الحرب على الفساد وملاحقة المفسدين ... الجزء الثاني
    السبت 9 ديسمبر / كانون الأول 2017 - 22:47
    أياد السماوي
    في الجزء الأول من هذا المقال كنّا قد قلنا أنّ الفساد في العراق لا يشابهه أي فساد في العالم لا من حيث الكم ولا من حيث النوع ولا حتى من حيث الأسباب , وقلنا أنّ الفساد في العراق لم يعد حالة استثنائية أو شاذة تخص وزارة معينة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة بعينها أو محافظة معينة أو مسؤولا معينا أو حزبا سياسيا معينا , وقلنا أنّ الفساد السياسي في العراق هو أساس الفساد وبسببه استفحل واستشرى الفساد المالي والإداري وحتى الأخلاقي , وقلنا أنّ الفساد في العراق نتاج توظيف السلطة لممارسة الفساد وتوظيف الفساد لبلوغ السلطة , وبالتالي فإنّ عملية التصدّي للفساد وإعلان الحرب عليه لا يمكن أن تكون جدّية ما لم نبدأ أولا بإعلان الحرب على الفساد السياسي , وإعلان الحرب على الفساد السياسي لا بدّ أن تسبقه عملية إصلاح للنظام السياسي القائم , وهذا الإصلاح يحتاج أولا لإرادة سياسية حازمة وقوية وصادقة وجادة في تحقيق الإصلاح , وتحتاج ثانيا إلى أدوات وآليات غير الأدوات والآليات المتّبعة حاليا , وتحتاج ثالثا إلى حزمة من التشريعات القانونية التي توّفر القاعدة القانونية لهذا الحرب , وأخيرا تحتاج إلى تهيئة المجتمع بأسره وبكافة مؤسساته السياسية والدينية والإعلامية والثقافية وإشراك منظمات المجتمع المدني من خلال البرامج والفعاليات التي تساعد على تحقيق الشفافية وتعزيز سيادة القانون , بمعنى أنّ الحرب على الفساد تبدأ أولا من إصلاح النظام السياسي القائم .

    إذن فالنظام السياسي القائم هو حجر الزاوية وهو البداية للانطلاق نحو خطوة جدّية لمحاربة الفساد والقضاء عليه , فليس هنالك من مفر لإعادة بناء العملية السياسية القائمة على أساس المحاصصات الطائفية والقومية والحزبية , ولا سبيل لإلغاء هذه المحاصصات اللعينة إلا من خلال تبّني مشروع حكومة الأغلبية السياسية التي تشّكل الخطوة الأولى الصحيحة على طريق محاربة الفساد , فحكومة الأغلبية السياسية ستضمن لرئيس الحكومة حرية اختيار وزرائه بعيدا عن قاعدة المحاصصات وتجعله مسؤولا مسؤولية مباشرة أمام الشعب عن أي فساد في حكومته , وهذه أول خطوة نحو تحقيق الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد , كما أنّ من شأن حكومة الأغلبية السياسية أن تحقق انسجاما تاما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فيما يتعلّق بتشريع القوانين التي توّفر الغطاء القانوني لمحاربة الفساد وتسرّع في تشريع القوانين التي تعثرّ تشريعها كقانون النفط وقانون المحكمة الاتحادية وقانون الحدود الإدارية للمحافظات وغيرها من القوانين المهمة التي تساعد على بناء المؤسسات الدستورية في البلد , كما أنّ الانتقال من حكومات التوافق الطائفية والحزبية إلى حكومة الأغلبية السياسية سيمّكن رئيس الوزراء القادم من تغيير الأدوات والآليات الحالية المتّبعة في محاربة الفساد .

    وتجربة السنين الماضية تؤكد أنّ الأجهزة الرقابية الحالية قد فشلت فشلا ذريعا في الحدّ من الفساد وإيقاف سرقة المال العام , وبقاء هذه الأجهزة على حالها من دون إعادة النظر بهيكلها وتركيبتها وقوانينها , لا يمكن أبدا التصدي لمنظومة الفساد التي أصبحت أقوى من الدولة وإمكاناتها , وعلى من يتّصدّى للفساد أن يعلم منظومة الفساد هي النظام السياسي القائم وهي العملية السياسية القائمة وهي الدولة بجميع وزاراتها ومؤسساتها وهي الأحزاب والقوى السياسية المتصدية للمشهد السياسي والتي توّرطت جميعا بالفساد وسرقة المال العام , وهي البنى الفوقية للمجتمع التي تتعلّق بسلوك وأخلاق وعادات الناس التي تغيّرت وتبدّلت خلال العقود الأربعة الماضية , والحرب على الفساد ليست شعارا انتخابيا يتبّناه الساسة قبل الانتخابات وينخرطون فيه بعد الانتخابات والوصول إلى مواقع المسؤولية , ومما يزيد الامر صعوبة وتعقيدا أنّ الفاسدين جميعا هم وأحزابهم يرفعون شعار محاربة الفساد وملاحقة الفاسدين , وليعلم الجميع أنّ ملاحقة رؤوس الفساد الكبيرة لا تتم من خلال حكومة جلّ وزرائها فاسدون وجاءت بموجب مبدأ المحاصصات الفاسد , بل من خلال حكومة أغلبية سياسية تأخذ على عاتقها مهمة التصدّي لسرطان الفساد الذي انتشر في كل جزء من جسد الدولة ... انتظرونا في الجزء الثالث .

    أياد السماوي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media