الابادة بشهادة مثقف ايزيدي
    الجمعة 17 فبراير / شباط 2017 - 18:53
    سعد بابير
    من المألوف ان  المثقفين ليسوا اهلا للسلاح ولا يجيدون استخدامه كثيرا , فهم يحاربون بالاقلام عوضا عن البندقية , وبالحروف بدلا من الذخيرة , لكن مقتضيات المراحل قد تجبر المثقف او الكاتب الى رمي القلم والتمسك بالبندقية لكون رؤوس اقلام لا تجدي نفعا مناصفة مع قوة المال والسلاح في بعض الاحيان , هكذا هو الحال بالنسبة لمثقف ايزيدي في سنجار ( شنكال) عندما طرق الانباء مسامعه بان تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش )على وشك ان يهاجم بلدته .

    المثقف الايزيدي , خلو رفي دهار خلاني , البالغ من العمر (44) عاما والذي شغل منصب رئيس مركز روز- زردشت الثقافي والاجتماعي في شنكال(سنجار)  قبل مجيء داعش , تحدث قبل اكثر من سنة عن ظروف غزو داعش لبلدته وعن المخاطر التي كانت تراوده قبل هذا الغزو البربري , في اشار منه الى وجود مخاطر على سنجار بعد اجتياح عناصر التنظيم الارهابي كل من مدينة الموصل وبلدتي تلعفر وبعاج , لذلك قرر ذلك المثقف الايزيدي ان يبيع بعض اغراضه المنزلية لكي يشتري بثمنه بندقية مع الذخيرة رغم انه لم يكن يجيد استخدام السلاح ولم يكن لديه خبرة في المجال القتال لكونه لم يخدم في العسكرية .

    خلو مع زملائه قرروا ان يساعدوا القوات الامنية ( البيشمركة ) المتمركزة على السواتر الترابية في محيط البلدة , وكان يتوقع بانه سوف يقع قتيلا عند اندلاع اول شرارة للمواجهات مع تنظيم داعش لانه لا يجيد فن استخدام السلاح , لكن هذا لم يمنعه ان ينذر روحه في سبيل كرامة اهله وحمايتهم من شرور عناصر التنظيم . حيث انه مع زملائه كانوا يلزمون الحراسة جنبا الى جنبا مع القوات الامنية لمدة عشرة ايام وكثيرا كانوا برفقة ضابط في قوات البيشمركة يدعى (فرزندا) ,  قبل ان يشرع داعش بمهاجمة البلدة لانه كان يشعر بوجود تهديد وخطر على المنطقة , كون الحزام العربي المجاور كان بؤرة للارهاب والتطرف منذ سقوط النظام البائد ربيع 2003 .

    حيث انه سرد احداث سقوط سنجار وتوابعها بالقول ” في احد الليالي رأينا اضواء السيارات تخرج من قرية ” ابو خويمة” الواقعة بالقرب من ناحية تل عزير (القحطانية ) والتي تسكنها قبيلة الخواتنة العربية , واتجهت صوب مجمع كرزرك ( العدنانية ) , ما ادى باحد زملائنا الى مهاتفة شخص من هذه القرية لمعرفة مصدر هذه الاضواء , فالاخير بث في نفسه روح الطمأنينة وقال له اخلدوا الى النوم لا يوجد شيء يهدد أمن المنطقة ” .

    ليلة الثاني من اب عام 2014

    المثقف الايزيدي يوضح” في الثاني من اغسطس / اب 2014 انا وزملائي قصدنا نقاط الحراسة التابعة للقوات البيشمركة لمساعدتهم , فاغمرت السعادة وجوههم وعززت من معنوياتهم عندما وجدوا ان الاهالي على استعداد للقتال بجانبهم في حالة اندلاع اي اشتباكات مع عناصر التنظيم الارهابي, وكان يوجد نقطة حراسة رئيسية بين بين ناحية تلعزير (القحطانية) ومجمع كرزرك (العدنانية) وفي هذا الاثناء قال احد ضباط وبحكم خبرته العسكرية بان عناصر داعش سوف يهاجمون من الوادي القريب من مجمع كرزرك وحقيقة قوات البيشمركة ايضا كانوا يفتقدون الى التسليح الجيد وكانوا يملكون بنادق خفيفة مع بعض قنابل الهاون ورشاشات الــBKC  ".

    في الساعة الواحدة والنصف ليلا المصادف الثاث من اب عام 2014 بدأت المعركة في سيبا شيخ خدر (مجمع الجزيرة) وبعدها اندلعت في كرزرك (مجمع العدنانية) على أثره قمت بالاتصال هاتفيا مع بعض الاصدقاء المتواجدين في مجمع سيبا شيخ خدر ( الجزيرة) , فبينوا ان عناصر داعش هاجموا على المجمع مستخدمين قذائف الهاون لترهيب الاهالي ولكنهم بالمرصاد لهم ومعنوياتهم عالية جدا وحتى النساء واقفين معهم للتصدي لعناصر التنظيم وحقيقة كنت اسمع صوت صراخ الاطفال اثناء الاتصال , عندما انهيت اتصالي مع الجماعة في سيبا شيخ خدر قمت بالاتصال مع بعض الاصدقاء في كرزرك( مجمع العدنانية) وكان الوضع شبيه بوضع سيبا شيخ خدر تماما .

    مشيرا ان ”  عناصرالدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) قد جمعوا قواتهم واسلحتهم الثقيلة والخفيفة في قرية (ابو خويمة) التي تقع بين مجمع كرزرك وناحية تلعزير وكان يدور في ذهني واتسائل لماذا لم يهاجموا على تلعزير وبدؤا بالهجوم على كرزرك وسيبا شيخ خدر في بادئ الامر , بعدها ادركت ان سيطرتهم على سيبا وكرزرك تعني سيطرتهم على سنجار (شنكال) بالكامل وبعد ذلك ستصبح السيطرة على ناحية تلعزير في متناول اليد , لان عناصر داعش كانوا من اهالي المنطقة واغلبهم بعثيين سابقيين وكان لديهم خبرة عسكرية كبيرة وعلى درايا تامة بجغرافية المنطقة ” منوهها ” كانت تأتينا اتصالات عديدة من بعض الاصدقاء المسلمين من داخل شنكال (سنجار) مفادها : اذا تمت السيطرة على سيبا شيخ خدر( الجزيرة )  من قبل عناصر داعش ستصبح السيطرة على شنكال سهلة واننا سوف نغادر سنجار ( شنكال ).

    استمر بالحديث ” لكون ان اغلب اهالي مجمع سبيا شيخ خدرمن عشير "القيرانية” الذين كانوا يداومون في الجيش العراقي والحرس الوطني وكانوا يمتلكون مختلف انواع الاسلحة في منازلهم وهم مدربين على استخدام السلاح بشكل جيد لذلك بدأت الهجوم على مجمع سيبا شيخ خدر( الجزيرة )  على اعتبار انهم سوف يواجهون المقاومة الاعنف من اهالي هذا المجمع” ملفتا انه ” عمل احصائية قبل مجيء داعش في مناطق شنكال (سنجار ) وتبين ان مجمع سيبا شيخ خدر هو اكثر مجمع يداوم شبابه في السلك العسكري من الجيش والشرطة حيث لا يوجد أسرة واحدة ولم يكن لديهم شخص او شخصين او ثلاثة عسكريين” .

    مستطردا بالقول ” في تمام الساعة 8:30 صبيحة الثالث من اغسطس , غادرنا نقاط الحراسة لتناول وجبة الفطور على الشارع الرئيسي والاشتباكات كانت مستمرة في كل من سيبا شيخ خدر وكرزرك , وفي ذلك  الاثناء أسرتي تواصلوا معي هاتفيا وقالوا ان الكثير من الاسر واهالي الناحية بدؤا يغادرون منازلهم ولم يتبقى الا عدد قليل منهم , فقلت لهم سوف ابقى الى ان اكون اخر رجل يغادر البلدة , بعد ذلك جائت الاخبار من مجمع كرزرك ( العدنانية ), تشير الى ان الاوضاع تزداد سوءا هناك وان المجمع على وشك السقوط بيد تنظيم داعش , حينها رأيت بعض المقاتلين الايزيدين مسلحين راكبين بالسيارات , فقلنا لهم اين هي وجهتكم ؟ فقالوا لنجدة الاهالي في كرزرك( العدنانية )  لان الوضع هناك يتجه نحو الاسوء , فقلنا لهم الاشتباكات قوية والمعركة في ذورتها هناك ومن المحتمل انهم مطوقين المجمع من كافة الجوانب , فاصروا على الذهاب وبعد فترة رأيتهم يرجعون وأثار اطلاقات النار كانت واضحة على مركباتهم ".

    مبيننا ان ” عناصر التنظيم الارهابي استخدموا حيلة مع القوات الامنية  للسيطرة على تلك الاماكن حيث انهم كانوا يقاتلون عناصر التنظيم على الطريق الرابط بين مجمع كرزرك وقضاء بعاج ودخل عناصر داعش الى منطقة كرزرك القديم من جهة الوادي القريب من المجمع  , وبهذه الطريقة استطاعوا ان يغزوا كرزرك  , وفي اخر اتصال مع المتواجدين في كرزرك وضحو بان ” المقاتلين الايزيدين انسحبوا من السواتر الترابية على اطراف المجمع وان المنطقة محاصرة من كافة جهاتها ويوجد منفذ وحيد عن طريقه يهرب المدنيين من النساء والاطفال وغيرهم ” .

    وفي اتصال اخر مع المقاتلين في مجمع سيبا شيخ خدر (الجزيرة) في تمام الساعة التاسعة صباحا أكدوا ان المقاومة لازالت مستمرة من قبل المقاتلين الايزيدين , لكن عناصر التنظيم الارهابي اصبحوا قريبين جدا وهم في تقدم , بعض مضيء بضعة دقائق اتصلت بالمقاتلين في سيبا شيخ خدر مجددا , بينوا ان عناصر داعش تمكنوا من الدخول الى المجمع , سألت : ماذا عن المدنيين والاهالي ؟ فقالوا البعض منهم استطاعوا ان يغادروا من المجمع أما المتبقون فلازالوا يقاومون وبتصوري لو لم تكن المقاومة في سيبا شيخ خدر كبيرة وبطولية لما استطاعت الناس المدنيين من مغادرة ناحية تلعزير ومجمع كرزرك ".

    بعد غزو داعش لمجمع سيبا شيخ خدر (الجزيرة)  استطاعوا ان يدخلوا الى قضاء شنكال (سنجار) بصورة مباشرة , وكان هناك عدة هجمات على مجمعات تل بنات وتلعزير وكرزك بالتزامن مع بعضها والهجمات كانت مخططة ومنسقة بشكل جيد  حسب قوله.

    خلو يضيف ” في بادئ الامر ضابط  في القوات الامنية ( البيشمركة ) يدعى (فرزندا)  كان يتصل مع الجبهات الاخرى وهو متواجد فيما بيننا وما أن ساءات الاوضاع فكان يتصل بشكل سري واقسمنا له اليمين باننا سوف نبقى بجانبهم الى اخر اللحظات , وبعد ورود الاخبار بسقوط سيبا شيخ خدر وكرزرك تركنا العديد من المقاتلين وتوجهوا لانقاذ أسرهم , نحن اربعة اشخاص بقينا مع قوات البيشمركة , بين قرية ابو خويمة وتل عزير ( القحطانية )  كان يوجد نحو 180 أسرة ايزيدية من قبيلة الفقراء (ال. زرو) يسكنون في  المزارع وهم ايضا كانوا قد وضعوا نقاط الحراسة وكانوا يمتلكون رشاشة الــBKC وبعض الاسلحة الخفيفة وبعد فترة من انشغالنا بالوضع رأيت ذلك الاسر ايضا تترك مكانها , بعدها وقعت كرزرك وسيبا شيخ خدر وكنا لازلنا نلزم الحراسة في تلعزير ولحد ذلك اللحظة لم يتم اطلاق رصاصة واحدة من اي شخص منا ,اهالي تلعزير انسحبوا بدون قتال .

    وبعد هذه الاحداث بدقائق أتى اتصال هاتفي لضابط في القوات الامنية وكنا بعيدين عنه قليلا , حينها رأيته صعد بسيارته نوع نيسان مع عناصره الاخرين  وعنصرين من الاسايش (الامن الكوردي) احدهم سني والاخر شيعي وغادر النقطة بالسرعة الممكنة دون ان يبلغنا بذلك , في تلك اللحظات وجدت احد افراد البيشمركة الايزيدين من اهالي تل عزير قد غير ثيابه العسكرية وتوجه نحونا وقال ماذا تفعلون هنا ,القوات الامنية  انسحبوا وتركوا اماكنهم وقال التحقوا باهلكم وساعدوهم بالفرار ".

    انسحبنا من نقطة الحراسة وتوجهنا نحو ناحية تلعزير بسيارتنا الصغيرة وكانت الناحية شبه خالية من السكان .

    الفرار من شبح الموت والوصول الى بر الامان

    المثقف الايزيدي , خلو رفي  , يبين ”  وصلت الى ناحية تلعزير ( القحطانية )  بعد ان غادر اغلب السكان المنطقة لكي انقل أسرتي الى منطقة (جدالى) جنوب جبل سنجار و التي تبعد نحو8 كم من الناحية , فصعد الاطفال والنساء بسيارتي وشقيقي قام بقيادة السيارة , اما انا برفقة بعض الاصدقاء توجهنا الى منطقة جدالى سيرا على الاقدام واهلي كانوا ينتظروني في نقطة التفتيش خارج البلدة فاتصلت بسائق السيارة لكي ينقلنا الى هناك , وكانت السيارة محاصرة وسط الزحام ولم يستطيع المجيء , ومشينا سيرا على الاقدام نحو 5 كم الى ان وصلنا الى مفرق بلدة تلعزير , بعد ذلك أتت السيارة لنقلنا الى منطقة "جدالى ” وبعد وصولونا سمعنا اصوات اطلاقات نارية من خلفنا وبعد ذلك تبين ان مصدر هذه الاطلاقات كانت من عناصر تنظيم داعش حيث انهم قتلوا أسرتين ايزيدين بالكامل في مزرعة قريبة من الطريق العام بين قضاء شنكال وسوريا وهم ( بيت محمود خرو وبيت حيتو من عشيرة القيرانية ) .” .

    بعد ان وصلنا الى منطقة جدالى القديم رأيت سيارات عناصر داعش تمر على الطرق القريب والناس لا زالوا يأتون الى هناك بكثافة واصوات الرصاص كانت تدق بمسامعنا وانهم كانوا يقتلون كل من يقاوم او يتفوه بكلمة , حينها القوا القبض على نحو 300 شخص من تلعزير بينهم البعض من جيراننا ولحد هذه اللحظة مصيرالكثير منهم مجهول .

    وعلى الطريق الرابط بين سيبا شيخ خدر( مجمع الجزيرة )  وناحية تلعزير كان يوجد مزرعة تسكن فيها أسرة ايزيدية ( أسرة نايف اسمرى)  قام عناصر داعش بقتلهم جميعا من بينهم كان يوجد طالب في كلية الطب يدعى (ريزان) .

    مضيفا انه ” مكث في منطقة جدالى نحو ساعتين , حيث لا يوجد طعام وماء للشرب , سوى نبع صغير يرتوي منه الفارين وكان لا يسد ضمئهم , بعد ان وصلنا الى الجبل عن طريق ترابي يسمى "زخطا” أتصلت بعمي المتواجد في الجبل وقلت له اجلبوا لنا الماء والا الكثير من الاطفال سوف يموتون عطشا , فأتوا بحمارين حمالين عليهم اربعة براميل من الماء وقد وزعوها جميعا على العوائل في الطريق ولم تصل الينا سوى خمس لترات البعض منا شرب وبعض الاخر لم يكسر عطشه ومضى في رحلته ".

    استمر بالقول ” في الطريق ايضا صادفت رجلا يدعى "شيخ مراد” ورأيته يمنح حصته من الماء لوالدته لكي لا تموت من العطش الا ان توفى هو من العطش , قدم روحه قرباننا لبقاء والدته , يا له من مشهد محزن” .

    بعد السير عدة ساعات وصلنا الى بعض المزراع في منطقة تدعى "كيرا قيرانيا ” في الطرف الجنوبي من جبل شنكال (سنجار) وكان يوجد فيها بئر صغير يرتوي منه 3000 شخص من شيوخ وشباب ونساء وبعض الشبان تطوعوا لسحب الماء من ذلك البئر للاسرة التي وصلت الى هناك حيث انهم كانوا يسحبون 84  برميل في اليوم الواحد ويمنحوها للسكان الفارين من بطش تنظيم داعش  .

    بعد البقاء لمدة 8 ايام هناك وضعنا الانساني  بدأ يزداد سوءا وعدد الاقرباء الذين كانوا مع عائلتنا هناك بحدود 64 شخص وكمية الدقيق (الطحين) كانت قليلة جدا والطعام ايضا , فقررنا ان نقوم بتشكيل فريق للذهاب الى منطقة "حيالى” للحصول على كميات من الحنطة والشعير , فشكلنا فريق وكان من ضمن الذين تطوعوا في الفريق ابني البالغ من العمر 18 عاما , حيث توجه هذا الفريق الى منطقة حيالى جنوب جبل شنكال , فصادفوا بوجود عائلة متكونة من شخصين ( شاب مع والدته المريضة) في احدى المنازل بالقرب من حيالى  , فقصدنا ذلك المنزل ورحبوا بنا وقدموا لنا الطعام والماء ,بينما كان الفريق المتطوع جالسا على سفرة الطعام وصل الى المنزل سيارة يضم عنصرين من تنظيم  داعش احداهما كان يحمل مسدسا والاخر سلاح من نوع GC وقالوا لصاحب المنزل من هولاء , فقال لهم انهم اقربائي , أتوا الى هنا لكي يأخذوا كمية من الشعير للاطفال لكي لا يموتوا جوعا , احد عناصر داعش تظاهر بالبكاء  عندما قالوا انهم سوف يطعمون الاطفال من الشعير وقال كيف هذا ؟ سناخذ سيارتنا ونملئها دقيقا ونجلبه لكم , وغادروا المكان , وبعد ذهابهم ,  المجموعة المتطوعة لم تثق بكلامهم واعتقدوا انهم ذاهبين لاصطحاب المزيد من القوات لالقاء القبض عليهم , فاسرعوا بحمل الشعير وغادروا المنزل .

    بعدها بعدة ساعات وجدت احد الاصدقاء وهو مجهش بالبكاء,  فقلت له ما بك ؟, فقال انني وجدت ثلاثة اطفال رضع ماتوا بسبب عدم توفر الحليب في منطقة "كلوبى” جنوب جبل شنكال , فشاركته ذلك الحزن وبكيت معه , ولم يمضي وقت طويل شاهدنا أمراة حاملة تلد طفلا رغم غياب كل شيء , فقلت في نفسي ما ذنب هذا الطفل لكي يولد في هكذا ظروف , وعندما حل المساء وجدت طفلا من سيبا شيخ خدر ينام تحت الاشجاروهو يتذرع جوعا , وعندما سألت عنه أكدوا بانه الوحيد الذي نجا من الموت من اسرته , بعد ذلك قررت ان ننقص من طعام اطفالنا ونمنحه لذلك الطفل , وفي اليوم الثالث من جحيم الجبل تمرض شقيقي بسبب التعب والجوع لكونه مصاب بمرض ( الربو ) , فقال والدي أن شقيقكم سوف يموت اذا لم تجلبو له علاج الربو أو بخاخا , نحن أربعة أخوة توجه كل واحد منا إلى جهة من الجبل للبحث عن الدواء وبعد أن بحثنا ساعات عدنا الى مكاننا . انا جلبت حبتين للحساسية. وشقيقي جلب معه بخاخ مستعمل قد يكفي لمرتين فقط . حيث قال والدي هذا لايكفي قد نبقى هنا شهرا أو إلى أن نموت جوعا وعطشا . قلنا له لماذا لا تتصل بـ”كريفنا” لأننا ساعدناه في محنتهم عندما قتل ابنه شخصا وفروا من قريتهم وجاءو إلينا وكنا نحرسهم وهم ينامون وجمعنا لهم المال وكل شيء يحتاجونه , أقنعت والدي فاتصل به مرتيين دون أن يرد . بعدها قال والدي ياليته قد مات ولم اتصل به .

    المثقف الايزيدي يقول ” كان الشحن قد نفذ من هاتفي المحمول ولم يتبقى سوى نقطة واحدة منه , فقصدت احدى المرتفعات القريبة والتخطية كانت ضعيفة , فقمت باجراء ثلاث اتصالات هاتفية , احدها مع النائبة الايزيدية في البرلمان العراقي (فيان دخيل ) , وكانت تبكي وتقول اصبروا , والاتصال الثاني كان مع سربست طروانشي مسؤول الفرع السابع عشر للحزب الديمقراطي الكوردستاني في شنكال سابقا , فقال يبنغي عليكم الصبر لحين ايجاد طريقة او حل لانقاذكم , والاتصال الاخير كان مع زكي شنكالي (مسؤول في البككا) , وهو الاخر ايضا قال تمهلوا واحتكموا الى الصبر لحين أن نأتي لنجدتكم , بعد مضيء يوم اخر ضاقت بنا السبل ولم نجد طريقة لمغادرة الجبل , في احدى المرات شقيقي ذهب الى احدى المرتفعات وفتح حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي , فتواصل معه شخص من ايزيدي المانيا يدعى (هوشنك بروكا) , فطلب هوشنك رقم تلفونه واتصل بيه قائلا : تم افتتاح الطريق بواسطة قوات البككا , بامكانكم مغادرة الجبل وقول ذلك لبقية السكان المحاصرين , بعد ذلك وضعنا اسلحتنا وكومبيوتري المحمول تحت التراب وركب الاطفال والنساء في سيارة عمي من نوع Deer) ) وقلنا لهم استقلوا هذه السيارة لعلها توصلكم الى مكان أمن قبل ان ينفذ الوقود منها, أما نحن بدأنا السير على الاقدام من منطقة (كيرا قيرانيا ) جنوب جبل شنكال الى منطقة (كرسي) شمال الجبل ومنها الى الطريق ما بين مجمع دوكرى ومجع دهولا في ناحية سنون (الشمال )   وفي الطريق رأيت أمراة من ثيابها عرفت انها مسلمة , كانت واقعة على الارض من شدة العطش والجميع كانوا يمرون من امامها دون ان يمنحوا لها الماء , فوقفت عندها وقمت بشربها من الماء الخاص بي , كذلك في رحلة السير نحو الحدود الى سوريا رأيت الكثير من الناس ممن سقطوا على الارض جوعا وعطشا , وبعد ان وصلنا الى نقطة التي وضعتها قوات البككا  , قالو لنا استمروا في السير ولا تقفوا في منطقة دوكرى لان عناصر داعش قريبين منها , أنا وبرفقة ابني ذو عشر سنوات وصلنا مقابل منطقة دوكرى حينها شعرت بالم شديد نتيجة وجود حصى في كليتي , فتوقفت وتناولت حبة "فولتارين” لكي  لا احس بالوجع ".

    متابعا مسيرته بالقول ” ما أن توقفت هناك وقعت رصاصة دوشكا على مقربة مني حينها شعرت بان هذه المنطقة خطرة , فتواصلنا المسيرة , بعد المضيء في السير على الاقدام نحو 16 ساعة وصلنا الى الحدود العراقية السورية في الساعة 7 مساءا , بعد ان اخذنا قسطا من الراحة على الحدود , صعدنا بمركبات كبيرة (سيارة لوري) ولمدة ست ساعات من الرحلة وصلنا الى منطقة "ديركى” في سوريا  وبقينا هناك لمدة 4 ساعات ومن هناك توجهنا الى معبر فيشخابور ( نقطة التقاء العراق وسوريا وتركيا) حيث الاوضاع كانت مأساوية والناس كانوا بالالاف على المعبر وصراخ الاطفال والامهات كانت تعلو السماء ومن هناك توجهنا الى محافظة دهوك باقليم كوردستان . هذه هي عينة من الابادة التى لازالت مستمرة .


    من ذاكرة الابادة 



    --
    Saad Babir
    Department of Relations and Media in the yazda Org.
    E-Mail:saadbabir@gmail.com
    Tell : 9647507853306
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media