قمة العبادي - ترامب التاريخية.. النجاح والدلالات
    السبت 25 مارس / أذار 2017 - 09:00
    عبد الحليم الرهيمي
    إعلامي ومحلل سياسي
    أوجز البيان الختامي الذي صدر اثر انتهاء اجتماع قمة العبادي - ترامب التاريخية والوفدين المرافقين لهما عند منتصف ليلة يوم أمس الاول (الاثنين) طبيعة النجاح الكبير الذي حققته ابتداءً زيارة الدكتور العبادي الى واشنطن وكذلك طبيعة العلاقة المتينة والواعدة المستقبلية بين العراق والولايات المتحدة الاميركية، وهو الأمر الذي عبرت عنه الحفاوة الاميركية بالعبادي والوفد المرافق، فقد جاء في مقدمة هذا البيان القول ما يلي: «حرص الرئيس ترامب على استضافة السيد رئيس الوزراء العبادي في البيت الابيض ضمن اوائل رؤساء العالم تثميناً لدور العراق ودعماً للعلاقة الوثيقة التي تربط بين الشعبين الأميركي والعراقي وأهمية العلاقة بين الحكومتين». أختتم البيان في سطره الأخير بالقول: «سيستمر التزام الولايات المتحدة والعراق بشراكة شاملة تعود بالمنفعة لكلا البلدين على مدى السنوات المقبلة».والواقع، لم يكن البيان الختامي هذا المؤشر الوحيد الذي يعكس النجاح الكبير الذي حققته القمة التاريخية بين رئيس وزراء جمهورية العراق الدكتور العبادي ورئيس الولايات المتحدة ترامب، وإنما ايضا، وأساساً، طبيعة وأجواء اجتماع القمة الودية والايجابية والملفات المهمة التي طرحها العبادي والحوار والتفاهم حولها مع رؤية الرئيس ترامب ونظرته للعراق ولأوضاع المنطقة، والتي عرض الاعلام أجزاء مهمة منها، وفي مقدمتها مطالبة العبادي لواشنطن المزيد من الدعم العسكري بمختلف المجالات كي يواصل العراق حربه الظافرة والانتصارات ضد داعش. وكذلك ملف الوضع الداخلي في العراق والسياسة التي تنتهجها حكومته للاصلاح وتحقيق الحكم الرشيد والحرص على العلاقة المتوازنة بين مختلف المكونات الاجتماعية والكتل السياسية.أما الملف الآخر فهو ملف سياسة العراق الخارجية وخاصة مع دول الاقليم وفي مقدمتها ايران والسعودية ودول الخليج الاخرى، فضلا عن تركيا وسوريا والاردن حيث اوضح العبادي عن حرصه على تطوير هذه العلاقات وتجاوز المشاكل الجزئية بينها وبين العراق خدمة للمصالح الستراتيجية الاكبر، والتأكيد على رفض سياسة المحاور واقامة علاقات متوازنة بدلاً عنها. ويبدو ان توضيح هذه السياسة وجدت الترحيب والارتياح من الجانب الاميركي حيث حرص الجانبان على عكسها والتأكيد عليها في البيان الختامي، وفي ملف آخر ركز العبادي على طلب الدعم الاقتصادي والمالي ومضاعفة الشركات الاميركية للعمل والاستثمار في العراق الذي يمر بأزمة مالية وهو يخوض الحرب ضد داعش ويواجه كذلك أزمة النازحين فضلا عن المطالبة بالمساهمة في اعادة اعمار المناطق التي دمرها داعش بعد ان تم تحريرها. وعدا ذلك فقد أكد العبادي للجانب الاميركي والرئيس ترامب على ضرورة تفعيل اتفاقية الاطار الستراتيجي التي وقعت عام 2008 بين العراق والولايات المتحدة والتي يتحمل مسؤولو البلدين في المرحلة الماضية مسؤولية تجميدها، ولذلك لا بد من اعادة الروح اليها الان بكل قوة. ويبدو ان ثمة قضايا مهمة اخرى وحساسة تطرقت اليها القمة ولم يتناولها الاعلام بوضوح، غير ان العبادي عمد الى توضيح بعضها للأميركيين والرأي العام العالمي، من خلال كلمته التي القاها بالمعهد الاميركي للسلام الذي زاره بدعوة منه بعد انتهاء اجتماع القمة مباشرة وكانت ابرز قضيتين تحدث عنهما، فضلا عن قضايا اخرى، هما العلاقة مع ايران في ظل التوتر القائم بينها وبين واشنطن، وكذلك قضية موقف حكومته من الحشد الشعبي ومستقبله بعد انتهاء المعركة ضد داعش والقضاء عليه في العراق. وحول العلاقة مع ايران قال ان علاقة العراق معها كما مع بقية دول الجوار الاقليمي، وأن العراق يقف على الحياد في صراع اي جهة كانت اقليمية او دولية، بل سيستخدم علاقته الايجابية معها ومع خصومها كالسعودية واميركا لترطيب أجواء العلاقات بينهما ويقوم بمساعيه الحميدة على هذا الصعيد ان طلب منه ذلك. اما عن الحشد الشعبي، فقد اشاد بجهوده وتضحياته ودعمه للقوات المسلحة الاخرى في الحرب ضد داعش، وانتقد الحملات التي تشن ضده من بعض القوى في الداخل وبعض دول الاقليم، أما عن مستقبله فقد اكد انه (سيتم مكافأة عناصر الحشد الشعبي وضم الراغبين منهم الى القوات المسلحة العراقية ونزع سلاح من لا يرغب بالانضمام الى الجيش العراقي وان من يستخدم هذا السلاح بعد ذلك سيعتبر خارجاً عن القانون.وهكذا، وخلافاً للضجة المفتعلة والحملة القاسية اللاموضوعية التي شنها دواعش السياسة والاعلام الذين طالما تحدث عنهم العبادي نفسه، حققت الزيارة واجتماع قمة العبادي - ترامب التاريخية نجاحاً كبيراً قبل ان يكتمل برنامج هذه الزيارة. وإذ وصف بعض اولئك دعوة ترامب للعبادي بأنها استدعاء لإملاء الشروط والمواقف، وانه سيواجه امتحاناً صعباً بالاسئلة التي سيوجهها اليه ترامب سقط بعض دواعش الاعلام هم بالامتحان في تناولهم التهريجي واللاموضوعي لهذه الزيارة المهمة للعبادي الى واشنطن، وسقطت عن وجوههم أقنعة الادعاء بالموضوعية ونقل الحقيقة والمهنية والحياد!.
    اخيراً، يمكن القول ان الدلالات التي انطوت عليها زيارة العبادي والوفد المرافق الى واشنطن وعقد لقاء قمة بينه وبين ترامب قد تمثلت بالنجاح الكبير للعراق وللعبادي نفسه، وهو نجاح لا يمكن حتى لخصومه ومعارضيه انكاره لانه نجاح للعراق. لقد فتحت هذه الزيارة صفحة جديدة في العلاقات العراقية الاميركية، وهي تختلف بالطبع عن العلاقة المرتبكة وغير الواضحة التي قامت منذ عام 2003. واذ ستمكن هذه العلاقة الجديدة وآفاقها الواعدة العراق من تجاوز وحل ازماته بالدعم والمساندة الاميركية، فان تطورها وازدهارها مستقبلاً سيمكن العراق من اعادة بناء اقتصاده وبناه التحتية وكل المرافق العمرانية مستفيداً من ذلك الدعم والمساعدة ومن العلاقات الجديدة مع اكبر وأغنى دولة في العالم، وبتطبيق اتفاقية الاطار الستراتيجي بعد تطويرها وسيكون العراق صديقاً وشريكاً أساسياً لأميركا كما يريد ويسعى، وهو ما تريده وتسعى اليه واشنطن ايضاً، كما عبر ترامب نفسه عن ذلك.. وتلك ابلغ الدلالات لما حققته هذه الزيارة التاريخية للولايات المتحدة الاميركية.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media