لا بديلَ عن التنوير!
    الأثنين 20 فبراير / شباط 2017 - 22:17
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة :
    [كُن شُجاعاً وإستخدم عقلكَ في جميع تفاصيل الحياة]!
    هذا كان شعار عصر التنوير الأوربي الذي بدأ في القرن السادس عشر!
    حسناً :هل تكفينا (كشعوب بائسة) خمسة قرون تالية ,لنبدأ تنويرنا الذاتي ونهضتنا المأمولة ؟علماً أنّ الغرب (الكافر) ,قد وفّر لنا بالمجان تقريباً كلّ وسائل الإتصال والتواصل والمعرفة والإطلاع والنهوض الحضاري ,بدءً من الأقمار الصناعيّة والساتالايت ,وصولاً الى الموبايل والإنترنت .ناهيك بالطبع عن جامعاته ومختبراته وكتبه وبحوثه العِلمية في شتى المجالات!
    في الواقع هذا الفارق الزمني يقارب الفترة بين ظهور المسيحيّة والإسلام!
    أعلم أنّ ما سأقوله الآن سيُغضب بعض الأخوة المسحين ,لكن لو شئنا الصدق مع النفس لأعترفنا بتطوّر المسيحية (خصوصاً اللوثريّة) بدرجة ملحوظة في وقتنا الراهن عمّا كانت عليه في بدء الإنتشار!
    إنتهى دور السيف الذي إستخدمه إمبراطور روما (قسطنطين العظيم) في القرن الرابع الميلادي لنشر الميسحيّة بالقوة .كما إنتهت محاكم التفتيش وصكوك الغفران وحرق المكتبات والساحرات!
    حلّ بدلها النت والموبايل والتلفاز والجامعة ,وأهمّ من ذلك ,تلك المحبّة الكبرى والتسامح الإنساني الذي يفوق أحياناً حدّ الوصف والتعبير! (الكنيسة السويديّة على سبيل المثال تتبرّع بالكثير من الأموال لفقراء المسلمين في آسيا و أفريقيا)!
    اليوم لم يَعُد مُحرّماً ولا حتى مكروهاً في المسيحية الإجهاض والمثليّة الجنسيّة وما الى ذلك .حتى نظرتي (الإنفجار العظيم) و(التطوّر والإنتقاء الطبيعي) تلاقي إستحساناً وقبولاً وتفسير من رجال الدين واللاهوت!
    لكن في بلادنا الأمر عكس ذلك تماماً .حيث مازال الكثير من الناس يتعاطفون (ولو سرّاً) مع قاطعي الرقاب من الدواعش ,مُردّدين شعار الإسلام هو الحلّ!
    فهل آن الاوان لبدء التنوير ,أم مازال الوقت مُبكراً أيّها المسلمون الكرام؟
    ***
    مشاهير التنوير !
    عصر التنوير Age of Enlightenment  أو ما يُسمى أيضاً بعصر العقل Age of Reason ,أو عصر الأنوار بالفرنسية أو مهما كان إسمه بدء في غرب أوربا,عندما تحرّر العقل البشري من قيوده وسجونه وتابوهاته الرئيسة المتمثلة بالدين والجنس والسياسة!
    لم يكن الطريق سالكاً مُعبداً ,لكن العلماء والمفكرين والرجال الأحرار دفعوا ثمن مواقفهم حتى إنتصرت إرادتهم فخُلّدت أسماؤهم بالنور الى الأبد .ولاحظوا أنّ جميع الذين سأذكر أسماؤهم لايؤمنون بالخرافات!
    كوبر نيكوس ,جون لوك ,جون ستيوارت ميل ,ديكارت ,فولتير ,إسبينوزا ,جان جاك روسو ,إيمانويل كانت ,تشارلس داروين ,هيغل ,فيورباخ  فردريك نيتشة ,ماكس فيبر ,فرويد ,آرفنغ شرودنجر ,أوزفالدو شبلنجر , جابمان كوهين , آندي روني ,برتراند رسل ,إسحق دويتشر ,مات ريدلي , كارل ساجان ,كرستوفر هيتشنز ,روبرت لي پارك ... وبالطبع ريتشارد داوكنز!
    ومن العرب : قديماً جلال الدين الرومي , محي الدين بن عربي ,إبن رشد
    الرازي ,الفارابي , الخوارزمي , ثمّ لاحقاً الكواكبي والأفغاني وصولاً الى  د.علي الوردي ود.طه حسين وفرج فودة وحامد أبو زيد وجمال البنّا وسيّد القمني وعلاء الدين الأسواني وعشرات سواهم!
    لكن جهود هؤلاء لن تؤتي أكلها إذا لم تفتح العامة عقولها للعِلم والتطوّر لتنهض بنفسها من هذا المستنقع الآسن وخرافاتهِ التي عفا عليها الزمان!
    ***
    إسلحة الدوغمائيين ضدّ التنوير!
    السباب ,الشتائم ,التخوين ,التكفير ,التحريض على القتل ,الطرد من الملّة ,تطليق الزوجات وغير ذلك كثير من الأساليب الخسيسة التي ينتهجها الإسلاميّون (حتى الشباب منهم لا أعرف كيف) ومعهم غالبية مشايخهم لإبقاء طريق التنوير وعراً خطيراً شائكاً مُظلماً مُوحشاً لسالكيه!
    هؤلاء الظلاميين يبغون إبقاء الواقع العربي الإسلامي على حالهِ كما كان زمن النبي وصحابته ,يظنّون أنّهم بذلك سيّردون الجميل ويُنفذّون القول الشهير (بأنّ كلّ جديد بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلاله في النار)!
    لكن من جهة أخرى لامانع لديهم من الإستفادة من الإبداع العلمي التكنلوجي الحضاري للغرب وجميع منتجاته من السيارة الى الطائرة .
    ناهيك عن الطبّ وأدويته التي يضطّر إليها غالبية المشايخ القذرين!
    بالطبع تفسير ذلك عندهم أنّ الله سخّرَ لنا هؤلاء الحمير لنركبهم ونلعنهم طيلة الوقت!
    حتى الواقع الثقافي والتأريخي الذي يتباهون به عبارة عن سرقة وتلطيش وتناقضات فاضحة دون عِلم ولا فهم!
    ***
    ما البديل ؟
    العِلم والقراءة العِلميّة والطريقة العِلمية في التفكير و الحريّات بأنواعها خصوصاً الحريّة الفكريّة .مع عزل الدين عن الدولة ,وإجبار رجال الدين على العمل الحقيقي كعمال وفلاحين مُنتجين أو حتى عمال نظافة للمدن الإسلاميّة القذرة ,بدل معيشتهم المُرفهة على حساب الدولة أو السُذج من العامة .حتى منع الأزياء المُذلّة للمرأة كالنقاب والبرقع وأيّ زيّ إرهابي!
    تلك هي البدائل التي يمكنها فعل المستحيل مع واقعنا العربي الإسلامي للتخلّص من الحماقات الموروثة التي لا دليل عِلمي واحد على صحتها أو فائدتها!
    ***
    الخلاصة :
    في مقال علمي سابق بعنوان (أيّهما أهم الذكاء أم الحكمة؟) ,أوضحتُ أنّ الحكمة تتضمن الذكاء مع شرط إضافي هو الإصغاء لباقي الآراء المُخالفة ومحاولة الموازنة بينها للخروج بنتيجة نافعة صالحة للنهوض!
    لا أفهم كيف كان العرب يسموّن الرجلَ حكيماً عندما ينزوي في كهف أويعتزل الناس في معبد على قمّة جبل ,ليخرج عليهم بعدها بنظريات أو شرائع ترفض الجدل والنقاش!
    الآن عندما تسأل المسلم العادي ,هل ترضَ بمجرد الإصغاء لرأي آخر يُخالف ما ورثته من آبائك وأجدادك؟
    سيجيبك وكيف لي أنْ أترك عقلي لغريب يلعب به على هواه كما يشاء؟
    حسناً كيف إذاً تبصمون بالعشرة على أقوال وأعمال مشايخكم البُغاة التي تدعوكم لكراهية وقتل الآخر؟ ... لاجواب البتّه!
    على كلٍّ عالمنا هذا لا يخلو من المُغالطات!
    و مغالطة البدوي :هي أن يقول شيئاً سخيفاً ,يقنع نفسه به ,ثمّ يجبر الآخرين على تصديقهِ أو إعتبارهم كُفاراً يستحقون القتل!

    رعد الحافظ
    20 فبراير 2017
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media