يهود العراق والهوية الوطنية.. حقبة العهد الملكي / الحلقة السادسة
    الخميس 14 ديسمبر / كانون الأول 2017 - 20:13
    نبيل عبد الأمير الربيعي
    لقد مثل يهود العراق في مجلس الأعيان مناحيم صالح دانيال للفترة من (1924-1032), فقد هاجم فكرة تأسيس جمعية في العراق لنشر الأفكار الصهيونية فرفضها جملة وتفصيلا, معلناً أن اليهود في العراق هم عراقيون مخلصون لبلدهم ولا يرضون غير العراق بديلاً, كما ارسل إلى المنظمة الصهيونية العالمية رسالة يحذرها من نشر الدعايات الصهيونية في العراق في ايلول 1922م .
    كما ساهم السيد داود سمرة في خدمة الوطن والتمسك بالأمانة, إذ عينّ نائب رئيس محكمة التمييز واستاذ القانون, كما عُين في منصب نيابة رئاسة محكمة الاستئناف بعد أن استحدث هذا المنصب عام 1923م, ثم تحول إلى محكمة التمييز بحلول عام 1926م, فكان يعرف سمرة بخدماته النزيهة في منصبه ويعتز بحرمة القضاء العراقي, كما عرف بوطنيته كقاضٍ حينما دافع عن مطالب العراقيين بعد التظاهرات التي قام بها الطلبة بسبب زيارة الفريد موند في شباط 1928م واعتراضهم على زيارته العراق كونه أحد أقطاب الحركة الصهيونية, مما اغضب المعتمد السامي البريطاني هنري دوبس, لم تمضِ مدة طويلة على اجراءات الحكومية ضد المتظاهرين حت دعي داود سمرة إلى مائدة افطار بدعوة من الملك فيصل الأول, حضر المائدة ايضاً مدير الشرطة العام محمد سليم, وبعض الشخصيات السياسية, فجرى حديث حول اجراءات التي اتخذت بشأن المظاهرات, وجه الملك فيصل سؤالاً إلى داود سمرة طالباً منه تقديم رأيه في الاحداث التي وقعت, فعبّر عن رأيه بصراحة ووطنية من دون خوف, إذ وضح امتعاضه ورفضه لمرسوم جلد الطلبة وطردهم, وإن الصحف كانت محقة في وصفها لهُ, وقال "القانون الجنائي يشمل ما قبله", وما قام به الطلاب بالتجمهر دون علمهم أن القانون يعاقبهم. فمن هذه الوجهة اقول بكل صراحة أن هذا القانون مجحف, وبما أنه قانون سنته الحكومة فيقتضي العمل بموجبه مهما كان جائراً, حت يلغى".
    كما كان للباحث مير بصري الدور الوطني في خدمة العراق, كان أهم حدث سياسي في العراق عام 1930م هو عقد المعاهدة العراقية البريطانية التي ينتهي يموجبها الانتداب, حال دخول العراق عصبة الامم عام 1932م, ولم تخل مشاركة مير بصري مع عبد العزيز المظفر مدير عام وزارة الخارجية وقتها, بمقارنة نصيّ المعاهدة العربي والانكليزي, فوجدا اختلافاً يسيراً في بعض العبارات, ولما علم نوري السعيد رئيس الوزراء ووزير الخارجية بالأمر, كلف مير بصري بتدقيق النصين مع يوسف سلامة المترجم الأول لدار الاعتماد وتعديل التباين في النص العربي وأنجز العمل قبل عرض المعاهدة على مجلس الأمة.
    وفي الدستور العراقي عام 1925 تم استخدام مصطلحي الأقلية والطائفة بصورة متبادلة على حدٍ سواء, أما الفصل المتعلق بالنظام القضائي حيث كان نظام الملل موضحاً في القضاء, ظل مصطلح الطائفة باقياً ووفقاً لقانون الطائفة الإسرائيلية رقم (77) الصادر من قبل الحكومة العراقية عام 1932م كان يشار إلى اليهود رسمياً بأنهم الطائفة الإسرائيلية ولم تستخدم أقلية مطلقاً.
    في هذا السياق ظهرت التنظيمات النازية والفاشية, وقد اعلنوا يهود العراق مواقفهم المضادة لهذه النماذج في المجتمع العراقي. كان لهم الدور في مجال الصحافة, فقد اسس سلمان شينة المجلة الأسبوعية (المصباح) كانت إحدى اشارات تحديد الهوية اليهودية ضمن الوطنية العراقية والدينية في العراق, فكانت قد دعمت المجال المسرحي, وقد نشرت المجلة باللغة العربية القصص القصيرة والدراما, فضلاً عن نقلها الأخبار الثقافية من العالم اليهودي والمقالات العديدة وترجمة المسرحيات التربوية والتاريخية وعرضها على خشبة المسرح في قاعات المدارس اليهودية ومنها مسرح مدرسة شماش, فضلاً عن تعاطفها مع الوطنية العراقية عام 1924م.
    وبعد توقف مجلة المصباح أسس الشاعر والمحامي أنور شاؤل المجلة الاسبوعية (الحاصد) عام 1928م, وكان لمجلة الحاصد الدور إلى الإشارة لهذه التنظيمات وتهديدات دول المحور والتطورات السياسية المتعلقة بها مستنبطة مسألة مناهضة النازية, وقد عملت الحاصد من خلال استغلال كل فرصة لكشف النوايا الحقيقية لألمانيا ومكائدها في تغذية الكراهية ليهود العراق بين الناس, كما تناول المؤرخ والصحفي عزرا حداد (1900-1972م) لعبة المانيا ودورها الاستعماري في المنطقة من خلال صحيفة الحاصد, كما دعمت اصوات المثقفين اليهود لرفض الاستبداد النازي والدعوة لاستغلال العراق جنباً إلى جنب مع العراقيين, وقد انظم اغلب الكتاب والصحفيين إلى التيارات الوطنية الليبرالية واليسارية, كما اصدر شاؤل حداد صحيفة البرهان, وقام السيد مير بصري ويعقوب بلبول بتحرير مجلة (التجارة) عام 1938م.
    كان لتعزيز اللغة العربية بين ابناء الديانة اليهودية دوراً في تشكيل مجتمعاً عراقياً طبيعياً في الأمة العراقية, لذلك تطور وضع اليهود العراقيين الوطني والاقليمي خلال النصف الأول من القرن العشرين بشكل قوي, فضلاً عن دور الصحافة وانتشار الاحتفالات العامة, أصبحت وسائل الإعلام المميزة لليهود العراقيين للتعبير عن الولاء الكامل للعراق والضرورة المطلقة للمجتمع العراقي. وحتى منتص الثلاثينات كان الاستعمار والاحتلال العدو اللدود للمثقفين العراقيين, وتستخدم الصحافة للإشارة إلى إرادة الامبراطورية البريطانية خلال الوسائل السياسية والاقتصادية. فالعديد من الصحافيين والكتاب العراقيين اليهود تعرفوا على مؤسسو جماعة الأهالي عام 1932م, فضلاً عن تمكن جماعة الاهالي من جذب اهتمام المثقفين اليهود بسبب موقفهم اتجاه القضايا الوطنية وتعلقهم باليسار العراقي, لذلك يلاحظ حنا بطاطو أن جماعة الأهالي أبدت رغبتها في الحفاظ على مرونة معينة بشأن التوجه السياسي لأعضائها.


    المصادر:

    1- كاظم حبيب. اليهود والمواطنة العراقية. السليمانية. مؤسسة حمدي للطباعة والنشر. ط1. 2006. ص/91/92.
    2- مير بصري. أعلام يهود العراق. مصدر سابق. ص73.
    3- داود سمرة. مذكرات داود سمرة نائب محكمة التمييز. بغداد. دار ميزوبوتاميا للنشر.2013. ص70/72.
    4- فاتن محيي محسن. مير بصري سيرة وتراث. ط1. بغداد. دار ميزوبوتاميا للنشر. 2010. ص84/85.

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media