لنجعل من القضاء دائرة انتخابية فيها نختار من يمثلنا في مجلس النواب والمحافظة والقضاء
    الثلاثاء 21 مارس / أذار 2017 - 22:32
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    من ما يستشف من وسائل الاعلام يوجد الان اجماع على ضرورة تعديل او تطوير قانون الانتخابات التشريعية ولكن من غير الواضح، لي على الاقل، ماهي التعديلات المطلوبة ولماذا. البعض يقول لكي ننصف الاحزاب الصغيرة فلا يسقط او يقلل حقها في التمثيل مع فشل مرشحيها في الحصول على العتبة الانتخابية من الاصوات. لا أعرف مدى اهمية هذه المسألة ولكني اعرف بأن قانون الانتخاب العراقي متسامح مع الاحزاب والكتل الصغيرة اكثر من قانون الانتخاب السويدي فالاول يسمح في التمثيل في المجلس الوطني ان حصل الحزب او الكتلة على اقل من 1% من الاصوات الكلية في حين لا يسمح الثاني بأن يمثل حزب او كتلة في البرلمان اذا حصل على اقل من 4% من الاصوات. العدد الكبير من الاحزاب والكتل في البرلمان يعقد وقد يشل عملية صنع القرار، في حين يسهل العدد الصغير ذلك. في العراق ونظرا لحداثة الديموقراطية وظروف الاسطفاف على اساس المكونات حاليا من المعقول والضروري استيعاب الاحزاب والكتل الصغيرة في مجلس النواب لفترة قد تطول او تقصر وحتى نضوج العملية الديمقراطية واستقرار احزاب على اساس البرامج.
    البعض يقول لكي نضمن انتخابات نزيهة او اكثر نزاهة وقد سببت هذه المسألة مشاكل عديدة وطعون عديدة من الخاسرين الذين عادة لا يريدون ان يقروا بالهزيمة ويتقبلوها برحابة صدر بأنهم حاولوا وفشلوا وعليهم عدم الترشيح في الانتخابات القادمة او الاستعداد والتنظيم بشكل افضل. المسألة اصبحت مهمة جدا مؤخرا  في ارتباطها بالمفوضية العليا للانتخابات واتهامها بعدم الحيادية وضعف الاستقلالية عن الاحزاب والكتل المتنفذة  والتلاعب بنتائج الانتخابات بدون ادلة معقولة يقبلها القضاء وصارت المطالبة باستقالتها مسرح للمضاهرات والاختلاف الحاد رغم ان القانون يفرض انتخاب مفوضية جديدة من قبل مجلس النواب في ايلول المقبل على ما اعتقد. من خلال وضع الاستمارات الجيدة والتقنيات المعقولة، التنظيم الجيد والرقابة الجيدة في المراكز الانتخابية وايضا العد العلني في المراكز، الفرز الثاني والسيطرة والتدقيق الالكتروني في مراكز المحافظة او الاقضية، ثم اجراء الحسابات المركزية لتحديد الفائزين، يمكن تحقيق نتائج جيدة وسليمة نسبيا خاصة وان التجارب الانتخابية السابقة اعطت تجربة جيدة للعاملين في المجال وان جعلها على مستوى القضاء سيقلل عدد المرشحين وتصبح اسهل. ومشكلة المفوضية يمكن ايضا ان تحل بشكل جيد من خلال التشديد على الاستقلالية بالاضافة الى المؤهل والقدرة والسمعة عند قبول الترشيح الذي يمكن ان يكون من قبل لجنة من قضاة مستقلين ومن خلال وضع نظام تصويت جيد ومنصف كأن يختار كل نائب مرشح واحد او اثنين والفائزون من يحصلون على اعلى الاصوات.
    المشكلة الاكبر في نظري هو العدد الكبير جدا من المرشحين والنوعية الواطئة للذين فازوا بمقاعد في مجلس النواب فمعظمهم ذو مقدرة واطئة وعدم اهتمام سابق بالسياسة. ففي الانتخابات الماضية رشح على مستوى العراق حوالي 4000 شخص نفسه للفوز بحوالي 300 مقعد وعلى مستوى بغداد رشح حوالي 600 شخص لاختيار حوالي 60 نائب منهم لمجلس النواب. ليس سهلا على الناخب ان يختار من يمثله بين 600 مرشح وعملية نشر المعلومة للناخبين حول هؤلاء المرشحين تصبح صعبة ومكلفة ويسودها فوضى الاعلانات والصور مع هذا العدد، وان ينتمي هؤلاء المرشحين لاكثر من مئة حزب وكتلة يزيد من تعقيدات تنظيم كذا حملة انتخابية وحساب وتقييم النتائج واعلان النتائج. لذا ارى من الضروري تقليص عدد المرشحين وبدرجة كبيرة، وجعل الانتخاب على مستوى القضاء سيسهل ذلك.
    المشكلة الثانية وقد تكون الاهم هي كيفية تحسين نوعية اعضاء مجلس النواب بدرجة كبيرة تجعلهم اهلا للمركز الكبير الذي يشغلونه في اختيار التنفيذيين الاساسيين وتشريع القوانين والرقابة والمحاسبة، والتي تتطلب مستوى عالي من الثقافة والمعرفة والقدرة والنظافة والاهتمام العراقي وليس فقط المكوناتي او المناطقي او العشائري او المذهبي. ان نقلل اعداد المرشحين ونركز على اصحاب القدرة والمعروفين في الاقضية سيساعد كثيرا في ذلك خاصة اذا ساعدت المرجعية الدينية في دعم ذوي المعرفة والكفائة والوجدان وبالاخص من يطغى عليهم صفة الاستقلالية وعدم الحاجة المادية. ان يقدم الحشد الشعبي وسياسييه مثل هؤلاء المرشحين ويدعمهم  او ان يخصص 40 او 50 نائب يختارهم النواب المنتخبين من بين اسماء قديرة من المرشحين الاكفاء وذوي الوزن المعرفي ومن كافة المكونات وترشحهم المرجعيات والمؤسسات المتخصصة يمكن ايضا ان يحسن من نوعية اعضاء مجلس النواب العراقي ويزيد من كفائته وبالاخص من خلال تحسين عمل لجانه المتعددة واهمها الفنية.
    هناك مشكلة ثالثة يمكن ان تضاف للمشكلتين اعلاه وهي تعدد الانتخابات، فحسب الدستور والممارسات الاساسية في الديمقراطية يفترض ان يكون لدينا ايضا انتخابات لاختيار مجالس للاقضية ومجالس للنواحي/البلديات بالاضافة لمجالس المحافظات ومن يمثل الامة العراقية. فهل سيُعين يوم خاص لكل منهم وهل هذا مرغوب ومعقول من ناحية التكلفة والعملية؟ لا اعرف اسباب اختيار المشرع العراقي ليوم خاص لانتخاب المجلس الوطني وآخر لمجالس المحافظات دون اخذ التكلفة والجوانب العملية بنظر الاعتبار خاصة عند التفكير باقامة انتخابات الاقضية والنواحي. فليس عمليا ولا اقتصاديا ولا حتى مفيدة سياسيا او اجتماعيا او نوعيا ان نذهب كل سنة الى صناديق الاقتراع لاختيار احد المجالس. الافضل باعتقادي، وخاصة مع عدم اجراء انتخابات مجالس المحافظات في السنة الماضية واحتمال اقامتها في السنة الحالية ضعيف او لازال غير مناسب، ومن نواحي عديدة ان نذهب كل اربع سنوات الى صناديق الاقتراع وفي يوم واحد لاختيار من نراهم يستحقون تمثيلنا في المجالس الاربعة. وحيث ان بيانات النواحي لها مشاكلها والمختصون يرون بصعوبة او عدم امكانية اجراء انتخابات النواحي بشكل جيد يمكن ان نركز من الان على اجراء الانتخابات التشريعية ومجالس المحافظات والاقضية في الربيع القادم وان يقوم مجلس النواب ومجلس الوزراء بحسم اختيار مفوضي الانتخابات المستقليين وقانون الانتخابات ومسألة رجوع اللاجئين الى مناطقهم خلال الستة او التسعة اشهر القادمة.
    اسباب مشكلة العدد الكبير للمرشحين والنوعية الواطئة عديدة ومترابطة وتشمل اولا الرواتب والامتيازات الكبيرة لاعضاء مجلس النواب التي تشجع كل من يعتقد بامكانه جمع عدد كبير من الاصوات لاسباب عشائرية او دينية او اثنية وان كان جاهلا في الامور التي على مجلس النواب مناقشتها والبت بها. ما اراه الان في مجلس النواب اقلية نشطة وتأخذ بجدية ومهنية مهامها وبالاخص بلجان المجلس العديدة والنقاش الذي يدور، واقلية اخرى عملها اقرب الى التهريج وحب الظهور دون ان يلموا فيما هم يتحدثون، واغلبية خاملة ليس لها ما تقوله او لا تحضر جلسات المجلس. ومن الملاحظ ان عدد الذين يكتبون المقالات ويطرحون افكارهم في مسائل مهمة سياسية كانت ام مهنية ام ما يرغبون في عمله، محدود بين اعضاء المجلس وعدد الحضور في جلسات المجلس وان كانت مهمة وفيها تصويت لقرار يتراوح حوالي الثلثين.
    السبب الثاني المهم هو ان الاحزاب والكتل المشاركة في الانتخابات ترشح عددا كبيرا من النواب في قائمتها للحصول على اكبر عدد ممكن من الاصوات رغم معرفتها بأن فرص نجاح معظمهم ضعيفة او معدومة خاصة وان قانون الانتخابات يشجع على ذلك حين تذهب جميع اصوات من لم يفز الى حزبه او كتلته. فالحزب او التكتل/التحالف الذي لديه طاقة للحصول على مقعدين او ثلاثة في دائرة انتخابية يرشح عشرين او ثلاثين شخص  بدلا من ان يكتفي بترشيح خمسة او ستة اشخاص. قانون الانتخابات يجب ما لا يشجع على هذا السلوك من خلال مثلا حذف اصوات من يحصلون على اعداد واطئة او تقليل نسبة الاصوات التي تذهب للحزب او المكون مع كثرة المرشحين عنه.
    السبب الثالث في مشكلة عدد المرشحين والنوعية النواب هو العدد الكبير من الاحزاب والكتل التي تدخل معترك المنافسة في الانتخابات حيث ان معظمهم لا يقدرون حجمهم بين الناخبين بشكل صحيح وبالاعتماد على دراسات استطلاعية علمية ويعتقدون بان النجاح سيكون من حليفهم لانهم كذا وكذا. هذا العدد الكبير والذي يصل في العراق الى ثلاثة ارقام، اي مئة واكثر، لا ينفع العملية السياسية الديمقراطية بل يضرها كثيرا ومن نواحي متعددة تبدأ من صعوبة اجراء انتخابات جيدة ونظيفة نختار فيها الافضل لتمثيل الشعب العراقي وحتى صعوبة اتخاذ القرار مع العدد الكبير للاحزاب والتكتلات في المجلس الوطني. ثم ان العدد الكبير في الاحزاب يخلط الحابل بالنابل ويضعف من فهم الناخب لتوجهات وبرامج هذه الاحزاب وما تريد فعله. في الديمقراطيات المتقدمة عادة لا يزيد عدد الاحزاب المتنافسة عن عدد الاصابع.
    بناء على ما ورد اعلاه وقبولا بمبدأ انتقال اصوات من لا يفوز من المرشحين الى حزبه وبمبدأ امكانية اختيار الناخب لحزب او تكتل دون مرشح معين نقترح وجود دائرتين انتخابيتين واحدة على مستوى القضاء وتكون مفتوحة، اي اختيار احد المرشحين او الحزب فقط، واخرى على مستوى العراق للاحزاب والكتل حيث تصبح اصوات حزب او كتلة هي مجموع ما يحصل عليه في الاقضية من اصوات. فان لم يفز من اختاره ليمثل القضاء يذهب صوتي الى حزبه او كتلته التي تقوم وفق اتفاق مسبق وعدد الاصوات والكوتا النسائية اختيار من يمثلها في مجلس النواب وفق قائمة مغلقة يضع تسلسلها مسؤولي الحزب/الكتلة او تذهب الاصوات للمرشحين من الكتلة الذين حصلوا على اعلى عدد من الاصوات ولكن دون العتبة ليكملوا العتبة. ونقترح ايضا تخصيص 40 او 50 مقعدا في مجلس النواب للشخصيات المرموقة ذات الكفاءة المشهودة التي تختارها او ترشحها المرجعيات والمؤسسات المتخصصة ويصوت عليها الفائزون من المرشحين المنتخبين.
    من اجل ان لا يشجع نظام الانتخابات اعداد متزايدة من المرشحين نرى وضع شروط قوية في مسألة تأسيس الاحزاب فلا يكون تأسيس حزب كمن يدير دكانا او شركة بل التزامات متعددة يحددها قانون الاحزاب. وثانيا اسقاط اصوات من يحصل على عدد قليل جدا من الاصوات مثلا اقل من 100 او 200 صوت مما يجعل الاحزاب تركز على عدد معقول من المرشحين. وثالثا تحديد عدد المرشحين في كل قضاء ليكون 20-50 مرشح حسب نفوس القضاء ويوزعون على الاحزاب والكتل حسب ثقلهم في القضاء و تمثيلهم السابق في المحافظة وعدد الاعضاء. ومن اجل حصر الجهود والكلفة وزيادة الكفاءة نقترح ان تكون لدينا انتخابات واحدة كل اربع سنوات فيها نذهب كمواطنين في احد اقضية العراق لاختيار من يمثلنا في مجلس النواب اولا ثم في مجلس المحافظة فمجلس القضاء واخيرا مجلس الناحية/البلدية عند توفر المقومات اللازمة، وفي هذا سيكون للانتخابات وزن ثقيل يستحق التهيأ له من نواحي عديدة.
    على ساسة العراق ومثقفيه ونخبته تأكيد المواطنة وضرورة توزيع الصلاحيات والموارد على مستويات ادارية هرمية اعتدتنا عليها لعقود عديدة وهي المحافظات والاقضية والنواحي حيث تحتم تعقيدات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية وتزايد دور الدولة والمؤسسات الاجتماعية في حياة المواطنين توزيع كثير من عمليات صنع القرار على اساس لامركزي ومحلي يؤدي الى بيروقراطية اقل وقرارات انضج وأكثر فعالية واقرب للمواطن. فان كان مستوى الدولة المركزية هو المكان الافضل لصنع التشريعات والادارة العامة للدولة من امور دفاعية وحدودية واقتصادية ومتعلقة بالسياسة الخارجية وادارة موارد المياه والنفط فان مستوى المحافظات هو المكان الافضل لادارة الزراعة والصناعة والامور الخدمية في الصحة والتعليم والاسكان والمواصلات في مستوياتها العليا، في حين يمكن لمستوى القضاء ان يكون المكان الافضل لصنع القرار في مسائل الامن والامان والقضاء بين الناس وايضا في مسائل الضرائب وتنظيم العقار والنواحي العملية والتنفيذية في كثير من الخمات وامور المجتمع ومواطني القضاء بشكل عام، ولمستوى الناحية/البلدية المكان الافضل لادارة الخدمات المباشرة للناس من دور العجزة وخدمات اجتماعية متعلقة بالعمل وتوفير المعيشة الى رياض الاطفال والمدارس الابتدائية وامور البلدية ومراكز صحية وايضا ترفيهية/ثقافية.
    ان يكون القضاء وحدة ادارية اساسية في الادارة المحلية من ناحية توزيع الموارد والصلاحيات لاتخاذ كثير من القرارات التي تهم مواطني القضاء لها اهمية خاصة من ناحية علاج المشاكل البيئية وتبني التنمية المستدامة حيث سيكون معاملة القضاء كوحدة ايكولوجية اجتماعية يتفاعل فيها مجتمع القضاء مع محيطه البيئي الجغرافي. معظم او كل الاقضية اما مدن متوسطة تقع على ضفاف نهر ولها فضاء بيئي واضح مكون من اراض زراعية متداخلة فيها وتحيط بها او جزء من مدينة لها ايضا مثل هذه المياه والارض ولكن في طرف من المدينة، واستخدام الماء والارض يشكل عصب المدينة لتحيا وتتواصل وتقدم خدمات متصاعدة لمواطني القضاء في المدينة والريف ليس فقط من ناحية توفير المواد الغذائية بل ايضا المساحة الخضراء التي يتنفس من خلالها القضاء ويتخلص من فضلاته العضوية بشكل سماد للنبات، فيكون على القضاء لزاما تربية مواطنيه على تقليل التلوث والاهتمام بالبيئة المحيطة. وعلى مستوى القضاء هناك انسجام اكبر بين المواطنين من مستوى المحافظة يسمح بادارة القضاء بشكل يدعم خدمة المواطنين بشكل اكبر وبقاء هوية القضاء لمكونه مثال قضاء الحمدانية المسيحي وقضاء طوزخرماتو التركماني.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media