أهالي الموصل.. يخاطرون بكل شيء لمساعدة القوات الأمنية
    الخميس 23 فبراير / شباط 2017 - 07:58
    [[article_title_text]]
    (اسوشيتد بريس)*- شعر مسؤول المخابرات العراقي بأن ثمة ما يريب حين اتصل به احد عناصر "داعش"، ممن يعملون مخبرين لصالحه داخل مدينة الموصل، على رقم هاتفه الجوال دون ان يستخدم للدلالة عن نفسه الاسم السري الذي يستخدمه دائماً في مثل هذه الاتصالات. بعد ذلك اخذ المخبر يتحدث عن بيع سيارته، فجاراه الضابط في الحديث وانتهى الامر على ذلك.

    بعد ايام من تلك الحادثة عاود المخبر الاتصال ليوضح ما حصل. قال له ان الارهابيين عثروا على رقم هاتف المسؤول على جهازه اثناء بحثهم الدائب عن الجواسيس ولم يعرفوا من هو صاحب الرقم، لذا أمروه ان يتصل بالرقم ففعل متظاهراً بأنه يتحدث مع شخص اشترى منه سيارته.
       
    لدى المخابرات العراقية حالياً نحو 300 عنصر يعملون كمخبرين يزودونهم بالمعلومات من داخل مدينة الموصل وهؤلاء، على حد وصف المسؤولين، يمثلون جزءاً مهماً من عملية جمع المعلومات الضخمة التي اخذت تتكشف ابعادها على هامش معركة تحرير الموصل. فهؤلاء المخبرون يحددون للقوات العراقية مواقع الارهابيين وتحركاتهم بدقة كبيرة ويحذرونها من السيارات المفخخة والمتفجرات المخبأة ويساعدونها في اعداد قائمة باسماء المتعاونين والمتواطئين مع "داعش".

    هذا العمل خطر الى اقصى درجات الخطورة، لأن عناصر "داعش" عرف عنهم المبادرة بالقتل لدى ادنى شبهة بالتجسس، وقد تعرض اشخاص ضبطوا وهم يتحدثون عبر الهاتف النقال لإطلاق النار من قبل القناصين او قتلوا وعلقت جثثهم على اعمدة الكهرباء، كما تفيد روايات سكان المدينة. وكلما تمكنت القوات العراقية من استعادة حي من الاحياء تعرض هؤلاء المخبرون للوقوع ضحية الاعمال الانتقامية من جانب الاهالي ظناً منهم انهم ارهابيون.

    اجرت وكالة اسوشيتد بريس مقابلات مع اكثر من ستة من مسؤولي المخابرات العراقيين وطلبت منهم ان يصفوا العمليات التي يقومون بها. يقول هؤلاء المسؤولون ان ثقة سكان الموصل بالقوات الامنية هي مفتاح النجاح في عملهم، بيد ان التقارير التي تتحدث عن الاعتقالات العشوائية للرجال والفتيان الذين يشك بوجود صلات لهم بـ "داعش" تضر بهذه الثقة. ويضيف مسؤولان مطلعان في المخابرات العراقية أن الاجهزة الامنية انشأت خلال عملية تحرير الموصل قاعدة بيانات تضمنت نحو 18 الف اسم لاشخاص يشتبه بأنهم يقاتلون بين صفوف "داعش"، وقد اجري تدقيق للذكور في المناطق التي تحررت على اساس قائمة الاسماء تلك وادى التدقيق الى القاء القبض على 900 شخص. جميع المسؤولين تحدثوا بعد ان اشترطوا عدم الاعلان عن اسمائهم لأنهم غير مخولين بالتحدث مع الصحافة. كذلك امتنع هؤلاء عن الادلاء بأي تفاصيل تتعلق بمخبريهم خشية تعريضهم للخطر.
    اما المخبرون انفسهم فدوافعهم مختلفة. البعض يفعل ما يفعله من اجل المال، لأن جهاز المخابرات يدفع للمخبر اجراً مجزياً، وهناك من يفعله كرهاً بـ "داعش"، فأحد المتعاونين مع المخابرات مثلاً كان عضواً في "داعش" ولكنه تعرض للضرب والمهانة بعد ان ضبط وهو يدخن.

    يقول مسؤول المخابرات الذي يتواصل مع هذا المخبر من مقره في بغداد: "كانت تلك هي الشرارة الاولى." ومع مرور الوقت اخذ هذا المخبر يصحو الى نفسه ويفيق من وهم "داعش"، عندئذ نشط اكثر في تزويد اجهزة المخابرات بالمعلومات بشكل مستمر.

    المخبر الاخر رجل عمره 70 عاماً، ولقد افلت من رقابة الارهابيين بسبب كبر سنه، كما يقول المسؤول. ولكن بعد ان حررت القوات العراقية الحي الذي يسكنه فجر جيرانه منزله بسبب نقمتهم على "داعش" دون ان يعلموا أن هذا الرجل كان يعمل سراً ضد تلك الجماعة.

    بعد اشهر من المعارك تمكنت القوات العراقية من انتزاع الجانب الشرقي من الموصل وهي بدأت تتحرك الى الجانب الغربي، وفي هذه المرحلة يمثل جمع المعلومات الاستخبارية اهمية قصوى لأن القوات العراقية تبذل غاية جهدها لتوخي الدقة تجنباً لاحداث اصابات بين مئات الوف المدنيين الباقين في المدينة.

    على مشارف الموصل جلس ضابط عراقي برتبة رائد من المشاركين بالتخطيط للهجوم على الجانب الغربي يقلب الرسائل التي وصلته على هاتفه النقال. امتلأت شاشة الجهاز بالرسائل النصية القصيرة والتأشيرات الدالة على المواقع والروابط المؤدية الى خرائط الاقمار الاصطناعية. الرسائل النصية قصيرة وبسيطة، مثل: "موقع قناص"، "فريق هاون"، قاعدة لداعش".

    يقول هذا الضابط انه يحرص على تدقيق المعلومات التي تصله ومطابقتها مع مسؤولي المخابرات، ولكن العملية رغم هذا لا تخلو من مشاكل. فقد تكشف مثلاً ان عشرات المخبرين المعتمدين كانوا عملاء مزدوجين لصالح "داعش"، كما يقول عقيد في جهاز المخابرات يعمل في بغداد. وروى العقيد لنا حادثة عن واحد من هؤلاء فقال ان احد المخبرين كان يواظب على تزويدهم بالمعلومات طيلة اسابيع عن مقاتلين ومقرات تقع خلف خطوط "داعش". ثم ارسل في الشهر الماضي معلومة تفيد بوجود قنبلة مخبأة على احد الطرق.

    دقق العقيد المعلومة ثم ارسل احد رجاله المتواجدين في الموصل للتحري، ولكن الجندي اختفى وكذلك المخبر ولم يسمع احد عنهما شيئاً بعد ذلك.
    يقول العقيد: "اعتقد أن المخبر قد سلم جندينا الى داعش."

    يضيف مسؤول مخابرات ثان انه انتهى الى علمه أن نحو ستة من مخبريهم قد افتضح امرهم وقتلوا بيد "داعش"، وأن هناك آخرين غيرهم توقفوا عن ارسال المعلومات منذ مدة وهو لا يعلم شيئاً عن مصائرهم.

    كان اهم عناصر نجاح القوات العراقية هو ذلك الجهد المنسق الذي بذلته لكسب تأييد أهالي الموصل، لذا كان الجنود خلال هجوم الموصل يخرجون كثيراً عن النمط العسكري لأجل مساعدة الاهالي ومنع وقوع توترات طائفية. وفي احدى العمليات الاخيرة في الجانب الشرقي قوبل المقدم مهند التميمي وجنوده بالتحيات الحارة من قبل سكان حي الاندلس اثناء تجوالهم من باب الى باب طالبين من السكان ان يدلوهم على ارهابيي "داعش".

    احد هؤلاء السكان، واسمه محمد غانم، ارشد الجنود الى منزل عثروا في حديقته على كدس من قنابل الهاون ثم قال لهم: "هذه كانت قاعدتهم."
    وقدم آخر، اسمه عمار البارودي، الشاي للجنود ثم الحقه بتقديم اسماء اكثر من عشرين عراقياً كانوا يقاتلون ضمن صفوف "داعش". قال لهم: "هؤلاء اناس جهلة وقد كانوا شديدي القسوة معنا. والان اشعر بالفخر لأني اساعد قوات الامن في العثور عليهم ومعاقبتهم."

    بيد ان المشاعر الطيبة يمكن ان تفقد بسرعة. تقول بلقيس ولي، التي تشغل منصب كبيرة باحثين في منظمة "هيومن رايتس ووتش" في العراق، ان العوائل التي احتجزت القوات العراقية احبة لها كانت على يقين في البداية من ان المسألة لن تطول وانهم سيطلق سراحهم بمجرد تدقيق مواقفهم.

    * قاسم عبد الزهرة وسوزانا جورج SUSANNAH GEORGE/مؤسسة يو أس نيوز أند ورلد ريبورت الاخبارية نقلاً عن وكالة اسوشيتد بريس
    ترجمة / أنيس الصفار
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media