عن الرحلة الى الوطن ..4 كردستان الى أين ؟.. الى صديقي حكمت ..
    الثلاثاء 25 أبريل / نيسان 2017 - 01:35
    صباح كنجي
    في كردستان التي خبرتها جبلاً .. جبلاً منذ ولادتي.. يتوقف مؤشر الذاكرة.. في محطات زمنية مختلفة مع أحداث عشتها .. ونحن نقترب من سلسلة جبال حمرين ..عبر الطريق المؤدي الى كركوك.. التي زرتها للمرة الاولى في عهد قاسم .. حينما كان ابي يقبع في سجنه الكبير.. محجوزاً بأمر من الزعيم بعد مؤامرة الشواف في الموصل .. مع مشاهد مزمنة ومتواصلة من الفوضى السياسية والتنازعات المستمرة حول المدينة ونفطها..

    رائحة البترول تتداخل مع هوس التعصب القومي .. يستمر الجدل على هوية المدينة دون مراعاة  لموقف ساكنيها .. كردية هي .. أم عربية أو تركمانية ؟!! ..  بعد ان شطبت من هويتها بقية التسميات والغيت .. دون الوصول الى حلول منطقية .. لا احد بمقدوره حسم امرها .. لا جهة قادرة على اعطاء الجواب .. لا احد يفطن انّ في كركوك النفط وحده من يتكلم .. البترول وحده من يقرر هوية المدينة وتبعتها .. و النفط .. كل النفط في العالم مملوك للشركات العابرة للقارات .. لذلك ستبقى المدينة مرتدية هوية نفطها.. هوية البترول المهرب .. المستباح .. وحدهم تجار النفط .. شيوخ  الفساد .. مافيات الفوضى.. بعد أن استحوذوا على مقاليدها بات من يمنحها هوية .. مع استشراء الفساد والفوضى .. في زمن اللصوص .. لصوص السياسة في مقدمتهم ..

    انها قبل ان تعود كردية او تصبح تركمانية أو تبقى في عهد البداوة.. كما يحلم ويصر المتعصبون العروبيون .. باتت مدينة اشباح ومافيات.. مدينة لصوص ومهربين سفلة من .. العرب.. الكرد.. الترك.. الذين يتبعون بذل ما بعده ذل وانحطاط تجار العولمة.. المخترقين لحدود المحافظة المتنازع عليها بعلم ومباركة المتناصفين للسلطة والمال من الحزبين في الاقليم.. الذي تتعالى فيه الصرخات وتتداخل الخطوط .. داعش على الابواب .. حمرين .. الحويجة .. الخلايا النائمة في بقية المدن الكردستانية .. الاسلام السياسي الكردي.. التواجد العلني المكشوف لرموز البعث المقبور في اربيل ودهوك.. فوضى البناء والاعمار المتسع في المدن المتورمة .. الذي اخذ يزحف للسفوح والقمم الجبلية الشاهقة ليذلها ويشوهها محتقراً وجودها وجمالها.. بعد ان تحولت الى منشآت قبيحة المنظر شبيهة بخصاوي مقلوبة الاتجاه ناتئة بعشوائية بين الصخور.. يتراقص معها افعوان بشع هو الطريق الخاص المؤدي للأوكار التي تفوح منها رائحة العفونة والقمار والرذيلة.. بعد ان انغمس المناضلون في مستنقع السلطة.. وتحولوا الى تجار سياسة .. لا يهمهم معاناة آلاف اللاجئين والنازحين.. من سنجار وسهل نينوى ومختلف المدن العراقية  المقهورة .. 

    بين مشاهد العبث .. صفقات السياسة.. التلاعب بالثروة.. مخيمات البؤس.. معاناة النازحين في كردستان واطرافها ثمة فارق طبقي كبير.. فارق اخلاقي اكبر.. يتسع شرخه في كل يوم .. يتطلب التوقف عنده .. ثمة تحولات بنيوية .. سريعة .. خطيرة.. ذات طابع طفيلي تحدث في المكان .. المكان الاجمل في الكون.. كردستان بينابيعها .. جبالها .. رونقها .. سجايا فلاحيها .. قيم ثوارها .. رشاقة نسائها.. كل هذا يتقهقر الآن ويتراجع الى الخلف .. ينسحب من الوجود ليخلي الساحة.. امام هول الزحف الاسود للنفط ومشتقاته بعد اصبح البشر جزء من هذا التكوين الاسود الذي ينتشر كالسرطان في المجتمع والمدمن ويلاحق صخور الجبال حتى قممها .. سرطان ينتشر في ثنايا كردستان المتورمة .. المنتفخة التي يتحكم فيها مافيات وعائلات مدعومة بجاه السلطة والمال والاحزاب المتعفنة .. تنحدر وفقاً لتسلسل الاحداث وقصة المرض من ذات السلالة التي تزاوجت ذات يوم بأصناف من الجن.. مكونة وفقاً لتنظيرات المتعنصرين العرب و الترك والإسلامويون وغيرهم اول لبنة من نسيج كردي بدأ يتوارث الاسماء .. الاديان .. الاماكن .. الثورة وبيارق الكفاح من مشاعل النار في بابا كركر قبل ان يستفحل الداء ويتورم الجسدُ .. كردستان المعبئة بالدخان والبارود .. المضغوطة .. المترهلة بالنازحين والمهجرين .. المنفوخة البطن من جراء توأمين تشوها في احشائها بسبب.. لفط  وشفط المزيد من لحوم الديك الرومي من مزارع السليمانية ودخان الثورة المطفأة في بير مام .. بدلاً من الحليب.. وباتت  ولادتهم عسيرة.. غير ممكنة من دون مبضع جراح ..

    جراح يشرف على حال ولادة يائسة لا ينتظر منها اكثر من انقاذ الام.. بعد أن أدرك ان المشوهين في احشائها لن يكتب لهما النجاة والحياة .. وإن حصلت معجزة .. فانهما في كل الاحوال لا يصلحان للبقاء .. لن يتمكنا من الاستمرار ..  ولن يتقبلهم المجتمع ..

    مع الورم وارهاصات ما قبل الولادة في كردستان توقفت مع العديد من الاصدقاء ممن كانوا ذات يوم يقاسمونني شقاء الكفاح والجوع في الكهوف والمغارات التي اخذت من اعمارنا الكثير .. توقفت معهم في حوارات مطولة لأستجلي ما يمكن ان استجليه من هكذا جهد .. كي افهم كيف يتحول المناضل الى لص ؟!.. والمكافح الى حرامي! .. كيف تتحول الاحزاب الثورية الى وسيلة قمع ؟!.. كيف يتحول القائد الى مستبد ؟! .. والزعيم الى طاغية ؟..

    اسئلة تدور في ذهني وانا اجول بين الناس في المخيمات.. استمع لتفاصيل يرويها النازحون عن معاناتهم وهول ما حدث لهم.. عن تواطئ وخيوط تجمع الدواعش بقادة ميدانيين .. يبيعون السلاح بشكل مفضوح ومكشوف .. عبر خطوط التواصل في نقاط التماس بين الاطراف التي تتنازع في الميدان لتهجر المواطنين وتقتلعهم من اراضيهم ومساكنهم.. ابتداء من محور كركوك حتى اقصى مدينة ومسكن لمواطن من الايزيديين السنجاريين في حدود سوريا.. الذين طالهم الغدر وباتوا حدثاً وحديثاً في مختلف وسائل الاعلام .. وبين مشاهد للدواعش يسرحون ويمرحون هنا وهناك وفقاً لمشيئة المايسترو المستحكم بفاصل العرض ..

    بين مصدق و مصدوم من هول التفاصيل.. عن خيوط الكرد مع لعبة الموت.. واستشراء المرض الذي تكشف معالمه ملامح التورم الخطير في الجسد الكردستاني الشافط للقيح والصديد .. عبر دهاليز  مختبرات التحولات الجارفة للجمال الكرمانجي الأصيل المغتصب .. في صالات عرض مكشوفة  اصبحت مترعاً للسماسرة والقتلة .. يتفاخر وكيلهم ليعلن بوقاحة عاهر سياسي انتهازي من على شاشة فضائية جهاراً .. نهاراً للجميع.. للعالم كله.. انه .. ( السفيه البعثي حسن العلوي ) قد التقى بالأمس في احدى فنادق اربيل معاوناً لـ عزة الدوري ..

    لا تنسوا انها عاصمة الإقليم !!..

    لا تنسوا اننا في كردستان!!..

    كردستان المتورمة .. المنتفخة !!..
     

      صباح كنجي
    منتصف نيسان 2017
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media