أحداث التاريخ برهنت...ان الحق المغتصب لا تعيده...الدبلوماسيات...!!!
    الخميس 19 أكتوبر / تشرين الأول 2017 - 19:52
    أ. د. حسين حامد حسين
    كاتب ومحلل سياسي/ مؤلف روايات أمريكية
    في كتبنا المدرسية القديمة ونحن تلامذة صغار، وفي درس القراءة بالذات ، كانت هناك قيما وعبرا حياتية نقرأها في كتاب القراءة العميق ذاك ، ولم ننسها لانها كانت تجد طريقها ممهدا للرسوخ في الوعي الانساني الطري الفطري بحيث كنا ، وباعمارنا الفتية تلك نستطيع ولله الحمد ، حفظ وخزن بعضا من قيم الحياة ومعانيها الكبيرة الى يومنا هذا . 
    ففي تلك القراءة ، كانت هناك قصصا وحكايات كثيرة ممتعة ، كان من بينها حكاية طريفة بقيت في الذهن ولم تستطع ظروف الحياة ان تطوي صفحتها أويلفها النسيان ابدا. كانت تلك الحكاية تتحدث عن نزاع نشب بين ديكين، فقررا على منازلة بعضهما البعض ، فاختارا مكان للمنازلة ، وبدأ هجومهما على بعضهما البعض. أحد الديكين كان قويا ومعافى ، فطرح الاخر ارضا وأدماه. وانتهى النزال بمغادرة الديك المغلوب الى حال سبيله ، ولكن الديك المنتصر ، راحت صرخات نصره تملئ اجواء المدينة . وبقي الديك المنتصر يدعوا الناس لسماع بطولته وانتصاره على الديك الاخر. واستمر هكذا في تبجحه وغروره الذي لم ينقطع، وفي تلك اللحظات مر صقر جائع كان يطير في السماء ، فسمع صراخ الديك وتبجحه بنفسه، فما كان من الصقر سوى ان ينقض على الديك ويجعله وجبة شهية ليومه. 
    هذه القصة القديمة وبما تحمله من عبرة ، ذكرتني بالعلاقة بين السيد مسعود برزاني والحكومة الاحادية منذ 2003. فقد طغى" هذا الديك" المغرور كثيرا، وحاول اعطاء نفسه قيمة لا يمتلكها ولا يستحقها . فقد سمح السيد البرزاني لنفسه في الوثوب فوق الدستور على حساب العدالة والحق وحقوق الشعب العراقي والقيم والمعاني الانسانية العراقية . فشعور البرزاني بالتفوق العسكري والغلبة على الحكومة الاتحادية اثناء ظروف الاقتتال التي مر بها شعبنا في الاعوام الماضية، ومستغلا ظروف الفساد المادي والاداري والسياسي والاجتماعي والذي لم تكن الحكومات الانحادية المتعاقبة لتستطيع ان تصيب منه مقتلا ، قد اضفى على برزاني طغيانا وتجبرا ولا انسانية، الامر الذي سولت له نفسه الدوس بقدميه على كل معايير القيم الاخوية والتفاهمات والدبلوماسيات والحوارات . ولكن السيد مسعود و قبل اسبوع فقط  قد ثاب الى رشده . فقد واجه دليلا من ان القوة وحدها هي احسن الوسائل للتفاهمات حينما لا تتوفر أي نوايا حسنة من قبله تجاه العراق وشعبنا. 
    لقد اتخذ السيد مسعود برزاني نفسه من مبدأ القوة وحدها كنوع للبرهان على اقتداره المطلق للاعلان عن غطرسته بحيث كانت طروحات بارزاني تتسم بالاستعلاء والتحدي وفرض الارادة على الحكومة الاتحادية والشعب العراقي. وكانت ظروف العراق ، كما هي دائما ، على اتعس احوالها ، فما كان على "المغلوب" على امره من الحكومات الاتحادية ، سوى الاصغاء و الطاعة والاقرار بالامر الواقع. فها هو كان دائما منطق التاريخ والتجارب الحياتية في العلاقة بين القوي والضعيف . ففي مثل تلك الحالات ، كان القوي المغرور قادر دائما على استغلال ظروف الفساد المادي والسياسي تلك والذي لم تكن تلك الحكومات الاتحادية المتعاقبة لتستطيع ان تصيب منه مقتلا . وحيث ان جميع جوانب التعامل الانساني والاخلاقي كان يتم رفضها من قبل الطرف الكردي المتعجرف. فالعجرفة والغرور تزين للانسان حب امتلاكه لسطوة واهمة تشجعه في الاستمرار في سعيه لاذلال الطرف الاخر والانتصار لنفسه والزيادة في عدم مبالاته. 
    ففي حالات الغلبة والتفوق العسكري ، يتعطل التعامل بقيم الانسانية وينزوي التحضر والتمدن من اجل اتاحت فرصا للتفاهمات وتحقيق التوازن بين الطرافين المتنازعين طالما ظل الطرف الاخر قادر على اثبات نصره وتفوقه على الطرف الاخر عن طريق استخدامه القوة الغاشمة. 
    فمسعود برزاني والذي ركبه الغرور واعمى له بصيرته، قد ظن ان الحياة سائرة على وتيرة واحدة . وامام عقدة الاثم التي يحملها مسعود بين جوانحه نتيجة لفساده وطغيانه تجاه الشعب الكردي أيضا، فقد ظن ان بعض المشاريع العمرانية التي تحققت في الاقليم ، كانت اكثر من كافية من اجل استمرار كسب طاعة الشعب الكردي له ، متناسيا أن "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان". وكان عليه أن يفهم انه في يوم ما سيكون مستعدا لدفع الثمن غاليا . وان خسارته أنذاك ستكون خسارة كبرى وفي اقصى اذلال له. فالتأريخ شاخص امام الجميع والامثلة كثيرة في هذا الشأن على ان الطغيان لن يدوم ، وان الله تعالى "يمهل ولا يهمل" . 
    فالانتصار العراقي الاعظم على داعش والبطولات الاسطورية للعراقيين، واخيرا وليس اخرا، استعادة الحكومة الاتحادية للاراضي العراقية التي اغتصبها مسعود برزاني نفسه، كلها امثلة ان نصر الله سبحانه قريب ، فما الذي نفع الغرور لمسعود في شيئ؟؟!! فلقد خسر مسعود برزاني حلمه الفضفاض وانقلب حلم الانفصال الى كابوس مرعب. فغطرسة مسعود حدت به ليعلن في لحظة من لحظات زهوه المارق، وبعربدة الانسان الذي اعماه الغرور: "ان الحدود يصنعها الدم!!" والان نجد ان مسعود يلقى ما يستحقه فيحاول ابتلاع هزيمته النكراء. 
    الحمد لله وحده مالك الملك رب العالمين نحمده تعالى ونشكره ان جعل لنا في عراقنا الغالي من الرجال المؤمنين ممن حباهم الباريئ تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة . فالعراق وشعبنا جميعا مدينون للمرجعية الدينية لاية الله العظمى السيد علي السيستاني ، هذا الرجل الوطني المؤمن المبارك والذي بدعوته الى "الجهاد الكفائي" قد جعل جموع الابطال من الحشد الشعبي تهب بصدورهم العارية هبة الاسود لمقاتلة دواعش البغي والفجور. وما تبع ذلك من اعمال مباركة جادة من قبل الحكومة الاتحادية في بناء قواتنا المسلحة. 
    فلولا قوة الحق ، ما كان لكل دبلوماسيات العالم لتأتي اوكلها أبدا لو انها ذهبت للتفاوض مع مسعود برزاني للتنازل عن تلك الاراضي العراقية ، وهو الذي لم يتنازل عن الاستفتاء ووقف ضد ارادة العراق والعراقيين والعالم. فالذي فعله مسعود بوقفته تلك انما اهان نفسه واهان شعبه الكردي ، واخيرا كان على السيد مسعود ان يخضع لقوة الحق المبين فيسلم الاراضي العراقية التي اغتضبها من قبل ، "وهو الممنون"!! وهو الذي لم يكن ليرضيه أي شيئ أقل من استمرار خضوع واستمرار خنوع الحكومة الاتحادية وشعبنا له؟ 
    أن عبر ومواعظ هذه الحياة كثيرة ، فمن بينها علينا أن ندرك أن لا مكان في هذا العالم المتمدن من اجل الاستمرار في تمدنه وبقاءه محافظا على كرامته ويبقى مرفوع الرأس ، سوى من خلال امتلاكه القوة والارادة واستخدامها عند الحاجة ، فهي وحدها الاساس في منح الكبرياء للشعوب والاوطان. 
    فالهيمنة المطلوبة من قبل الحكومات الوطنية على مقتضيات حياة شعوبها، لا بأس أحيانا من خروجها على قوانينها السلمية الطبيعية ، "ففي الشر نجاة حين لا ينجيك احسان"!! 
    حماك الله يا عراقنا السامق...
    10,19,2017
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media