عبد الحكيم مفيد ، اتدري كم نحبك ..؟؟
    الأربعاء 22 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 - 06:26
    شاكر فريد حسن
    كاتب وناقد فلسطيني
    لم تشهد قرية "مصمص " الحزينة الباكية موكباً جنائزياً بهذا الحجم والضخامة مثل الموكب الجنائزي المهيب لابنها المرحوم القيادي البارز في الحركة الاسلامية والعمل الوطني، الاعلامي والكاتب السياسي عبد الحكيم مفيد اغبارية ، منذ جنازة الشاعر الشهيد راشد حسين ، الذي عاد اليها عودة تكيد الاعادي ،  بعد احتراقه في غرفته بنيوورك ، ليحتضنه ثراها الفلسطيني المقدس.

    فقد ضاقت شوارع وازقة وحارات"  مصمص " الثاكلة ، التي اتشحت بالحزن والسواد ، ضاقت بالجماهير التي تدفقت وتقاطرت من كل انحاء البلاد ، من اعالي الجليل وحتى اقاصي النقب ، لتشارك في القاء النظرة الاخيرة على الحكيم وتشييع جثمانه الطاهر . وقد تجلت في جنازته المهيبة اروع صورة للوحدة الوطنية بين مختلف الاطياف والمركبات والاحزاب السياسية ، التي شارك فيها جل القيادات والشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية والأدبية . وكيف لا تلتقي وتجتمع معا لتودع الحكيم ، الذي عرف عنه انفتاحه على كل القوى والتيارات السياسبة والفكرية الفاعلة على ساحة جماهيرنا  العربية ، من خلال لجنة المتابعة العربية التي كان احد اعضائها الناشطين والفاعلين بين مركباتها ، وعمله الجاد والمخلص في سبيل صيانة وحدة العمل الوطني في الداخل ، وشكل دوره رافعة لكثير من العمل الوحدوي المشترك حول قضايا جمعية ملحة.

    ان موت الحكيم المفاجىء المباغت ترك اثراً عميقاً ولقي ردود فعل واصداء جماهيرية واسعة تجسدت على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي ، فلم تتوقف الاقلام عن كتابة البكائيات والرثائيات وكلمات التأبين الصادقة العفوية ، وهذا يعيد الى اذهاننا موت القائد الشيوعي الكبير ، رئيس بلدية الناصرة وعضو الكنيست ، الشاعر توفيق زياد ، الذي توفي اثر حادث طرق مروع على طريق اريحا عندما كان عائداً من لقاء مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

    عبد الحكيم مفيد ترك الكثير من المعالم والقصص والروايات الخالدة ، ولم يلن أمام قهر الجلاد ، ورداءة الزمن ، وقتامة الواقع ، انه التضحية والفداء ، وهو ااقادم من عمق التاريخ الى حتميات المستقبل ، ولو انه كان يعرف أن كل هؤلاء الناس الذين شاركوا في جنازته ، التي جمعت بين كل المتناقضات والاطياف السياسية ، يحبونه كل هذا الحب لرفض أن يموت.

    لقد ترجل عبد الحكيم مفيد عن صهوة جواده ، مودعاً الحياة ، ومرتحلاً الى عالم الخلود ، حاملاً مصمص وعكا وحيفا ويافا والقدس وغزة وكل مدن وعرائس فلسطين في القلب ، وهو باق في ضمير الجماهير التي أحبها واحبته وودعته الى  مثواه الأخير ، امانة في عنقها وفي عقد الكفاح والنضال المقنن وقلب العمل الوطني الوحدوي الذي اعطاه ومنحه عمره القصير.

    رحمك الله يا صاحبي الحكيم ، يا زميل القلم ، ويا رفيق الصبا والشباب ، وليس امامي في لحظات الوداع الأخيرة سوى كلمات الشاعر الراحل سميح القاسم في قصيدته " أنت تدري كم نحبك " التي رثى فيها صديقه الشاعر الفلسطيني ابن غزة معين بسيسو:

    يا صاحبي

    في النعش متسع لأغنيتين  ا

    واحدة تقول : أنا الكفن

    وتقول واحدة :

    تعبت من الرحيل الى الرحيل

    وتعبت من وطن يموت بلا وطن !

    يا صاحبي حياً وميتاً

    أيها النجم البخيل

    في النعش متسع لصعلوكين

    كيف مضيت وحدك

    دون صاحبك القتيل ؟!

    زيتونة الطوفان في قلبي

    تعاتب فيك بركان النخيل .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media