الى حيدر العبادي في اجتماع المناخ
    الثلاثاء 12 ديسمبر / كانون الأول 2017 - 20:22
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    ارجو ان لا تكون قد ترأست وفدا عرمرما لايحل ولا يربط في مشكلة التغيرات المناخية، التي يمكن اعتبارها الان من اهم التحديات للبشرية جمعاء خلال هذا القرن، مثلما حدث قبل سنتين عندما توجه ما يقرب المئة من المسؤولين والخبراء العراقيين لحضور مؤتمر المناخ في باريس وليس في جعبتهم شيئ يقولونه سوى ان المسألة لا تخص العراق لانه من البلدان النامية بل تخص البلدان الصناعية التي سببت المشكلة. معظم اعضاء الوفد ذهبوا للسياحة على حساب الشعب العراقي وشهدائه الابرار وقد كلف الوفد مليارات من الدنانير في الوقت الذي كانت الحكومة العراقية مشغولة بترتيب قروض دولية لسد العجز في الميزانية ودفع رواتب الموظفين والمتقاعدين والمحتاجين وتكاليف الحرب على داعش.
    لا أشك بان حضورك الاجتماع سيفيد العراق من خلال توظيف السمعة الجيدة التي حصلت عليها من انتصار العراق على داعش التكفيري الهمجي في محادثاتك مع مسؤولين مؤثرين من مختلف دول العالم وبمستويات مختلفة من اجل دعم ومساعدة العراق في مرحلة مابعد داعش وتعزيز علاقات ثنائية لمصالح مشتركة في مجالات متعددة، ومنها تعزيز قدرة العراق في مجابهة التغيرات المناخية. ولكني ارى بأن جعبتك والوفد المرافق فارغة من تقديم مقترحات واجراءات جيدة لمعالجة مشكلة التغيرات المناخية سواء ان كان على المستوى العراقي او الاقليمي او العالمي، وبالاخص مناقشة الاجتماع الحالي لكيفية تمويل بنود تنفيذ اتفاقية باريس المناخية لعام 2015. ارجو من ما اطرحه في هذه المقالة من افكار ومشورة ان تساعدك والوفد المرافق في ملئ الجعبة بعض الشيئ وطرح افكار لعلاج الازمة المناخية مبنية على الهوس العراقي في العدل والحق والاخوة الانسانية.
    سبب الازمة المناخية هو ازدياد تركيز غازات الاحتباس الحراري (غازات تسمح بمرور الطاقة الضوئية بسهولة ولكنها تعيق مرور الطاقة الحرارية) في الغلاف الجوي وهذا يسمح بمرور طاقة الضوء الشمسية الى سطح الكرة الارضية في حين تزداد عرقلة خروج الحرارة من سطح الارض الى الفضاء الخارجي. اهم هذه الغازات هو ثاني اوكسيد الكربون، الذي سيكون مسؤولا عن اكثر من ثلثي الزيادة المتوقعة في درجات حرارة الارض (2 الى 5 درجة مئوية) عند نهاية هذا القرن ومع مضاعفة تركيز غازات الاحتباس الحراري، وغاز الميثان، الذي سيكون مسؤولا عن حوالي سبع التحمية الاضافية. زيادة تركيز كلا الغازين في الغلاف الجوي مرتبط بالدرجة الرئيسية باستخراج وحرق الوقود الاحفوري من نفط وغاز وفحم، وهذا الامر يهم العراق كثيرا لانه مصدر ومستهلك ومبذر كبير للنفط والغاز.
    من المؤسف بأن الكثير من المسؤولين في البلدان النامية ومنها العراق ينظرون للمشكلة بأنها من مسؤولية الدول الصناعية والمتقدمة ولا تجبرهم اتفاقية المناخ الدولية، التي انسحبت منها امريكا ترامب والتي تؤكد انتهاء عصر الوقود الاحفوري خلال النصف الثاني من هذا القرن، على اتخاذ اجراءات فعالة لتقليل اطلاق غازات الاحتباس الحراري. رغم عدم وجود تقديرات حول اطلاقات العراق من هذه الغازات في المواقع العراقية الرسمية اقدر اطلاقات العراق بأنها الان تزيد عن المعدل العالمي للفرد والبالغ حوالي طن كاربون في السنة (او 4 طن ثاني اوكسيد الكربون) وهي في تزايد كبير مع زيادة عدد السيارات ونمو الاقتصاد العراقي الواسع وربما يقترب من المعدل الاوروبي البالغ حوالي 3 طن كاربون في السنة خلال 10 سنوات. بلدان كثيرة مثل بنغلادش ستضرر من تأثيرات التحمية المناخية اكثر بكثير من تأثيرها على العراق رغم ان مواطنيها لا يطلقون حتى عشر ما يطلقه المواطن العراقي من غازات الاحتباس الحراري. فهل يقبل بذلك المواطن العراقي الذي تشبع بفكرة العدل والحق من تعاليم علي والحسين؟
    في علم الاقتصاد هناك مبدأ شائع يقول بان الملوث عليه دفع تكاليف الضرر الذي يسببه تلوثه للاخرين، وهذا المبدأ في تطبيقة على المشكلة المناخية يعني فرض ضرائب عالمية على مطلقي الغازات لتصرف على المتضررين من التحمية المناخية. يقول الامام علي في هذا المجال "ولا يطمعنً منك فى اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب او عمل مشترك". فأخلاقيا ووفق تعاليم الامام علينا المشاركة الفعالة لعلاج المشكلة لمنع ضررها على الاخرين وعلى الجميع من خلال:
    - تخفيض ما نطلقه من غازات الاحتباس الحراري وهذا يحتاج الى جهود عظيمة وفي مختلف القطاعات لعل اهمها ايقاف هدر الغاز الطبيعي والتبذير الحاصل في حرق النفط ومنتجاته وايضا التوسع في التشجير وزيادة الرقعة الخضراء في العراق.
    - الاستعداد لتقليل الضرر المحتمل على العراق من جراء ارتفاع درجات الحرارة وزيادة حدة التغيرات الجوية والحاجة الى المياه والتي تتطلب بنى تحتية مناسبة واستعددات لتغير نمط وحجم الانتاج والاستهلاك، فمثلا قد يكون علينا بناء مستودعات مياه كبيرة وكفوءة او هجر الزراعة الصيفية وحصرها للخضروات والفواكه والتشجير.
    - المساهمة في تبني نظام عالمي يعالج المشكلة من جذورها ويحقق عدالة في تحمل من يطلق كميات كبيرة من غاز الاحتباس الحراري تكلفة التغيرات المناخية ويساعد البلدان النامية لتبني تقنيات صديقة للبيئة والبلدان المتضررة  من تقليل الضرر مثل مساعدة بنغلادش في بناء سدود تحمي الكثير من سواحلها المهمة.
    في مجلة "قضايا ستراتيجية" الصادرة في بغداد تجدون كثير من التفصيل حول مشكلة التغيرات المناخية وكيفية علاجها وايضا حول التنمية المستدامة وعلاجات المشاكل البيئية، اخص منها دراسة في العدد الاول من المجلة بعنوان "في ازدياد الاحتباس الحراري وجعل العراق قدوة في معالجته" واخرى بعنوان "دروس من رسالة الامام علي الى مالك الاشتر حين ولاه مصر في تطبيق وتعزيز التنمية المستدامة" وايضا في العدد الثاني دراسة باللغة الانكليزية حول ضريبة كاربون عالمية ودمج تدهور الاراضي والزيادة السكانية في علاج التغيرات المناخية وفي العدد الثالث بعنوان "التنمية المستدامة، في البيئات الطبيعية والطبيعية الاجتماعية والطاقة".
    ختاما اود لو تطرحون على المجتمعين في باريس مشروع عراقي فيه يقترح العراق فرض ضريبة عالمية قدرها 10 دولار للطن من غاز ثاني اوكسيد الكربون على الدول التي يطلق مواطنها معدل سنوي من غاز ثاني اوكسيد الكربون يزيد عن الطن الواحد. تبني وتطبيق هذا المقترح يمكن ان يجلب مورد مالي سنوي يزيد عن 200 مليار دولار تكفي لتمويل كثير من مشاريع اتفاقية المناخ وبالاخص في التشجير الواسع وتبني تقنيات كفوءة. هذا المقترح ستبتهل له منظمات البيئة العالمية وكذلك الانسانية التي تنشد عدالة في التوزيع وعلاج المشاكل العالمية بروح جماعية ومساهمة اكبر من قبل الدول المتقدمة والغنية، وسيشجع على تخفيض انتاج الفحم الحجري والنفط الصخري لانهما يطلقان عند الاستخراج والاستعمال كميات اكبر من غاز ثاني اوكسيد الكربون من النفط التقليدي.  
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media