"الناس نيام وإذا ماتوا إنتبهوا"!!
    الخميس 30 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 - 23:31
    د. صادق السامرائي
    قول تأملي إدراكي عميق يُنسب للعديد من المفكرين والفلاسفة وغيرهم , وفيه دلالة تعبيرية عن حقيقة الواقع العقلي البشري , وهو يشير إلى أن العقول البشرية مبرمجة أو مؤطرة أو مخندقة ومصندقة أو مقولبة أي موضوعة في قوالب , ووفقا لما هي فيه ترى ما حولها وتبصر الأشياء وتعبر عن ذاتها المشكّلة أو المأسورة في قالب ما.
    والتقولب أي الإنصباب في قالب معضلة سلوكية بشرية أزلية , ذلك أن الدماغ مطواع ولديه القدرة على التشكل والتصلد والتصمل , أو التبدل إذا تمكن من الخروج من قالبه المسبوق والدخول في قالب آخر , ربما ليس من السهل أن يتخذ شكله لأن آثار القالب القديم لا تزال راسخة فيه.
    ويبدو التفاعل العقلي مع البشر كالسير في طريق يزدحم بالعثرات , فلا يمكنك الخطو من دون معاناة وأضرار وربما دمارات ذاتية وموضوعية , فالأدمغة البشرية كالصخور الصماء , إنها لا ترى ولا تسمع لكنها متأهبة للتناطح والتصادم الشديد , خصوصا عندما تتمترس بتروس عاطفية إنفعالية مسبوكة في أوعية التكرار والترسيخ منذ الصغر.
    فالذي يؤمن بعقيدة ما تم ترويضه وقولبته في قوالبها منذ الطفولة , سيكنز حواجز إنفعالية ذات إنفجارية عالية بوجه الذي يتجرأعلى المساءلة , وإستحضار بعض المنطق العقلي لتصحيح ما يراه لا يصلح للزمان والمكان , وينتهي التفاعل إلى تنافر وإطلاق للمشاعر السلبية النكراء , فتتحقق الكراهية ويتنامى العدوان.
    كنت في مطعم فسأل زميلي صاحب المطعم عن الصورة وكانت "تاج محل" لكن زميلي شكك بها فسأله عنها فأكدها , فقلت تبدو وكأنها مسجد جميل , فثار صاحب المطعم بوجهي بإنفعالية هائلة , ينكر فيها أن للبناء علاقة بمسجد وراح يشرح القصة المعروفة , فقلت أن في داخل تاج محل آيات قرآنية وكتابة بالعربية حول ضريحي الرجل وزوجته , فإزداد صاحب المطعم إنفعالا , فسألته عن ديانته فقال إنه من كذا ديانة , ففسر لماذا إستشاط غضبا.
    وراح زميلي يحدثني عن وجوب عدم عودتي لمطعمه مرة أخرى , مع أني من زبائنه الدائمين!!
    وهذا مثل على التقولب والتكهرب بالأفكار المحشوة في الأدمغة والمقرونة بطاقات إنفعالية سلبية , فهذا الشخص قد تربى على إقران الإسلام بالكراهية والعداء , ولا يمكنه أن يستوعب الكلمة إلا أنها يجب أن تواجه بعنفوان إنفعالي ونكران عاطفي شديد.
    وقس على هذا ما يحصل بين مذاهب ومدارس الدين الواحد , فكل حالة تقترن بعواصف وأعاصير عاطفية إنفعالية تقولب أو تأسر صاحبها في قبضة قوالبها الإدراكية , وتدفع إلى سلوكيات متوافقة مع نوازعها ودوافعها الوهمية الهذيانية المنحرفة.
    ووفقا لهذا فأن البشر منوّم ومخدر بالآليات القولبية , وهو يمضي أيامه كأعمى بصيرة وإن لم يكن أعمى بصر , وحال إقتراب الموت تخمد النيران العاطفية والسورات الإنفعالية , فيتحرر العقل وتبدو الصورة واضحة ولكن بعد أن ألفى أن كل تميمة لا تنفع.
    وهذه حالة مصيرية تتكرر على مر الأجيال وما تمكن البشر من التحرر من أصفادها المريرة.
    فهل للعقل دور والعواطف ذات أجيج صاخب؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media