زفرات أيتام ابن أبي طالب
    الأثنين 20 فبراير / شباط 2017 - 07:45
    علي محمد البهادلي
    قبل أيامٍ خلت اضطرني المرض لزيارة عيادة طبيب، وفي غرفة الانتظار سمعت همساً بين شابةٍ ثلاثينيَّةٍ وأمِّهما العجوز، لكني على الرغم من سماعي بعض الكلمات لم أفهم شيئاً منها؛ إذ إنهما يتكلمان التركية أتيا؛ من أجل علاج ابنة الشابة التي لا تتجاوز الرابعة من العمر.
    دخلتا على الطبيب ثم خرجتا حيث صيدلية مملوكة لزوجة الطبيب!  الظاهر أنَّ سعر الدواء كان جداً غاليا وهما لا يملكان ثمنه، حدسي هذا تأتَّى من رؤية الشابة تنادي بخلسةٍ سكرتيرَ الطبيب بالعراقية الدارجة (أخويه بلا زحمة عليك دقيقة) تملكني الفضول وكدت أذهب للتأكُّـد من حدسي عسى يوفقني الله أن أعين وأساعد يتيماً من (أيتام علي بن أبي طالب " الإنسان") بيد أنَّ الحياء أخذ مني مأخذاً؛ إذ إنَّ مجتمعنا ينظر بريبةٍ إلى كلِّ شيء ولا سيما إذا كان هناك من يحاول التحدُّث إلى امرأةٍ شابةٍ!!
    في هذه الأثناء دخل علينا سكرتير الطبيب وهو مُطرقٌ، وبعد هنيهات أخرج ما جال في خاطره مُنكسراً:
    إخواني، أتدرون ماذا أرادت مني هذه الشابة؟ لقد أجهشت بالبكاء وأرادت مني دفع ثمن الدواء الذي لا تملك ثمنه؛ فهي امرأة تركمانية مُهجَّرة من تلعفر ساكنة في منطقةٍ نائيةٍ من العاصمة بغداد تُسمَّى (حي طارق) في بيت من بيوت ما يسميه المترفون والمستفيدون من السلطة (الحواسم) فاعتصرت ألماً وكدت أجهش بالبكاء وأصرخ وأقول يا أمير المؤمنين يا أبا اليتامى والأرامل والفقراء من أين نأتي اليوم بمثلك يبحث عن هؤلاء ليجدهم ويسدَّ جوعهم ويحني عليهم أولست القائل؟!
     مـا إنْ تـأوَّهت من شـيءٍ رُزِئـــتُ بــه ..  كما تأوَّهـت للأطفـالِ في الصغــرِ
     قد مات والـدُهم مـــن كان يكفلُـهم .. في النائباتِ وفي الأسفارِ والحضرِ
    يا أمير المؤمنين هؤلاء الطغام الذين يسمُّون أنفسهم قادة للبلد وكانوا سبباً في استمرار شقائنا يحكموننا باسمك بهتاناً وزوراً، ولم يقدِّموا شيئاً لرفع معاناتنا ومحاسبة من  قتلنا وهجَّرنا، بل لعلهم سيسهمون في إعادتهم كسعي البعض لإعادة المعتوه المجرم المطلوب للقضاء أثيل النجيفي الذي كان السبب في تهجير هذه الشابة التركمانية وأمثالها من تلعفر ولعل الهاشمي ورافع العيساوي يدخلون في سرب المعفوِّ عنهم مثلما خرج محمد الدايني (زي الشعرة من العجينة) كما يعبر إخواننا المصريون.
    يا أمير المؤمنين رجال الدين الذين يمتلكون حقَّ الفتيا والتصرُّف بأموال الخمس والزكاة استمدوا شرعية ذلك من الانتساب لمذهبك ومذهب أبنائك، هؤلاء لا يؤدِّي كثيرٌ منهم ما كنت تؤديه فأنت الباكي والحاني على الفقراء وكنت تأبى أن تبيت شبعان وحولك من يتضوَّر جوعاً وسغباً فأنت القائل لابن حنيف مُعنِّفاً إياه وقد دُعِيَ لوليمة
    " هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ـ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ  بِالْـيَمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ـ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
         وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ    وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ
    أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ  مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ! ".
    فهل هناك يا ترى من رجال الدين من يبحث عن الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل ليشبعهم ويكسوهم ويغمرهم بعطفه كما كنت يا " أبا اليتامى " ؟!! لا سيما ونحن في عصر سهلت معه الطرق التي توصل إلى أعداد المعوزين وأماكن سكناهم؟! أعتقد أن عشرات الآلاف من الفقراء اليتامى والأرامل والمهجرين وأحوالهم المزرية تكفي للإجابة! 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media