ولكن.. ماذا بعد الانتصار العظيم ؟
    الأربعاء 13 ديسمبر / كانون الأول 2017 - 08:24
    عبد الحليم الرهيمي
    إعلامي ومحلل سياسي
     ذلك هو السؤال الكبير الذي طرح ، وسيظل يطرح ، بعد اعلان القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي عن تحقيق الانتصار العظيم على داعش وهزيمته بتحرير كامل الأراضي العراقية التي احتلها في حزيران 2014 . ويستبطن هذا السؤال سؤالاً مهماً آخر بما يعنيه السؤال الاول وهو : كيف نحافظ على هذا الانتصار وزخمه ، اي ماذا ينبغي على الحكومة وسلطات الدولة الثلاث والمجتمع عمله بعد دفع الثمن الغالي جداً للانتصار وهزيمة داعش ؟ 

    بعد احتلال داعش وهزيمة بعض قواتنا أمام عناصره المسلحة ، سادت حالة من الاحباط والمرارة والحيرة جراء ذلك ، لكن منها تولدت العزيمة والاصرار على التحرير وهزيمة داعش ، مهما طال الزمن، وقد رافق ذلك قدر من (النقد الذاتي) عن الاسباب والعوامل التي أدت الى سقوط نحو نصف الأراضي العراقية بيد داعش دون مقاومة تذكر ، فتم التأشير ابتداءً، على ان الفساد وانعدام ثقة مواطني المناطق التي أحتلت بالحكومة والدولة والجيش فضلاً عن سوء الادارة ، هي التي سهلت عملية الاحتلال ، ولذا كانت نقطة الانطلاق لمحاربة داعش والاستعداد لشن الهجوم العسكري المعاكس ضده هو الحد ، او القضاء ، على الفساد المالي والاداري اولاً في القيادات العسكرية التي ستتولى عملية التحرير ، والسعي الجاد لاستعادة الثقة بين أهالي المناطق والمحافظات المحتلة وبين الحكومة والجيش ومؤسسات الدولة الاخرى ، وهو الامر الذي شهدنا عند تحقيقه ابهى صورة عندما شارك متطوعو الحشد من ابناء الوسط والجنوب مع مواطنيهم من ابناء تلك المناطق التي احتلت ، وكذلك عندما كانت تقام اعراس النصر والترحيب بالجيش والقوات المسلحة الاخرى عند كل نصر يتحقق وتحرر احدى المناطق وسكانها من سيطرة داعش وجرائمه.
    والآن ، يطرح السؤال : ماذا ينبغي عمله بعد التحرير الكامل للاراضي العراقية وتحقيق النصر العظيم على داعش ؟ اي كيف نحافظ على هذا النصر من ان يضيع ويتبدد بالصراعات والمزايدات السياسية والانتخابية ؟ بل كيف ينبغي مواجهة الخلايا النائمة (واليقظة) لداعش المتخفي ما بين الاهالي او في بعض الاوكار والتي ستعود ، ربما ، بطرق عدة من الجحور التي هربت اليها لما وراء الحدود العراقية ؟ بل وكيف ينبغي مجابهة ومكافحة الفكر المتطرف العنيف وغير العنيف المولد للإرهاب الذي يشد من لحمة وأواصر العناصر الإرهابية من جهة ، ويساعد في تجنيد والتحاق عناصر جديدة للإرهابيين من جهة اخرى ؟ 

    لاشك ان اولى المهام الميدانية التي ينبغي انجازها هي ضبط الحدود العراقية السورية المرشحة لعودة تسلل عناصر المنظمات الارهابية لاسيما عناصر داعش، وقبلها عناصر القاعدة التي تسللت من الاراضي السورية ، وهو الأمر الذي أكد العبادي على تحقيقه قبل اعلان النصر ، والذي ينبغي متابعة ضبطه بكل الوسائل الحديثة .

    اما الامر المهم الثاني الذي ينبغي انجازه فهو القضاء على الفساد المالي والاداري ، او الحد منه ابتداء ، وذلك بتوسيع الحرب التي أعلنها العبادي نفسه ، وقبل الاعلان عن الانتصار ، على الفساد والفاسدين، واستعادة الاموال المسروقة والمنهوبة منذ العام 2003 فضلاً عن الأموال التي نهبها ازلام النظام السابق . وبالطبع فان تفعيل قانون (من اين لك هذا) ؟ المقر منذ عقود سيكون احد الادوات المهمة لمحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين . وبما يحد من هوامش بعض القضاة (بعدم كفاية الادلة !!) التي يبرر بها هذا البعض عدم اصدار الاحكام القضائية بحق سراق المال العام من الفاسدين .

    كذلك  اذا كانت ظروف الحرب ضد داعش واضطراب الاوضاع السياسية ،قد حالت دون فتح ملف سقوط الموصل واحتلال داعش لنحو نصف الاراضي العراقية ، فان نهاية الحرب العسكرية ضد داعش واعلان الانتصار قد اسقط اي حجة او ذريعة لابقاء هذا الملف المهم مغلقاً او مسكوتا عنه ، ولذا فان الامر المهم الذي ينبغي الاهتمام به ومعالجته بعد الانتصار هو فتح هذا الملف والبدء باخراج التقرير الذي أعدته لجنة برلمانية عن سقوط الموصل من الادراج التي وضع فيها والمباشرة بالتحقيق في ما ورد فيه من اتهامات او مساءلة لبعض الاشخاص الذين ورد ذكرهم في هذا 
    التقرير .

    ان التحقيق والبحث في العوامل والظروف السياسية والعسكرية والامنية التي مهدت لدخول داعش الى العراق واحتلال قسم من اراضيه ، وكذلك التحقيق في كيفية حصول ذلك بالسهولة التي تم بها، ومن ثم التحقيق بمسؤولية القيادات عن ذلك واتخاذ الاجراءات القانونية العادلة بحقهم ، سيمثل ابرز تجليات الانتصار على داعش ، ويعبر عن الوفاء لدماء الشهداء الذين صنعوا هذا الانتصار ، هذا فضلاً عن ان فعل ذلك سيمنع حتماً من حصول مثل تلك الهزيمة مرة اخرى أمام داعش سواء بالتقصير او التواطؤ او الخيانة الوطنية . 

    وبالطبع ، فان انجاز تلك المهام الكبيرة بعد الانتصار العظيم ، وعدم التردد في انجاز أي منها سيفتح الابواب الواسعة لاعادة الروح للعملية السياسية التي ترهلت كثيراً ، ويضع الركائز الحقيقية لبناء سلطة راشدة لنظام سياسي مدني جديد يحقق التقدم والازدهار للعراق وشعبه ، وبما يليق بانتصاره العظيم على داعش وتحرير كامل الاراضي العراقية من دنسه.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media