محاربة الفساد وملاحقة المفسدين .. الجزء الثالث
    الخميس 14 ديسمبر / كانون الأول 2017 - 18:34
    أياد السماوي
    ملاحقة الفاسدين وسرّاق المال العام

    في الجزئين الأول والثاني من هذا المقال حاولنا أن نميّز بين محاربة الفساد وتجفيف منابعه من خلال الوقوف على أسبابه ومسبباته ووضع الحلول الجذرية لها , وبين ملاحقة الفاسدين وسارقي أموال الشعب واسترداد هذه الأموال التي سرقوها , فعملية ملاحقة الفاسدين وسرّاق المال العام واسترداد الأموال المسروقة منهم ليست بالأمر السهل والهيّن , وهي عملية معقدّة جدا ومتشابكة وتخضع لصعوبات ومعوقات جدّية , أولا .. أنّ عملية استرداد هذا الأموال من الدول التي استقرّت فيها على شكل عقارات واستثمارات وحسابات في البنوك , هي عملية شبه مستحيلة إن لم تكن مستحيلة , لأنّ كل هذه العقارات والاستثمارات والحسابات المصرفية ليست بأسماء هؤلاء الفاسدين وقد سجلّت بأسماء أخرى يصعب جدا ملاحقتها , ثانيا .. أنّ أغلب المتوّرطين بعمليات الفساد الكبرى هم كبار القادة السياسيين والوزراء والمسؤولين الكبار في الدولة , وهؤلاء جميعا متوزعون على كل الأحزاب والقوى السياسية دون استثناء , فلا يوجد حزب سياسي واحد غير متورط بالفساد المالي وسرقة المال العام , ثالثا .. أنّ دولة رئيس الوزراء الذي أعلن للشعب العراقي عن عزمه بملاحقة الفاسدين وسرّاق المال العام واسترداد الأموال المسروقة منهم , يحتاج إلى التحالف مع أحزابهم في الانتخابات النيابية القادمة لضمان وصوله لرئاسة الوزراء لدورة ثانية , وهذا بحد ذاته مانعا جدّيا لملاحقتهم , رابعا .. وجود عدد غير قليل من المتوّرطين في الفساد وسرّاق المال العام من بين المؤيدين والمساندين لدولة رئيس الوزراء , وإذا ما أقدم على كشف بعض الأسماء من القوى السياسية الأخرى , فسترّد هذه القوى السياسية بكشف أسماء الفاسدين المؤيدين والمساندين له , وهذا أمر مستبعد حصوله قبل الانتخابات النيابية القادمة , فهذه العوامل جميعا تجعل من إعلان رئيس الوزراء بملاحقة الفاسدين وكشف أسمائهم مجرّد زوبعة في فنجان .

    وملاحقة حيتان الفساد الكبيرة يجب أن يتمّ من خلال فتح ملّفات الفساد الكبرى , وأكبر هذه الملّفات التي استنزفت المال العام العراقي هو ملف البنك المركزي ومزاد العملة والذي لا زالت ناره مستعرة حتى هذه اللحظة , فكيف يستطيع دولة رئيس الوزراء ملاحقة المتوّرطين في هذا الملّف والحريق لا زال مستعرا ومستمرا , أليس الأولى بدولة رئيس الوزراء إخماد الحريق أولا ثمّ يلتفت للمتوّرطين في هذا الحريق ؟ لماذا لم يلغ دولة رئيس الوزراء مزاد العملة حتى هذه اللحظة ؟ أليس هذا المزاد اللعين هو أوسع باب من أبواب الفساد في العراق ؟ .. وبعد ذلك يأتي ملّف عقارات الدولة التي سرقت بوضح النهار من قبل الأحزاب والقوى السياسية والسياسيين المتنّفذين في مواقع المسؤولية والدولة , فهل يستطيع دولة رئيس الوزراء استرداد عقارات الدولة التي سرقتها أحزاب السلطة الحاكمة بأسعار وأثمان لا تساوي واحد من مليون من قيمة أثمانها الحقيقية ؟ وهل يستطيع دولة رئيس الوزراء ان يسم للشعب أسم حزبا واحدا من أحزاب السلطة الحاكمة لم يتوّرط بسرقة عقارات الدولة ؟ وماذا عن عشرات ملّفات الفساد الأخرى التي لا تقلّ فداحة عن ملفي مزاد العملة وعقارات الدولة ؟ .. سيدي دولة رئيس الوزراء .. حين توقف حريق مزاد العملة وتعلن للشعب العراقي عن عزمك لاسترداد عقارات الدولة المنهوبة , تكون قد بدأت فعلا بمحاربة الفساد وملاحقة سرّاق مال الشعب العراقي .

    أياد السماوي

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media