هل حانَ التصعيد.. يارزاق عبود؟ (1)
    الثلاثاء 14 فبراير / شباط 2017 - 23:03
    الخليل علاء الطائي
    محلل سياسي
    بعد أحداث ساحة التحرير ليوم السبت 11/2/2017  والتظاهرة المليونية التي دعا لها مقتدى الصدر وشارك فيها أفراد من الشيوعيين تضامناً مع كل نشاط يُثبت الوجود, تلك الأحداث التي أسفرت عن مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن وسقوط ضحايا من الطرفين, الأمر الذي تطّلب وقفةً ومراجعة موضوعية وواقعية تأخذ بعين الإعتبار مصلحة العراق والشعب العراقي ومستقبل العملية الديمقراطية في العراق في ظل الأوضاع الدولية وما يُخطط للعراق من مُفاجئآت بعد تلويحات الإدارة الأمريكية الجديدة بالقوة والعدوان ضد إيران الدولة والشيعة عموماً كوجود. وغير بعيد عن هذا التوجه نشاط القوى الداخلية والإقليمية المُنفذة للأوامر.
    ليس غريباً أن يعتلي المنصة من تعتقده يسارياً ويبدأ كالعادة بكيل الشتائم على اطراف العملية السياسية مبتدأً بالمالكي وبلغة من قاموس الحقد والإفلاس – يُذكرني بقول  نجيب محفوظ في حديث له..( كنّا نهتف بسقوط الملك لسبب أولغير سبب ونهتف بحياة سعد زغلول لسبب أو لغير سبب!).
    في واقعة السبت الماضي كانت الجماهير لاتعرف السبب والذي يعرف السبب والنتيجة هو( السيد) وبعض المُقربين من سماحتهِ, وقيل للجماهير إدخلوا المنطقة الخضراء وكرروا سيناريو الإعتداء على النواب وحطموا الأبواب والنوافذ وإحتلّوا الوزارات غير التابعة للتيار.. و(إعتصموا) بحبل المنطقة الخضراء ولا تفرَّقوا.
    حصل هذا من قبل وخُطط لحصوله من جديد.
    المتوقع أن يفتتح الحملة كاتب (يساري) وأن يفتح قاموس الشتائم  كحال المُفلسين في الدنيا ويكفي أن تقرأ العنوان لتكتشف المستوى المُنحط من الكتّاب, وليست صدفة أن يتزامن مقال رزاق عبود المنحط مع مقال كاظم حبيب المُخضرم الأقدم في التردي, وكلاهما جاهز للتسويق بطريقة مدح الملك وتسقيط الملك لسبب ولغير سبب.
    إبتداءً من العنوان السوقي وصولاً إلى مطالبة العراقيين بالتصعيد, ثلاثاً,وإسقاط العملية السياسية برمتها, والمقصود إعادة العراق إلى ما قبل  2003 بغطاء الديمقراطية ( الحقيقية)..  تتوصل إلى الحالة النفسية المتردية للكاتب - حالة المُخضرم – فكانت الشحنة العاطفية والغليان والهستيريا  أبعدته عن فهم الواقع السياسي الذي أشّرنا علية في بداية مقالنا.
    ألملاحظ أن لغة الخطاب اليساري, في حالتنا العراقية, تلتقي مع لغة الإسلام السياسي في المستويين الطائفيين, سني – شيعي, أو أحدهما حسب أحكام (الضرورة!) كالتحالفات القديمة. , يقول الكاتب رزاق عبود ( لازال نوري المالكي بملابسهِ الإمبراطورية يعيش زهو الأيام التي قضى فيها بوحشيةٍ مُفرطة على قسم من مليشيات حُلفائه بدعم من القوات الأمريكية..) يُقر الكاتب هنا,دون أن يشعر,ن بدور السيد المالكي في تأديب عصابات ما كان يُسمى جيش المهدي وإحتلالها لمدن الجنوب ونصف بغداد وعاثت فيها فساداً وقتلاً وإختطافاً وفوضى, وما زالت بقاياها تعبث بالأمن والنظام مستفيدةً من المناخ الديمقراطي الذي وفرته العملية السياسية, وفي قولهِ( قسم من مليشيات حلفائه) محاولة للتزييف وتشويه صورة ( القسم الآخر!) المتمثل بالحشد الشعبي ومنظمة بدر وغيرها من القوى المقاتلة ضد الإرهاب حالياً, وفي لغة الكاتب تكرار لمقولات الإرهابيين والبعثيين وإتحاد القوى والمُزايدين على سقوط الأبرياء, بنفي الأدوار الخيانية لهذه الأطراف وتوجيه كل الذنوب صوب المالكي قبل إزاحته بمؤامرة دولية ومحلية وداعشية باتت معروفة.. وكانت المظاهرات و(الإعتصامات) و ( التصعيد) ومن ثم دخول داعش من أهم الخطوات الرامية إلى إسقاط العراق, بإستهداف المالكي أولاً بإعتراف أمريكا ومن ثم يأتي دور العبادي في الإزاحة وبنفس الوسائل والمراحل.
    ومن المُغالطات القول ( أن بعض الدوائر والقطعات ما زالت ترفع صورته... ولا زال أنصاره " بلطجيته" – التحديد في الأصل – يطلقون النار على المتظاهرين, والمُحتجين..) وهذا خلط مقصود فحفظ الأمن مُناط بجهاز أمن بغداد ومرتبط بالداخلية والقائد العام للقوات المُسلحة فما علاقة المالكي بإطلاق النار على المتظاهرين؟
    ومن يُثبت البادئ بإطلاق النار؟
     وماهي أهداف التظاهرة ؟
     ولماذا في هذا الوقت؟
    وماذا عن صواريخ الكاتيوشا التي سقطت على المنطقة الخضراء في نفس اليوم وهل كانت سلمية وتعبير عن الرأي الآخر؟
    وهل يغلق الجميع آذانهم عن سماع ناقوس الخطر مثلما تُغلق (المدى) أبواقها عن جرائم مسعود البرزاني وسرقة النفط العراقي وتتغابى عن الفساد الشامل في المنطقة الكردية من العراق؟
    التأريخ يتكرر وغير بعيد عن هذه التحركات وما قبلها وجود الخلايا البعثية النائمة والمتحركة ومن بينها جماعة القوى التي تستعد لزيارة البيت الأبيض ومباركة ترامب على تهديداتهِ لإيران وإستهدافهِ الشيعة في كل مكان.
    للكاتب رزاق عبود, مثله مثل كاظم حبيب وغيره, غايات خبيثة ودنيئة وساذجة في نفس الوقت وتدل على إبتعادهِ عن هموم الشعب العراقي الحقيقية المتمثلة أولاً وأخيراً بالخلاص من داعش وأذنابها في الداخل وشبكاتها داخل العملية السياسية, فهو يريد التصعيد وصولاً إلى الهدف المشترك في الظرف الحالي - ومؤشرات التدخل في العراق قائمة - وأن تستسلم الحكومة لصاحب الخيمة الزرقاء ويتحول الأمر إلى( ربيع عراقي) يتطلب تدخل أمريكي لإعادة الأمور إلى نصابها أو (الحكم إلى أهله ) كما يُردد الهاشمي والمطلك والبعثيين.
    والآن إلتقت النوايا والأغراض لهؤلاء جميعاً وتوحدت لغة الهجوم فاليساري لم يعد يتكلم بلغة التحليل العلمي الموضوعي لظواهر الواقع وبرؤية بناءةٍ لمستقبل بلده المُهدد بالتقسيم والإرجاع إلى الوراء, بل راح يستخدم لغة الثقافة المُنحطة وألفاظها, وكأن قاموسها جاهز للتسويق والهجوم ومستواها يكشف درجة الإفلاس السياسي المتراكم عبر تجارب فاشلة كانت نتائجها آلاف الضحايا من الشيوعيين والديمقراطيين والعوائل المُشردة. تجارب لم نستفد من فشلها طوال تأريخنا. 
    كان مقتدى قد أوعز لبلطجيتهِ أن يتظاهروا يوم ذكرى إنقلاب شباط , وهو معذور إذا لم يقرأ تأريخ هذا اليوم الأسود,أو لم يقرا أي تأريخ, لكن المؤكد أن رزاق عبود وأمثاله يعرفون معنى هذا اليوم. وحاول مقتدى تبرير الفعل بعذر ساذج.
    فهل سأل الكاتب بعض الرفاق عن تواجدهم في مظاهرات ذلك اليوم تضامناً مع الصدريين؟.
    يُضيف الكاتب موحياً بمعرفة خاصّة أو إستنتاجات عبقرية.. ( هناك إتفاق سرّي, صار مكشوفاً بين العبادي الذي يتحدث عن الديمقراطية, وحرية التظاهر, والإعتراف بالآخر, وزيارات طاووسية للكنائس, وبين عصابات المالكي و" التحالف الوطني"- التحديد في الأصل - التي تقوم بالإختطاف, والتعذيب والترهيب....)هنا يغفل الكاتب ما قاله في بداية مقاله عن صولة الفرسان, فالعصابات التي أدّبها المالكي هي عصابات الخطف والتعذيب والترهيب والإغتيالات وإفتعال النزاعات وقطع الطرق.
    وما زالت صولة الفرسان (مطلوبةً) للثأر من تلك القوى  الفوضوية التي فقدت سلطتها في الشارع. وهذا الطلب ( الثأر) هو الدافع خلف جميع التظاهرات وليست المفوظية ولا الديمقراطية التي لاتخطر على بال فائق دعبول ومن لفّ لفه.
    نقول الديمقراطية مُطبقة في العراق ويتمتع الشعب بحقوق التظاهر والتعبير عن الرأي والإعتراف بالآخر في المؤسسات والإعلام والصحافة بما فيها صحافة الحزب الشيوعي العراقي ولا أظن أن الكاتب لم يُتابع قراءة الصحف يومياً في قناة العراقية ومن بينها إفتتاحيات طريق الشعب والمدى وبقية الصحف العرقية والعالمية – علماً أن (المدى) تستحق الغلق وصاحبها وجوقتها يستحقون الطرد –
    وهل نطيل الشرح عن تجربة الإنتخابات في أصعب الظروف الأمنية, وهي مكفولة دستورياً؟. وهل نُذكّره بالنقل المباشر للمؤتمر العشر للحزب الشيوعي العراقي من قبل الفضائيات العراقية ونشر وثائق المؤتمر والتغطية الشاملة للمناقشات قبل وبعد الإنعقاد؟.
    بالتأكيد لاديمقراطية مع من يريد إسقاط العراق وتقسيمهِ وإعادة التأريخ إلى الوراء.
    أمّا عن (الإتفاق السري الذي صار مكشوفاً) فنقول أنه لم يكن بين العبادي والمالكي فقط إنما هو إتفاق بين جميع القوى الشريفة الساعية لحفظ وحدة العراق وإستقلاله وضمان بقاء العملية السياسية الديمقراطية, ومنع البعثيين من العودة إلى الحكم بأي شكل وإسمٍ كان.
    ....
    في نهاية هذا الجزء من المقال.. وأنا أقرأ عنوان ومادة مقال رزاق عبود, إستذكرت مقالات الدكتور عبد الخالق حسين والأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي وما يُقدمانه للقارئ من تحليلات سياسية مُثمرة ورصينة مبنية على شواهد وقرائن وإسنادات موثقة نحن في أمسّ الحاجة إليها في هذا الظرف الذي يمر بالعراق.

    – يتبع -
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media