مصر طه حسين وعلى عبدالرازق ستعود (1)
    الخميس 16 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 - 05:43
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    أبشركم ونفسى أن نوراً من الماضى سيكشف الغمة عن قريب، وأن مصر التنوير فى عشرينيات القرن الماضى ستعود تحارب الجهل والتخلف وتعيد للوطن بهاءه ونوره وحريته، محمد نور، وكيل النائب العام، فى قضية العميد طه حسين، وعبدالعزيز باشا فهمى، وزير العدل، فى قضية الشيخ على عبدالرازق، من رموز التنوير عائدون إلى محطة مصر، واحة الحرية والنور، التى أظلمت بفعل مؤامرة الوهابية والوهابيبن. تعالوا نرى كيف كانت مصر واحة التنوير فى عشرينيات القرن الماضى قبل هذا البركان، ونعرف الفارق بين مصر التنوير ومصر السلفية:

    المثال الأول: الدكتور طه حسين ومحمد نور وكيل النائب العام «1926» تقدم شيخ الجامع الأزهر ولفيف من علمائه بعريضة تتهم الدكتور طه حسين المدرس بالجامعة المصرية بالكفر والإلحاد عما جاء فى كتابه «فى الأدب الجاهلى» والمطالبة بمصادرة الكتاب، ومنع العميد من التدريس فى الجامعة، وعلى الرغم من غرابة ما جاء فى الكتاب، وصدمة المجتمع فى أفكاره، إلا أن الجميع وقف إجلالاً لما قرره النائب العام، الذى لم يتأثر حكمه بما تناوله العامة فى حق العميد، أو الضغط الذى مارسه الأزهر، واللذان امتثلا لقرار النيابة ولم يتجاوزاه، ونوجز بعضا من الكتاب «ننصح بقراءته كاملا» لنرى كيف كان ثورة فكرية تستحق أن يطلق عليه زلزال عقلى، ونبدأ بتصرف بسيط:

    أولا: «نحن بين اثنتين إما أن نقبل الأدب وتاريخه، ما قال القدماء، لا نتناول ذلك من النقد، أو أن نضع علم المتقدمين موضع البحث، أريد ألا نقبل شيئا مما قاله القدماء فى الأدب وتاريخه، إلا بعد بحث وتثبيت، إن لم ينتهيا إلى اليقين، فقد ينتهيان إلى الرجحان، والفرق بين المذهبين عظيم، المذهب الأول يدع كل شىء حيث تركه القدماء، أما الثانى فيقلب العلم القديم رأسا على عقب، وأخشى إن لم يمح أكثره أن يمحو منه شيئا كثيرا».

    ثانيا: «إن ما نسميه أشعارا جاهلية ليست من الجاهلية فى شىء، وإنما هى منتحلة، ومختلقة بعد ظهور الإسلام، فهى إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين، ما نقرؤه على أنه من شعر امرئ القيس أو طرفة بن العبد أو عمرو بن كلثوم أو عنترة بن شداد، ليس من هؤلاء الناس فى شىء، وإنما هو انتحال الرواة، واختلاق الأعراب، أو صنعة النحاة، أو تكلف القصاص، أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين، ولا يمكن لهذا الشعر من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون لهؤلاء الشعراء، ولا يمكن أن يكون قد قيل أو أذيع قبل أن يظهر الإسلام، ولذلك لا ينبغى أن يستشهد بهذا الشعر على تفسير القرآن، وإنما ينبغى أن يستشهد بالقرآن على تفسير هذا الشعر وتأويله».

    ثالثا: «كل القدماء مسلمون مخلصون فى حب الإسلام، فأخضعوا كل شىء لهذا الإسلام وحبهم إياه، فما لاءم مذهبهم هذا أخذوه، وما نفره انصرفوا عنه انصرافا، وكذلك غير المسلمين تأثروا كما تأثر المسلمون، فتعصبوا على الإسلام، ولو أن هؤلاء القدماء استطاعوا أن يفرقوا بين قلوبهم وعقولهم، لتركوا لنا أدبا غير الذى بين أيدينا».

    رابعا: «القرآن أصدق مرآة لحياة الجاهلية، والناس قد أعجبوا بالقرآن لما بينه وبينهم من صلة، هذه الصلة التى توجد بين الأثر الفنى البديع وبين الذين يعجبون به حين يسمعونه، والعرب حين قاوموا القرآن وناهضوه وجادلوا النبى فيه، كان لأنهم فهموه ووقفوا على أسراره ودقائقه، فضلا عن أنه لم يكن جديدا كله على العرب، وإلا لما فهموه ووعوه، ولا آمن به بعضهم ولا ناهضه ولا جادله البعض الآخر، فكان كتابا عربيا، لغته هى اللغة الأدبية التى يصطنعها الناس فى عصره».

    خامسا: «الأديان الجديدة كما الأفكار الجديدة تهاجم وتغيظ بعضها بعضا، وهذا هو حال الإسلام حين ظهر هاجم الوثنية فهاجمه الوثنيون، وأخرجوه من مكة واضطروه للهجرة، وهاجم اليهودية فجاهدوه جهادا عقليا، وهاجم النصرانية فلم تكن معارضتها للإسلام قوية قوة معارضة الوثنية واليهودية، لأن البيئة التى ظهر فيها الإسلام لم تكن بيئة نصرانية، بل كانت بيئة وثنية فى مكة ويهودية فى المدينة، ولو ظهر الإسلام فى بيئة نصرانية كنجران أو الحيرة للقى من النصارى ما لقى من مشركى مكة ويهود المدينة».

    سادسا: «القرآن حين يتحدث عن الوثنيين واليهود والنصارى إنما يتحدث عن العرب وعن نحل ديانات ألفها العرب، فهو يبطل ما يبطل، ويؤيد ما يؤيد، وهو يلقى من المعارضة والتأييد بمقدار ما لهذه النحل والديانات من السلطان على نفوس الناس، فلم يكن شعر امرئ القيس أو طرفة أو عنترة له نصيب من هذا الصراع وهذه المجادلة، ولم يكن متجاوبا معها، بل كان يظهر لنا حياة غامضة جافة خالية من الشعور الدينى والعاطفة الدينية المتسلطة والمسيرة على الحياة العملية، وكان هذا الصراع بين الإسلام وغيره على قمته وهذا يدعو للعجب»، العميد ظن، فيما أرى، أن تعامل الإسلام مع الأديان التى واجهها تعامل جغرافى خاص بالعرب فى مكان محدد، مرهون بالكتلة الرافضة ومصالحها، فليس للإسلام موقف مع الصابئة وكان دينا قائما مسالما لا صده ولا وافق عليه، وفى هذا أمر محير.

    نستكمل الأسبوع القادم والمتابعة.

    adelnoman52@yahoo.com

    "المصري اليوم" القاهرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media