أَدَوَاتُ الدَّوْلَة المَدَنِيَّة![٤]
    الجمعة 24 مارس / أذار 2017 - 21:58
    نزار حيدر
      الدَّولة المدنيَّة تُبنى أَوَّلاً في العقليَّة وطريقة الفهم والاستيعاب والتَّفكير لتنعكس بعد ذلك على المُمارسة اليوميَّة، لأَنَّها دولةٌ؛
       إِنسانيَّةٌ
       وطنيَّةٌ
       عصريَّةٌ
       ولذلك فإِنَّك لا تجدها في العقليَّة المتوحِّشة، العُنفيَّة والإقصائيَّة والمُتطرِّفة والإرهابيَّة، كما لا تجدها في العقليَّة العشائريَّة والأُسَريَّة والعُنصريَّة والطَّائفيَّة والحزبيَّة الضَّيِّقة والأَنانيَّة، فضلاً عن أَنَّك لا تجدها في العقليَّة المُتخلِّفة التي تعيش الماضي وتعتاش على نبش القبور وترفض التطوُّر والأَخذ بعناصر الحاضر والتطلُّع الى المُستقبلِ.

       بالنِّسبةِ الى الصِّفةِ الأُولى؛ الانسانيَّة، فانَّها تتمظهر في العقليَّة والمنهج أَولاً ليلمسها المجتمع على أَرضِ الوقع، فمثلاً؛ يقول أَميرُ المؤمنين (ع) يصف الحاكم الانساني بقولهِِ في عهدهِ الى مالك الأَشتر {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ،يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الاَْمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ}.

       ويقولُ عليه السَّلام يصف الغارات الارهابيَّة الوحشيَّة التي كان ينفِّذها جند طاغية الشَّام الطَّليق ابْنُ الطَّليق مُعاوية بن أَبي سُفيان ابْنُ آكلةِ الأَكباد هند حفيد حمامة صاحبة الرَّاية في الجاهليَّة على أَطرافٍ الدَّولة {وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاُْخْرَى المُعَاهَدَةِ، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً}.

       إَنَّ طريقة التَّعامل الانساني في الدَّولة المدنيَّة لا تقتصِر على المسؤول عندما يكون في الموقع الرَّسمي، أَبداً، وإِنَّما هي ثقافة وسلوك يُغطِّي كلّ مناحي الحياة، ومنها العلاقات الحزبيَّة التي هي النَّواة التي ستنفلق بعد حين لتُنتجَ مسؤولين في الدَّولة، فاذا كانت هذه النَّواة غير إِنسانيَّة في تعاملِها وبنائِها، فكيف يمكنُ أَن ننتظرَ منها نتاجاً إِنسانياً يملأ فراغات مواقع المسؤوليَّة في الدَّولة؟!.

       بالنِّسبةِ الى الصِّفة الثَّانية؛ الوطنيَّة، فهي تتمظَهر في طبيعة العلاقات بين المسؤولين أَنفسهم وبين المسؤول والنَّاس وكذلك فيما بين النَّاسِ أَنفسهم، فاذا كانت العلاقة التي تخصُّ الدَّولة قائمة على أَساس المواطنة فهذا يعني أَنَّها تسير باتِّجاه المدنيَّة بعيداً عن كلِّ أَنواع التَّمييز والعنصريَّة والطّائفيَّة والنَّبش بالخلفيَّة، والعكس هو الصَّحيح!.

       فمثلاً، هل يمكنُ أَن نتخيَّلَ أَنًّ تنظيماً حزبيَّاً يعتمد الولاء الأُسَري والعائلي [الحزب الدِّيمقراطي الكُردستاني بزعامة كاك مسعود بارزاني والمجلس الاسلامي الأَعلى بزعامة السَّيِّد عمَّار الحَكِيم] أَنَّهُ يسعى لبناءِ دولةٍ مدنيَّةٍ؟!.

       أَبداً، لا يمكنُ أَن نتخيَّل أَو ننتظر مِنْهُ ذلك، فالدَّولةُ المدنيَّةُ وطنيَّةً تعتمد المُواطنة حصراً وهي بعيدة كلّ البُعد عن الولاءات غير الوطنيَّة بكلِّ أَشكالِها!.

       أَمّا بالنِّسبةِ الى الصِّفة الثَّالثة؛ فمِن الواضح جدّاً فانَّ أَيَّ شَكلٍ من أَشكال العُنف والتطرُّف والتزمُّت واحتكار الحقيقة والاقصاء لا يُساعدُ في بناءِ الدَّولة المدنيَّة أَبداً، لأَنَّها صفات تخلق أَرضيَّة قلقة غير مُستقرَّة في المجتمع! وبالتَّالي هيَ تبني دولة القُوَّة والبطش وليس قوَّة الدَّولة!.

       إِنَّ ما يدَّعيه الارهابيُّون ويبشِّرون بهِ أَتباعهُم المُضلَّلين الذين غسلوا أَدمغتهم من كونهِم يعملونَ على تأسيسِ [دولة الخِلافة] بالقتل والذَّبح والتَّدمير وانتهاك الأَعراض، كذِبٌ محضٌ، فبشارتهُم تشبه الى حدٍّ بعيدٍ بشارة (البعثيِّين) في بناء [الدَّولة القوميَّة] والتي أَرادَ الطَّاغية الذَّليل صدّام حسين تأسيسها بعقليَّة [العائِلة] من جانبٍ، وبالمقابر الجماعيَّة والأَنفال وحلبچة وحمَلات تنظيف السُّجون والحروب العبثيَّة وغيرِها من جانبٍ آخر! فأَين صفا بها الدَّهر وحلَّ بها المقام يا تُرى؟!.   

       *يتبع

       ٢٤ آذار ٢٠١٧

                           لِلتّواصُل؛

    ‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

    ‏Face Book: Nazar Haidar

    ‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

    (804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media