي:
    "أن أربيل لن تكون بتلك الأهمية للولايات المتحدة إذا لم تكن ملحقة بالعراق، والدولة الكردية لن تكون لها أهمية جيوبوليتيكية... العراق مهم للولايات المتحدة، وأربيل مهمة لأنها جزء من العراق، وإذا ما انفصل الكُرد فلن تعاديهم الولايات المتحدة ولكن لن تجد رموز أميركية كبيرة تزور أربيل كما الآن... الأميركيون يهتمون بالكرد طالما هم جزء من العراق... هناك مصالح جيوسياسية هامة للولايات المتحدة مع العراق وهي لا تعير مثل هذه الأهمية لكل دولة في العالم... الولايات المتحدة تحب العراق وتهتم به لأسباب خاصة بها، لن يكون الكُرد مهمين بالنسبة للولايات المتحدة إذا ما انفصلوا عن العراق... يعتقد الكرد إذا ما انفصلوا عن العراق أنهم سيبقون بنفس الأهمية، وهذا خطأ يرتكبونه..."
    رغم ان هذا رأي شخصي يأتي من واحد من كبار الباحثين في هذه المؤسسة التي هي واحدة مما يطلق عليها "مراكز التفكير" التي تقدم الرؤى -غير الملزمة- للإدارات الأميركية المتعاقبة حول القضايا السياسة، لكنه يعكس أسلوب الواقعية الأميركية في تحقيق مصالحها.  الولايات المتحدة حَمتْ الكرد منذ العام 1991، وقدمت لهم المساعدات الإنسانية؛ ومنذ سقوط النظام السابق قدمت لهم الدعم السياسي والمالي والعسكري، ولكنها تريدهم ضمن العراق للبقاء فعّالين في المعادلة الغريبة التي أنتجتها مرحلة ما بعد السقوط. هذه المعادلة التي أطرافها ثلاثة الشيعة-السنة-الكُرد.  في البداية جمعت "المظلومية" الشيعة والكرد فأنتجوا الدستور، ثم جمع "المذهب" كل من السنة والكُرد للحد من استحواذ الشيعة على مقاليد الحكم وإسقاط الولاية الثالثة للمالكي، والآن جمعت "القومية" كل من السنة والشيعة ومنعت انفصال الكرد.  ويمكن للولايات المتحدة أن تستمر في استفادتها من أطراف هذه المعادلة لتحقيق مصالحها في العراق والمنطقة، خاصة وأن المواجهة -على كل الأصعدة حتى العسكرية غير المباشرة- مع إيران مستمرة.  العراق هو أحد ساحات المواجهة، وربما الساحة الأهم، والولايات المتحدة لا تريد فقدان العراق حتى لا يسقط ثمرة تامة النضوج في حضن إيران.  لا يختلف اثنان على تأثير إيران في العراق دون أن ينعدم دور الولايات المتحدة فيه من خلال وسائل تمتلكها وإحداها الكُرد الذين أثبتوا من خلال (مشاكساتهم) المستمرة لحكومة المركز أنهم ورقة من أوراق المشروع الأميركي.

    من كان يقيّم الموقف؟
    برهم صالح (نائب رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني قبل استقالته) تمت استضافته في "قناة الميادين-لقاء خاص" في 16 تشرين الأول/أكتوبر، تحدث عن ظروف الاستفتاء.  اللافت فيما قاله:
    "القرار الكردي بحاجة إلى مراجعة؛ بحاجة لإعادة النظر في المصادر والتحليلات والتقديرات التي تبينت أنها خاطئة.  كان هناك من يقول إن هناك ثمانين دولة تناصر حق الشعب الكردي في تأسيس دولته، ثم قالوا ليس هناك من يعارضنا... هذا الكلام موجود في أروقة القيادة الكردية وأروقة القرار الكردي... المعلومات التي كانت تصلني... حُذرنا ووجهت لنا تقييمات واضحة صريحة من الدول الكبرى ومن مجلس الأمن والدول الإقليمية ومن أصدقائنا في بغداد. كانت الرسائل واضحة لكن كان هناك إصرار على المضي في هذا الموضوع..."
    أي تحليل موضوعي يقتضي أن يأخذ بنظر الاعتبار وجهة نظر هذا الرجل.  صحيح أنه -كما أفاد في اللقاء- بعيد عن دائرة صنع القرار في الوقت الحاضر، ولكنه يظل، كسياسي عاصر مراحل مهمة من تأريخ الحركة الكردية وشارك في صناعة بعضها، على إطلاع بمجريات الأحداث، وله شبكة علاقات تمكنه من معرفة الكثير من خبايا الأمور.
    فهل كان رئيس الإقليم يُزود بمعلومات خاطئة من قبل مستشاريه وأحدهم زلماي خليل زادة؟ أم أن الغرور ركبه وظن أنه قادر على المضي مهما كانت الصعوبات؟ كِلا الاحتمالين كارثي لشعب يقوده مثل هكذا قائد.

    وماذا عن الوضع الإقليمي؟
    منذ مطلع الثمانينات والمنطقة تنتقل من كارثة لأخرى، وتتقلب بين مشاريع متضادة، ودولها تتصارع.  لم تبق دولة من دون مشروع خاص بها أو أوكل لها المشاركة في تنفيذ مشروع وتمويله.  وصل الخلاف إلى شفير الحرب بين من كانوا يعتبرون حلفاء حتى أشهر قليلة مضت.  صارت المنطقة أشبه بالحلبات الرومانية حيث كان يتقاتل العبيد فيما بينهم، ولا بد في نهاية الجولة أن يُقتل أحد المتصارعين، والقاتل سيقتل في جولة قادمة.
    من وسط هذه المعمعة يبرز مسعود البرزاني ليقدّم خطة مشروعه الخاص، ليفسد على الآخرين خطط تنفيذ مشاريعهم.  أكان يَعتقد أن إيران، أو تركيا، أو الولايات المتحدة تسمح له بعرقلة ما ينوون فعله؟
    من المستبعد أن يمر الأمر وكأن شيئاً لم يكن، وسيُنسى، و"عفا الله عما سلف". أغلب الظن أن الرجل سيعاقب من كل الأطراف بشكل ينهيه سياسياً.

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media