تعديل قانون ام تقنين للطائفية السياسية؟
    الأربعاء 15 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 - 19:46
    جاسم الحلفي
    عندما يدرس المرء تركيبة مجلس النواب العراقي بشكل عام، بكتله البرلمانية وما تمثل من مصالح خاصة، وانشغالات النواب الذين يسهرون على تأمين المنافع لزعماء الطائفية السياسية، ويجهدون في سبيل ضمان بقائهم متنفذين، ماسكين بالسلطة والامتيازات والحصانات، وعندما يتمعن في كل ذلك عميقا، لا يستغرب اداء مجلس النواب، ولا اولويات اهتمامه، ولا ما يعده اساسيا من القضايا، ولا ما يعكف على تشريعه من مشاريع القوانين، وبضمنها الموافقة من حيث المبدأ على التعديل المثير للجدل لقانون الاحوال الشخصية.

    جلُّ ما يسعى اليه المجلس بتعديل القانون رقم 188 لسنة 1959، هو ترسيخ الطائفية السياسية في مؤسسات الدولة ومفاصلها، والعمل على تقنين ذلك بدهاء في تشريعات تهدف في نهاية المطاف الى تفتيت الوحدة الوطنية، وتمزيق نسيج المجتمع العراقي، بذريعة الشريعة والحقوق والخصوصيات.

    الملاحظة الاساسية على مشروع التعديل هي تقنينه الطائفية السياسية في الواقع الاجتماعي، وهذا هو التهديد الاخطر للهوية الوطنية، الى جانب العيوب التي احتواها التعديل، ومنها الحط من كرامة المرأة وقضم حقوقها واعادتها الى عصر الحريم. فعقد الزواج هو مجرد عقد استمتاع، وحقها في الارث يزداد ضيقا. كما انها محرومة من إرث الارض التي يخلفها زوجها كتركة، بينما يحق للزوج ان يرث زوجته. تضاف الى ذلك حرمة زواج المسلم من غير المسلمة، والسماح بزواج القاصرات، وغير ذلك من المثالب التي تتناقض مع تطور مفاهيم حقوق الانسان وحفظ كرامته.

    ويخطئ من يتصور ان مجلس النواب يعمل دون رؤية تحدد وجهته. فمشروع التعديل لم يطرحه فرد محدد ولا لجنة معينة، بل توافقت على تبنيه اللجان البرلمانية المعنية. وهذا الاجماع يكشف لنا القصدية في تنفيذ المنهج الطائفي بدقة متناهية. فتشريع قانون يجسد الطائفية جاء بوعي كامل من اصحاب المشاريع الطائفية، الذين يجانب منهجهم منهج بناء الوحدة الوطنية وتعزيزها. وليس في وارد قادة المشروع الطائفي، ان يعدلوا قانون الانتخابات بما يعزز المشاركة السياسية، ويوفر مناخا مناسبا لتمثيل قوى الاصلاح والتغيير والاعتدال، ولا ان يُنجزوا او يُفعِّلوا قانون الضمان الاجتماعي او قانون مجلس الاتحاد او قانون مجلس الخدمة او قانون النفط والغاز، ولا ايّ من القوانين التي تؤسس لدولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية.

    كأن مجلس النواب لا علاقة له بالتحديات التي تواجه الشعب العراقي. فهو لا يكترث للمخاطر التي تهدد الاوضاع الحياتية والمعيشية للمواطنين. كما يبدو غير معني بايجاد مخرح من الازمة العامة الملازمة للعملية السياسية، الناجمة عن اعتماد منهج المحاصصة الطائفية والاثنية، والتي لا تنتج غير الخراب والفساد والتوتر وعدم الاستقرار.

    نعم، ليس في وارد المتنفذين استبعاد المحاصصة الطائفية والاثنية، واعتماد مبدأ المواطنة بديلا لها.

    "طريق الشعب" 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media