كردستان والخمرة المخشوشة!
    الثلاثاء 21 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 - 11:52
    هاني الحطاب
    ان الحرية المفرطة اضرت بكردستان بشكل بكبير . فهي مثل الحرية الممنوحة إلى طفل مشاكس تفسد خلقه . فالحرية والعبودية هما وجهان لعملة واحدة ، ولكلاهما  إضراهما وحساناتهما  ، فالحرية التي بدون ضوابط وقيود ، تؤدي للفوضى والخراب ، وحسنت العبودية الوحيدة  ، هي الأنضباط وعي الحرية .  لقد خرج الكرد تواً من العسف والأضطهاد ليدخلو فجأة بعالم الحرية  ، فأصابهما الدوار . وحتضنتهم الدوائر المشبوه . وأريد لكردستان أن تكون الصفحة الثانية من داعش . فهي كانت الوجهة الخلفية لداعش ، فداعش وكردستان كلاهما كان يخطط لهما من نفس الموقع ، ويعملان سويتاً . لذا تشابه أيقعهما وخطواتهما . فرأس الحربة كانت داعش لهجوم على العراق  لجهاز عليه كبلد . فالمصلحة ، في تأسيس اوطان جديدة ، على رفات العراق الممزق ،  هي التي جمعتهماً معاً ، وجعلتهما يتشابهان  في نهجهما وسلوكهما أزاء العراق كبلد . فكلاهما أعترف السرقة وقضم الأراضي وأهانة أهله ، وأيواء أعداءه . لذلك كان خونت الموصل ، من القاد الكبار ، كلهم أكراد من جماعة البرزاني . أن الحرية التي عاشها الأكراد أفسدتهم تماماً ، وجعلتهم موالين للغرب  بلا تحفظ ، حباً في الأنتقام من العراق . وأصبحت كردستان بؤرة لتأمر على العراق ، فكل أعداء العراق ومن يطمعون في تفتيه وزالته من الوجود اضحوا أصدقاء كردستان ويمدونا بسلاح وبالمشورة وبما عليها أن تفعلة ، وما لا تفعله ، فغدت خطر داهم على العراق . لأن الكرد ربطوا مصيرهم ومصير وجود دولتهم الحلم المستقلة  ، كما خَيل لهم بموت العراق ككيان ودولة . فالحرية ، التي تتمتعوا بها ، طيلة فترة غياب السلطة العراقية ظهرت لهم كحالة فريدة لا يمكن أدامتها إلا بزوال الدولة العراقية ، ومن هنا عدم ، قدرتهم على التميز بين الممكن وعدم الممكن والمشروع ولا مشروع ، فالغاية ، هي الهدف ، وكل الوسائل مشروع في الوصول أليها .  وعليه ، علينا أن نسأل  ، من  أين نشأ الطموح بزوال الدولة العراقية ، فهل هو فعلاً نزوع متئصل في الكرد  , كما يحاولو أن يوهموا الآخرين ، أم أنه نزعه آنية أملته الظروف والأوضاع الحالية ، وهل لهذا النزوع علاقة بالأستقلال ؟ أن الأجابة على السؤال بأبعاده الثلاثة يمكن أختصاره ، بأنه يتلخص كله في الطموح للأستقلال ،  هكذا يقال  . ولكن هل الأستقلال هو مطلب الكرد الأساسي ، أما أنه لا يعدو أن يكون وهم نسجه لهم البعض نتيجة وضع العراق الحالي ، وأن الأستقلال هو أبعد من خيال الكرد بشكل لا يتصور ، وهو لا مفكر به ، ولا متخيل ؟ بالطبع ، ستكون الأجابة جاهزة لدى البعض ، بالقول ، بأن مطلب  الأستقلال ، هو الهم  ، والطموح الذي سكن مخيلة الكرد ، وهو كل ما يفكر به  باليقظة والمنام   ، ، وإذا أردت الخبر اليقين  عنه ،  موجود عند جهين فهي تخبرك اليقين ، الذي هو الأستفتاء ! أفلم يصوت له بنسبة ٩٢ من مجموع الشعب الكردي ، أفليس هذا هو القول الفصل في هذا  الشأن ؟  ، والذي يقطع الشك بأليقين . كما يقال ، فماذا تريد أكثر من ذلك ؟  وبما أننا لا نريد أن نخدع في المظاهر ، وبما يبدو على السطح . فدعونا ، نذهب أبعد مما يظهر ، وأبعد مما أعلن عنه ، ونبحث عما يكمن خلف الأستفتاء ، وكيف سوق إلى الكرد ويسكروا به وينخدعوا . أن هذه المحاولة الدينكوشتية ، التي تجسدت بالأستفتاء نسجت خيوطها لدون كيخوته كردستان ، البرزاني ، كبساط ريح ، يحلق به ، بعيداً عن كل قوانين الجاذبية وإكراهات الواقع . فقد أطلق السحرى الذين أحاطوا بدون كيخوته كردستان من قمقمهم شيطانيهم ، التي أستولت على عقل البرزاني ،  وأذهلته عما حوله ، بيد أنها بعد حين ، أنقلبت عليهم  ، ليهوي  ، من ثم ، البرزاني من فوق بساطه المحلق في جوزاء الفضاء مذموم محسوراً . فلقد سكر الكرد بخمرة مخشوشه ، كان زلماي زاده وبرناد ليفي ، يسقونها  لدون كيخوته  الكرد ، ، فثمل ، وسكر  الكرد معه ، بهذا الخمرة ، المخشوشه ، والتي تقيئها الكرد بعد الأستفتاء . فالأستفتاء ، هو الخمرة المخشوشة ، فلم يكن الكرد من مدمني الخمرةً ، ، ليعروفوا ، أن ما يشربوه  مخشوش ، ولكن كيخوته ، الراكب على ظهر مطيتاه ، زلماي زاده ، وليفي ، والذي يستبدلهم بين حين وآخرى ،  وسيفه الخشبي ، بيده ، رأى  بخياله الملتاث ، بطواحين الهواء ، جيوش جرّاره ، فنكس على أعقابه ، وهو ينخس بغلته بعنف ، ويصيح لعنه الله عليكم وعلى الأستفتاء . فلم يكن الأستفتاء ليخطر في بال الكرد  ، لو لم يسكروه  حد  الثمالة ، بتلك الخمرة المخشوشة  . وصور البرزاني ،  لكرد ، بأنه أصبح سيد العراق ، وهو  ، قاب قوسين أو أدنى ،  سيغدو ، غداً ، إمبراطور الكرد ، على كل كردستان ، الممزقة بين كواسر المنطقة . نعم ، كان الأستفتاء ، زفة رهيبة ، لا يمكن للأحد أن يقاوم سحرها وغراءها ، فقد عمل البرزاني ، منذ الأستقلال الغير رسمي ، على بناء مرتزقه من الكتاب والشعراء والصحفين  والاقتصادين التافهين ، ومن كل الملل لهذا اليوم العظيم  ،  لكي يزوقو لشعب الكردي والآخرين ، ما  هو في سبيل تحقيقه ، فقد أريد لهذا الموكب أن يخلب لب كل المشاركين عما يجري في الخفاء ، وأن ينتهي عند المأدبة التي تتم فيها جريمة كبيرة .  فهذه الخمرةً التي اسكرت الكرد ، هي  من تلك الخمرة التي أسكرت كل العرب منذ ما يسمي بالاستقلال  الكاذب للدول العربية  ، التي ما أستقل أحد منهم   ،  ولم يصحوا بعد منها بعد  . وما دمنا أكثرنا من الحديث عن الخمرة والسكر بها ، فنقص قصتها ، ونوضح معناها ، وما نقصد بها  . وشىء طبيعي يجب أن يفهم منها ، أعني الخمرة ، والسكر ، أنهم تعبابير مجازية ، فهي ، وعود ، وأفكار ، ومشاريع ، تغدق ، من قبل الدول المتنفذ  ، تسكر  سامعيها . فنحن العراقين العرب بشقينا السني وشيعي شربناها حد الثمالة . فالشيعة ، أضاف لخمرتهم المعتقه ، الحسين المقتول ، والمصلوب على رايات ياحسين ، ولطم ، وشك الزيج ، وركضة لطوريج ، شربوا خمرة الوعود المعسولة ، بأن الحكم سيكون لهم  . وتصبح لهم حصة في سرقة أموال الدولة ، التي كانت مقصورة على أخوانهم السنة  الذين بشموا منها. أما سنة العراق ، فقد ثملوا بوعد  عودة السلطة  حتى  الدوخان ، وهم  الآن ، يتعذبون من عدم وصول  جودوا ( بطل مسرحية بكيت في أنتظار جودوا ، التي تعني الأنتظار الغير مجدي  ) فقد وعدوا بعطاهم السلطة ثانية ، خالصة لهم  ، لذا أصبحوا كلهم داعشين  إلا ثلة قليلة ، لم تشرب من تلك  الخمرة . أما عرب الخليج ، فقد فسد أدمغتهم لحد النخاع  أيضاً ،  بتلك الخمرة  ، خصوصاً السعودين الوهابين منهم   ، فباتو مسكونين بخمرة عودة الخلافة الإسلامية  ، وعودة الأندلس وغرناطة والليالي الحمراء مع  سبايا وجواري أوربا ، وبنات العجم . ولكن الكرد  كانوا ، حديثون على شرب هذه الخمرة ، فهم لم يمضي عليهم عقد من الزمن منذ بدأت الحياة تسري في عروقهم ، وتتعافى أجسامهم ، فقد كأنوا خاضعين لطغاة صغار مخصين ، يستأسدون على الضعيف والمنزوع السلاح . لذلك لم يدمنون خمرة الوعود المعسولة . بيد أن ما سقط هؤلاء الطغاة الصغار ، وشم  المتصيدون في المياه العكرة ،  أن الحياة أخذت تدب في عروق الكرد حتى غزوهم من كل فج عميق ، وراحوا شيء فشيء ،  يسقون الكرد تلك الخمرةً المدوخه ، وتذوق الكرد تلك الخمرةً ، وستطابو  طعمها ، ومذاقها ، فبدأت أحلى من الشهد ، وطالبوا المزيد منها والأكثر  من رحيق الإلهة ، حتى أدمنها الكرد طيلة تلك الفترة ، فحلقوا في فضاء السموات السبع  ، وبدأت من فوق كل الأشياء ، القيم ، والجيرة ،  والأوطان ، صغيرة ،  وتافه تحت أقدامهم ، وصاروا أعراب أقحاح . وبما الإنسان لا يمكن أن يكون سكران دوماً ، وأن لا بد من صحوة طبيعية ، تعقبها سكرة ونشوة  ثانية  ، الإ أن صحوة , الكرد ،  جاءت صدمة ،  وسقوط من حالق ، وعلى الرأس ، فهم حلقوا بعيداً ، وفوق الغيوم ، وقريباً من النجوم ، يناجون القمر ، في مركبهم السكران . وحينما عادو للوعي ، وجدوا أن الأرض مزدحمة بالجيش والحشد الشعبي ،  فصرخوا

    باي حال عدتي ياكردستان ... بما مضى أم فيك تجديد .

    وهكذا يجد الكرد أنفسهم مرة آخرى على أرض الواقع  ، بعد بحران من النشوة والوجد الصوفي . لا يعرفون ، أي الطرق يسلكون ، فامستشاري الأمس اختفوا ، بعد أن أنقلب سحرهم عليهم . لذلك فأن الكرد في وضع لا يحسد عليه فهم بحاجة لفترة نقاهه ، يستردون به صفاء حواسهم ، ويرون الأشياء على ما عليه . ولا يصبحون مثل أعراب الخليج ،  الذين ما يزالون يراهنون على استرداد الخلافة الأسلامية والأندلس . فاضرار الحرية ، بعض الأحيان تكون قاتلة ، إذا ترك لها الحبل على الغارب  ، وحينما تكون مفاجأة وبلا مقدمات ، ولا تربية عليها ، فالحرية في أبسط تعاريفها معرفة حدها وحق الآخر . فعودت الوعي ،  ، مرهونه ، بزالت ما خالطه من أوهام وأحلام يقظة  ، هي وحدها الكفيلة بصلاح ذات البين . الوعي بأن يعرفوا، أنهم محاطين بدول لا تقبل رومانتيكيتهم ، وأنهم مرتبطين بدولة ،  وجزء من العراق شرعاً ، وحسب المواثيق الدولية ، وليس بلد محتل  ، وأنهم ليسو محلقين في السماء . وحقيقة ،  بعد هذه ، الوقفة مع أصدقائنا الأكراد الذين قلبو  ظهر المجن لأبناء وطنهم ، مع أول بادرة ، أن لو قرأ المرء ما يكتبه كتابهم  ومثقفيهم ، على الأقل في المواقع العربية ، لأن بتأكيد ما يكتب في اللغة الكردية  ، يمكن تقول عنه حدث بلا حرج ، فلا بد أن يكون مسرف في  الخيال أضعاف ما نقرأه بالعربية ، لرأى كما كم حلقوا بعيداً ، وأرهقو أنفسهم بالخيال . فَلَو أردت أمثل على هذه الحالة بنصوص ، لقلت ليقرأ لبعض من يكتب بالعربية أمثال سامان ، وعماد علي ، وغيرهم كثيرون . فعماد علي يكتب على صفحة صوت العراق، كالذي فاق تواً من حليم عميق مسكر ، يالهي كيف يمكن العيش مع هؤلاء الذين ليس لديهم شيء سوى لطم على الحسين والركض لطوريج ! ويتسأل بحيرة ، أنه حتى لو أراد أن يعيش  وأن يعتبر العراق ككل  وطنه ، مع شيعة مهوسة بحب أيران وقاسم سليماني ! فكيف يمكن له يعود لهذا العالم الذي فارق منذ سنوات ، فما اصعب الميعاد بالنسبه للكرد من أمثاله ، أما صاحبه الآخر ، سامان ، فهو ينظر من برجه العاجي ، بنرجسيته وتعالي كنثروبولوجي  يعيش بين قبائل بدائية .  يريد أن يفهم سر تعلقهم بالأساطير .  فمثقفي الكرد جلهم يحس، ويلعن الجغرافيا ، وأنهم  موجودين في المكان الخاطئ ، والزمن الأغبر . فوهم الأستقلال ، بالحدود التي رسمت لهم ، دق آسفين بينهم  وبين العيش في العراق ، وجماهيره ، الراكضه نحو طويريج ، يصعب أنتزاع من أدمغت كتاب الكرد .

                    هاني الحطاب
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media