سامراء والحج!!
    الأحد 12 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 - 21:49
    د. صادق السامرائي
    "مرحبا حجاج مكة مرحبا"
    هذه الأهزوجة التي كان أهالي سامراء يستقبلون بها حجاجهم العائدين من إداء فريضة الحج , والذين يتوجهون أولا لزيارة مرقد الإمام علي الهادي (ع) , وبعدها يتم زفهم في مسيرة تضرب فيها الدفوف والحناجر تصدح " مرحبا بالزايرين المصطفى" ,  "مرحبا حجاج مكة مرحبا".

    وأذكر هذه الإحتفالية السامرائية بالحجاج , لأن عمّي كان من الذين يذهبون إلى الحج كل عام , وكنا نستقبله في الصحن , ونمضي معه في (الهوسة) بإتجاه شارع الشواف ومن ثم دربونة البومحمد الحمد (يوم كانت تعج بالحياة) , حيث كان يسكن في بيت جدي المقابل للديوان.

    ويبدا إستقبال الحجاج عند مدخل المدينة , إذا يحتشد العديد من المستقبلين على جانبي سدة سامراء للتهليل بالقادمين والترحيب بهم , ويمضي الناس معهم إلى مرقد الإمامين حيث يبدأ الحجاج بتأدية الزيارة قبل زفهم إلى بيوتهم.

    وكانت هذه المشاهد تتكرر كثيرا في المدينة , وهناك حجاج من أبناء سامراء يحجون كل عام , وكانوا من قدوات المجتمع في أخلاقهم وسلوكهم الإسلامي الرحيم.

    وكانت الحاجّات أقل من الحجاج , وأذكر عندما حجّت إثنان من عمّاتي , تحول بيت جدي إلى إحتفالية متواصلة لأيام , ترحيبا بالعودة والإستماع لقصص الحج والمشاهدات , والوصف الدراماتيكي لزيارة قبر النبي والطواف والوقوف في عرفات وغيرها من مناسك الحج , وبعدها يتم توزيع الهدايا وماء زمزم على المحتفين بالعائدين من الحج , كما يتم إقامة القراءات إحتفاءً بسلامة العودة , وهي عبارة عن مدائح نبوية تُرَدد على قرع الدفوف.

    وكان الذين يذهبون إلى الحج وحتى بداية القرن العشرين يوصون , لأن إحتمال عدم عودتهم قد يحصل , إذ كان الذهاب للحج أما سيرا على الأقدام أو على الإبل والخيول والحمير والبغال , والتي كانت تزدحم بها الديار المقدسة في مواسم الحج , ولا زلت أحتفظ بوصية جد أبي عندما ذهب للحج , والتي يوصي بها على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بشوؤنه وأمر عائلته وغير ذلك من الأمور.

    وفي مدينتنا يتحول الحاج والحاجة إلى قدوة سلوكية ومعيار للتعبير عن التفاعل الإسلامي الورع الرحيم اللطيف , فالحج لم يكن نزهة أو ترفا وإنما تحولا سلوكيا جوهريا في حياة الإنسان.

    وكنا ننظرللحجاج  بعين الإحترام والتقدير , وبأنهم يمثلون الصدق والنبل والنزاهة والرحمة والسعي للم الشمل وإصلاح ذات البين , وتعليم الذين من حولهم ما هو صالح وقويم ونافع للدين.

    فالحجي يكون له دور إجتماعي وتربوي وأخلاقي مؤثر في المجتمع , ولهذا مضى المجتمع الإسلامي في تماسكه وروعة تفاعلاته الإنسانية الطيبة الأليفة , وما تصدعت مكوناته رغم العاديات والنازلات الغازيات.

    ومنذ أن تيسر النقل وأصبح الناس يحطون في مطار المدينة المنورة في غضون بضعة ساعات أو أقل , صار الحج لايختلف عن أية سفرة سياحية , وما عاد إلا فريضة تؤدى وحسب , وبعدها لا علاقة للحاج بالسلوك والأخلاق والقيم الإنسانية , ولا يعرف المسؤولية السلوكية والدور الإجتماعي القويم.

    فلو أن المجتمع الإسلامي حافظ على قيمة الحج ودور الحاج في المجتمع , لما أصابه ما يحل به من التداعيات والويلات التي يقوم بها كل مدّعٍ بدين.
    ومن هنا فلا بد من العودة إلى النظر في قيمة الحج ودور الحاج في بناء المجتمع الإسلامي المعبر عن الأخلاق والقيم والمعايير , التي أطلقها وفعّلها الإسلام منذ أول إنطلاقته , وقد أرسى  الرسول الكريم وصحبه أجمعين القدوة الحسنة والسنة الصالحة للترجمة السلوكية الضرورية ,  للسلامة الإجتماعية والصلاح البشري في كل مكان.

    فهل سيمارس الحجاج دور القدوة السلوكية الصالحة الحَسنة في مجتمعاتهم؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media