خريطة طريق للخروج من متاهة الإرهاب والتطرف
    الأثنين 13 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 - 22:49
    د. هشام حسن الشمري*
    ** إن هذا الكتاب يصلح للتدريس في الكليات الدينية وكليات الآداب والتربية والمدارس الثانوية والإعداية في عموم العالم العربي، لأنه يرسم الصورة الحقيقية للإسلام.
    فبغض النظر عن شبهات الإرهاب الديني التي يحاول بعض المنظرين إلصاقها بالإسلام نتيجة عبث بعض الأدعياء من عرب وغير عرب، فإن أستاذنا العراقي الدكتور هادي حسن حمودي يقف بعلمية وموضوعية على أرضية صلبة يحدد تهمة الإرهاب بمن يرتكب الإرهاب فقط، ولا يصح، عنده، تعميم ذلك على بلد أو قومية أو دين. ولكنه في نفس الوقت، يدعو إلى إبعاد الدين عن صراعات المصالح الشخصية سواء اكتست ثياب الدين أو السياسة أو الإيديولوجيا. والحقيقة أننا لو راجعنا تاريخ البشرية لرأينا سلسلة طويلة من الإرهاب من مختلف الأديان والأحزاب والطوائف والدول.
    هذه هي الفكرة الأساسية التي خرجت منها وأنا أقرأ كتابه (الإسلام من الثابت إلى المتغير) ليشكل استكمالا لما سبقه من مؤلفات في نفس الإطار.
    ينطلق السيد المؤلف من قناعته بأن الإسلام، بصورته النقية البعيدة عن التوظيف المصلحي والطائفي، يشكّل بمبادئه العامة وقواعده الكلية الملاذ الذي ينبغي أن يلوذ به المسلمون لمعرفة ما يعمّهم ويهمّهم من شؤون، مما دعاه إلى أن يقدم دراسته هذه بموضوعية وعلمية، لمعرفة تأثيره في جوانب الحياة المعاصرة، من السياسية إلى الاقتصادية إلى الاجتماعية.
    وقد لاحظ الدكتور هادي قلة البحوث العلمية الجادة التي تناولت دور الإسلام في الأزمنة الحديثة بما فيها العلاقات الدولية والمشاركة الفعالة في الحدّ من الغلو والتطرف وما يسميه بالعنف ضدّ التاريخ، مما أتاح المجال لظهور بحوث نقيضة نحت ما بين منحى إفراط ومنحى تفريط، بلا اجتهاد علمي، ولا اعتماد على أسس علميّة حقيقيّة، وباجتزاء النصوص من مواقعها وسياقاتها، والبناء على ذلك الاجتزاء. فجهلت روح الإسلام الإنسانيّة الصافية التي تحدد علاقة الإنسان بالإنسان، على أسس من التعاون والتّآلف والتّعارف، بعيدا عن التطرّف سلبا أو إيجابا (فإنّ الْمُنْبَتَّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) كما في الحديث النبوي الشريف. والْمُنْبَتّ الرجل إذا انقطع في سفره وعطبت راحلته، فبقي في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقضِ وَطَرَه وقد أعطبَ ظهره.
    من هنا يظهر لنا أن هذا البحث يريد أن يوحّد بين المبادئ العامة والقواعد الكلية بقرآنها الكريم وسنتها النبوية الشريفة وما وافقهما، من جهة, وواقع حياة النّاس في هذه الأزمنة الحديثة، في إطار الأوضاع العالمية حسب تشخيص تلك المبادئ العامة والقواعد الكلية لمستلزماتها، من جهة أخرى.
    ومن أجل أن يصل المؤلف إلى حقيقة هذا الموضوع، نظر إلى مصطلحين ترددا عديدا من المرات في الكتاب، وهما المبادئ العامة والقواعد الكلية وهي حسب رأيه تجسيد لما جاء في القرآن الكريم، وأحاديث النّبيّ وسيرته وسُنّته، وكل ما وافقهما عبر العصور. فالتزم بإطالة النّظر في آيات القرآن الكريم وتابع معانيها في كتب التفسير المعتَبَرة ومعاني أصولها اللغوية وكيفية فهم المسلمين الأوائل لها. ومن بعد ذلك عاد إلى الأحاديث النّبويّة الشّريفة وسيرة النّبيّ وسُنّته، تحليلا واستيعابا، كي يكشف عن المنافع التي تقدّمها الآيات الكريمة والأحاديث الشّريفة وواقعات السُّنّة النّبويّة في أزمنتنا الحديثة هذه حين يأخذها النّاس ليشيّدوا على أُسسها بناءاتهم الحضاريّة المنشودة. 
    ويتخذ من مقولة إن العالم الآن بيت من زجاج، ليزيد عليه أن كل جدران غرفه زجاج شفاف، لا تخفى فيه خافية، ثم يخرج من ذلك إلى تقرير مهم جدا في العلاقات الدولية المعاصرة ، فيقول: (ولم يعد في وسع أيّ مجتمع أن يخبئ رأسه في الرمال متجاهلا ما يجري في ذلك البيت الآن، مما يؤثر تأثيرات جمة على كل دول العالم العائشة في البيت نفسه. كما لم يعد في وسع أي دولة لوحدها أن تنظّف العالم من الظواهر اللإنسانية التي تسود كثيرا من أرجائه، وتُلْصَقُ، خطأ أو خطيئة، بهذه الثقافة أو تلك، أو بهذا الدين أو ذاك).
    ثم يقترح جملة من الموضوعات التي يجب تناولها في البحوث المعاصرة، خاصة خطورة الغلو والتطرف، سواء كان دينيا أم (إيديولوجيا) أم غير ذلك. ونظرا لأهمية هذا الموضوع في هذا العصر، خاصة، أتفق مع السيد الدكتور في أن علينا أن نفهم كيفية معالجة هذه الظاهرة. على أن للمؤلف رأيا أنه لا يمكن القضاء على الغلو والتعصب والإرهاب إلا بتعاون دولي. مع تأكيده على أن المبادئ العامة والقواعد الكلية للإسلام تقدم مساعدة كبيره في هذا المجال، إضافة مجالات عديدة منها، حسب المؤلف: العلاقات الدوليّة التي صارت تقليدا عالميا ذائعا ولها قوانِينها وتقاليدها. وقضايا الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسياسة في العصر الحديث. مؤكدا أن الإسلام وضع الأسس ولم يقولب الناس في قالب واحد وإنما عليهم البناء على تلك الأسس. 
    ويقف إلى جانب تقوية وتمتين الوضع الداخلي في كل دولة عربية من أجل أن تقف الدولة بقوة على أرضية صلبة في أي حوار مع الآخرين، وفي أي ميدان من ميادين الحوار، وصولا لأنجع السبل لإنجاح عمليات التطوير الداخلي، وإنجاز خطط التنمية الداخلية، توعية بشرية وإنجازات حضارية، ومن ثم المشاركة الفعالة في حل المشكلات والمآسي التي يعاني منها العالم المعاصر، بما في ذلك التطرف والغلو وما ينتج عنهما من خطورة على التقدم والتطور، بل على الحياة نفسها.
    ومن أجل ضبط مسار البحث، فقد قسمه الدكتور المؤلف إلى خمسة فصول:
    بدأ الفصل الأول ببحث العلاقة بين الروح والمادة، ورآهما متكاملين لا متنافرين، أو هذا ما يجب أن يكون. وفي الفصل الثاني بحث كيفية تعامل الذات مع الآخر المختلف، بناء على ما قررته مبادئ الإسلام العامة وقواعده الكلية. وفي الفصل الثالث تواصل البحث في هذا التعامل مع الآخر فكان عنوانه: الإسلام والتحولات العالمية المعاصرة. وفي الفصل الرابع، انفسح له المجال للحديث عن الإسلام وتطور المجتمعات البشرية بما فيها المجتمع المسلم. وفي الفصل الخامس درس مفهوم الحياة والمواطنة، وهي من المصطلحات الجديدة، وشد عراها مع المفاهيم الإسلامية، بناء على ما جاء في الفصول السابقة لهذا الفصل. وفي الفصل السادس بحث ترشيد الإسلام للعلاقة بين المكونات الاجتماعية للدولة، ما بين الحاكمين والمحكومين، حسب المصطلحات الإسلامية ذاتها.
    وفي الخاتمة أوجز الاهتمامات الأساسية للبحث، وأرفقها بفهرس للمصادر والمراجع العربية والأجنبية، ثم فهرس موضوعات الكتاب.
    ولـمّا كان البحث مرتكزا على مصطلحات قد يغمض معناها على القراء الكرام، فقد بدأ الكتاب بتقديم بيّن فيه معناها وما قصد بها، ومنها المبادئ العامة والقواعد الكلية والمنهج والمنهاج، وغير ذلك مما ورد في هذا الكتاب الواقعي المهم.
    بعد أن قرأت الكتاب بإمعان وجدت الأستاذ المؤلف رفض ما يسميه بالعنف ضد التاريخ، وهو مقاوم بقوة لكل صور العدوان، ويطالب بإبعاد الدين عن الصراعات الشخصية والفئوية، والمصالح الضيقة، وينعى على من يلصق بالإسلام معايبه، أو يلصق به صفات ليست له.
    ----
    * أكاديمي عراقي - نيوكاسل – المملكة المتحدة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media