مع قصيدة : من ذاكرة المطر للشاعرة السورية سلوى فرح
    الجمعة 15 ديسمبر / كانون الأول 2017 - 06:39
    شاكر فريد حسن
    كاتب وناقد فلسطيني
    منذُ أُوِّل قُبلةٍ لِعَينيك

    رَقصَ المَطرُ... جُنَّ المَطرُ

    تكاثَفتْ شَهقاتُ الغُيومْ

    بينَ الغُروبِ والسَّحر

    لا مكانَ أهربُ إليهِ إلاَّكَ

    هبْ لي ظلِّ شَجرةٍ

    ريثما تَبني ليَ وطناً

    ثوبي المُبلَّلُ يَهمسُ إِلَيكَ..

    الثمْ رَذاذَه في بُرهةِ غَيبوبَةٍ

    يا لمُتعةِ المَطر..

    وعِطْرُهُ يُعانقُ جَسدينا

    يُقبِّلُ مَسامَّاتِنا بِلَهفةٍ

    مِنْ أينَ لكَ كـُلُّ هـذا العَــبير؟

    مَأخوذَةٌ بأنفاسكَ

    مُغرَمةٌ بِنَبيذِكَ

    مَجنونَةٌ بِألحانِكَ

    فُكَّ أزرارَ مِعطفِكَ

    ليتَسلَّل حَنانِي

    إلى كَرنَفالِ الحُلم

    عند حافَّةِ اللَّيل...

    سَتهبطُ الملائِكةُ

    على الشَّاطِئ

    وأُراقصُكَ ريَّانةَ الشفتَين

    على رمالٍ تكادُ

    تَشتَعلُ فيها أزهارُ الجَسد

    أرُشُّ بُذورَ العشق

    على وقعِ دَندَنةِ النَّبيذْ

    تَضُمُّنا باقاتُ الأَمواجِ

    بأجنِحَتِها

    فتمَدَّدْ على فراشي الياسَمينِيّ

    وأنهَلْ من كَأسيْ

    حتى يَتَوهَّجَ الخَمرُ

    وتُصهَلُ الفَراشات

    لا أدري ما أنا….

    أمَجنونةٌ بِك أم بالمَطرْ؟

    الصوت هنا هو صوت الشاعرة السورية المتميزة والمتألقة ، القادمة من أرض الليلك والياسمين الدمشقي سلوى فرح ، ابنة الشاعر الراحل موسى فرح ، المقيمة في كندا ، التي أثبتت حضورها اللافت في المشهد الشعري والأدبي والثقافي السوري والعربي ، وامسكت بتلابيب القصيدة وابتكاراتها بقوة فائقة .

    سلوى فرح شاعرة مرهفة الاحساس ، لا تقلد أحداً في الشعر ، فلها طريقتها في البوح ، ولها أسلوبها ولغتها الشاعرية ورونقها الخاص . وهي وريثة غادة السمان وأمل جراح وسنية صالح وغيرهن من عاشقات الحرف والكلمة في موطنها سوريا الحبيبة .

    صدر لسلوى فرح ثلاثة مجاميع شعرية ، وهي " أزهر في النار ، لا يكفي أن تجن ، وليل في مرايا البحر " بالاضافة الى مجموعة قصصية بعنوان " سوار الصنوبر " .

    ومن نافلة القول أن قصائد سلوى فرح تفيض بالصور الشعرية الخلابة وتطفح بالعاطفة ، وتطفو في عالم الحب والعشق والرومانسية والحنين الى الوطن السوري الجريح ، وتموج بالدفء وجمال الطبيعة والمشاعر الانسانية المتدفقة .

    وقصيدتها " من ذاكرة المطر" لا تشذ عن هذه القاعدة ، فهي قصيدة رومانسية تتسلل كلماتها العبقة الى دواخلنا وأعماقنا وتمس شغافنا بدون تعقيدات  وغموض وألغاز وكلمات مبهمة ، وتبعث بنا ألواناً زاهية من الفرح والبهجة والسعادة . وهي تحلق بعيداً في عالم من السحر والجمال ، ونجد في هذه القصيدة حيوية الشعر وعاطفته وجمالياته ، وفيض من الوجدان .

    ما يميز " ذاكرة المطر " هو عبق الكلمات وجمال الوصف والتعبير فضلاً عن السلاسة والرقة والشفافية وصدق البوح ، والايقاع الموسيقي الذي يضفي على نصها جمالاً غنياً بكلمات الحب والعشق والغزل  الصادق .

    " ذاكرة المطر " قصيدة عشقية بامتياز ، مشحونة بعاطفة قوية صادقة ، وعامرة بالاحاسيس والدفقات الشعورية والمشاعر الجياشة ، انها كالنسيم الرقيق ، وعزف بالحروف والكلمات على أوتار القلب ، وتغذي الروح بخصوبة المعنى والمغزى .

    ما يسم القصيدة حرارة العاطفة ، والأخيلة الرحبة ، والألفاظ الجزلة ، وسلاسة التعبير ، والتراكيب القوية ، وجمال الموسيقى ، ومتانة النسج ، ورنين العبارة ، وكلها نجوى وتأمل وخيال وجمال ، فنشعر ونحن نتنقل مع معانيها الجميلات وأحاسيسها اللطاف ، كما تتنقل النحلة في حديقة ملأى بالزهر .

    سلوى فرح تدرك الدفق الانساني للشعر والكلمات والمعاني التي تشع بالحب العفوي والصدق والوفاء وقيم الحياة ، وتعرف كيف تداعب الحروف ، مثلما تتقن مداعبة المشاعر ومناجاة الروح .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media