المرأة العراقية ومعاناتها في عيدها العالمي
    الأربعاء 22 مارس / أذار 2017 - 09:39
    د. صباح قدوري
    في الوقت الذي نحتفل بيوم المرأة العالمي في 8 آذار/ مارس من كل سنة، نجد أن معاناة المرأة العراقية لاتزال متواصلة ومتفاقمة وتواجه صعوبات وتحديات كبيرة. أن وتيرة التقدم في مجالات المساواة بينها وبين الرجل ما زالت بطيئة جدا وفي تراجع مستمر، وبذلك أصبحت هي المتضرر ألأول في بنية المجتمع العراقي.

     تعرضت المرأة العراقية خلال العقود الماضية الى أبشع أشكال الاضطهاد والارهاب والقمع والتفرقة والقتل والحروب والحصارات والامساواة والمعانات اليومية. واليوم يستطيع أي مراقب للوضع العراقي أن يأكد بأن البلاد غارقة في صراعات طائفية وعرقية ومذهبية وأثنية ودينية بالاضافة الى موجات العنف والاختطاف الاعشوائي والتهجير والاغتصاب والقتل  وقطع روؤس ورمي جثث في الشوارع والاحياء السكنية وغيرها، مما أدى الى ترملت الكثير من النساء وفقدن الازواج والابناء والاباء والاخوة، وأزدادت من الضغوطات النفسية عليهن، هذا بالاضافة أيضا الى ضعف في اداء الحكومة لمهامها السياسية والوطنية والاجتماعية والاقتصادية والامنية في العراق الممزق.

    أن النظرة الضيقة في العلاقات بينها وبين الرجل في الحياة الخاصة والعامة، لاتزال سائدة في المجتمع العراقي، وخاصة في المناطق النائية، رغم أن القوانين تنص على المساواة الافتراضية بين الجنسين، لكن الواقع يعكس تهميش تام للنساء ولا يترك لهن آي خيار في إتخاد القرار بخصوص حياتهن. وأصبحت كثير من الارامل مجبرات على الزواج باشقاء ازواجهن، أوفرض الحجاب الاجباري، أومنع الخروج الى الشوارع وحرمان من الذهاب الى المدارس وأماكن العمل، وأمام أنظار أسرهن وأطفالهن تم قتل. كما تفاقم مؤشرالعنف المنزلي والنفسي ضد المرأة، والذي يقع في خانة الحوادث غير مسجلة. وضمن الوضع الراهن في العراق اليوم ،وضعف المرأة العراقية للوعي والقدرة المعنوية والمادية والثقافة والقانونية، وبسبب ضعف التشريعات، يتم التعتيم الواضح على هذه الظواهر، سواء من قبل الموسسات الحكومية أو من مؤسسات المجتمع المدني المعنية، ولا تستطيع المرأة جمع الادلة والوثائق اللازمة لاثبات ذلك والدفاع عن نفسها.

    كما تتهم المرأة وتحمل المسؤولية في قضايا الانفصال والطلاق، وبذلك تصبح الضحية الأولى في هذه العملية، ويالتالي لا تضمن لها فعليا كافة حقوقها الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ بسبب ذلك. هذا بالاضافة الى محاولة التقليل من شخصيتها الاجتماعية والنظرة الاستخفافية اليها من قبل المجتمع، وتحميلها كل النتائج السيئة الناتجة من جراء عملية الانفصال والطلاق.

    لاتزال فكرة تعدد الزوجات قائمة في المجتمع العراقي، والزواج المبكر للفتيات وفق العادات والشريعة، ومتفاوته بين الريف والمدن، لكنها اصبحت ظاهرة شائعة في الاونة الاخيرة. وهي تتناقض مع روح العصر ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وتؤدي الى تفكك في الاسرة من النواحي الاسرية والتربوية والاجتماعية والاخلاقية. فلابد من حصرهذه الظاهرة، وذلك عبر الارشادات والتوجية والتوعية التربوية.

    ففي مجال العمل، ما زال الوضع بائس، وأن نسبة تفشى البطالة في صفوف المرأة العراقية،وخاصة في صفوف الشابات لاتزال عالية وشروط العمل غير متساوية، منها في مجال الاجور والرواتب والمناصب القيادية، وخاصة في القطاع الخاص. كما وتمارس ظاهرة التحرش الجنسي ضد المراة في العمل، وتعرض النساء اللاتي يتقدمن بالشكاوي الى الملاحقة والحصار وغيرها من المضايقات والاجراءت التعسفية ضدها، فابسطها مثلأ، انهاء عملها.

    تعاني المرأة العراقية تفرقة واضحة في مجال التعليم. أن نسبة تفشي الامية بينها هي أكبر بكثير من الرجل، لذا يجب أن تعامل المرأة بنفس مستوى الرجل، من خلال تخصيص مقاعد دراسية كافية لها في جميع  مراحل الدراسية المختلفة، وتحفيزها للدراسة من خلال الدعم المادي، وضمان تامين العمل لها بعد اكمال الدراسة، وخاصة في مستوى التعليم الجامعي والدراسات والزمالات العليا في الداخل والخارج. كما أن النساء لا  يحصلن على رعاية صحية كاملة.

    ان عدم ضمان مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، يعوق نمو ورخاء المجتمع والاسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة، وبالتالي نرى النساء في حالات الفقر،لا ينلن إلا أدنى نصيب من الغذاء والصحة والتعليم والتدريب وفرص العمالة والحاجات الاساسية الاخرى.

    رغم أن الدستور العراقي أقر ضمان حقوق المرأة في المشاركة السياسية وغيرها بشكل يتساوى مع حقوق الرجل في المجتمع باسره. وحدد نسبة مشاركة المرأة في الجمعية الوطنية العراقية بحد ادنى لا يقل عن 25%من مجموع أعضاء الجمعية، إلا أن دور الفعلي للمراة لايزال ضعيفا ويتسم بالطابع الرمزي، سواء في البرلمان و/أو في المناصب القيادية للحكومة، أوتوليها للوظائف في مجال السلك الدبلوماسي والمنظمات الدولية في الخارج، أوفي نشاط السياسي والعمل في منظمات المجتمع المدني، وبعيدا عن تمثيل المرأة ومتطلباتها وطموحاتها وشواغلها وقدراتها الحقيقية.

    أن الانظمة الديكتاتورية القمعية عملت على تلاعب بقضايا المرأة العراقية حسب مصالحها السياسية، واليوم تعاني المراة أيضا من صعود حركات الاسلام السياسي الى السلطة، وأن أزمة مع الاسلاميين لا تربط فقط بخطابهم ونظرتهم المحافظة أزاء مكانة المرأة، وانما في ايديولوجيتهم الاوسع.

    وضمن هذا المشهد الماساوي الذي تمر بها المرأة العراقية، وتهميش دورها في المجتمع والتي تشكل أكثر من نصفه، فان النساء نلن نصيبا مزدوجا من الانتهاكات الجسيمة تحت وطاة الاغتيلات والخطف والاغتصاب التي تتعرض لها على يد جماعات مسلحة وأرهابية في مناطق مختلفة من العراق، هي حربا ضد المرأة والانسانية. كما أن التركيبة القبلية والعشائرية للمجتمع وعقل الرجل العراقي لا يعطيها هامشا كبيرا، ولاتزال تسود فيها ظاهرة ختان الفتيات، وعادة قتل المرأة على خلفية ( الاخلال بالشرف )، وتدين بهذه العادة وتمارسها كاسلوب تربوي يهدف الى ما يسمى بالحفاظ على سمعة العشيرة أو العائلة ومكانتها في المجتمع!!!، وغيرها. هذا بالاضافة الى زج مئات منهن في السجون العراقية، ويتعرضن الى اشكال مختلفة من التعذيب والاغتصاب.

    ختاما، متى يتم رفع الظلم والتبعية والتفرقة عن المرأة التي تعاني من كل هذه المأسي وعدم الاحترام؟!. يجب ان تقوم المؤسسات الثقافية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني وخاصة النسوية وحقوق الانسان منها بدورها ومسؤوليتها الاخلاقية والانسانية والتاريخية، على رفع المستوى الثقافي والوعي للمرأة، لكي تتحصن من آية هجمة ثقافية تحجم من دورها في المجتمع. التخلص من العادات والتقاليد البالية التي تثقل كاهل المجتمع، وإعادة النظر في السياسات المتبعة نحو تأهيل الاسرة ومساعدتها في القضايا الأجتماعية والأقتصادية والثقافية، فضلأ عن التعاون والتنسيق بين المؤسسات ذات العلاقة لوضع الحلول اللازمة من خلال إجراء المسوحات والاحصائيات لما تعانيه المرأة والاسرة العراقية، بغيته ضمان جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، وجميع الوثائق الدولية التي تقر بمساواة المرأة بالرجل في كل حقوقها. والاخذ بشكل جدي في حل مشاكلها، وتفعيل دورها في المجتمع من خلال إشراكها في صنع القرار السياسي والاجتماعي والنشاط الاقتصادي.

    أجمل وأحر التهاني القلبية الى المرأة العراقية ونساء العالم أجمع، بمناسبة عيدها العالمي. فلنتهز هذه الفرصة وكل المناسبات الاخرى، لنشارك ونحتفل ونعلن فيها تضامننا مع نضلات المرأة والدفاع عن كافة حقوقها المشروعة، وإنهاء كل أشكال العنف والارهاب والقمع والتميز ضد النساء، في آية بقعة من الكرة الارضية.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media