الغناء بين الحلال والحرام
    الثلاثاء 25 أبريل / نيسان 2017 - 08:04
    نبيل عبد الأمير الربيعي
    [[article_title_text]]
         ظاهرة الغناء أخذت كصبغة شعبية من حيث الانتشار في العراق والوطن العربي منذ زمنٍ طويل, والبعض يقول منذ زمن العصر العباسي, كانت أحكام الناس النقدية للغناء تؤخذ بعين الاعتبار, فضلاً من قبل المغنين والمغنيات ورواد المجالس, وللأدباء والشعراء الرأي الأرجح في تقييم الغناء والأصوات الحسنة, يقال سئل حكيم عن الفرق ما بين غناء النساء والرجال, فقال : ما خلقت الأغاني إلا للغواني. وقيل : نعيم الدنيا أن تسمع الغناء من فم تشتهي تقبيله.
         قال الجاحظ : كم بين أن تسمع الغناء من فم تشتهي تقبيله وبين أن تسمعه من فم تشتهي أن تصرف بصرك عنه, وأيهما أفلح أن يغنيك فحل ملتف اللحية وشيخ منخلع الأسنان متغضن الوجه, أو تغنيك جارية كطاقة نرجس أو آس(1).
          أما المسألة الشرعية في الغناء أو ما أطلق عليه (الرخصة في الغناء) وهي تسير في ركب الحضارة ونهضتها دون الخروج أو الإخلال بمقومات الشريعة, إذ اعتبر الفُرس الغناء أدباً وعده الروم فلسفة كما ذكر ذلك الجاحظ في رسائله ج2, ص158, لذلك عندما استفتى أبو حنيفة وسفيان الثوري, ما تقولان في الغناء؟ فقالا : ليس من الكبائر ولا من أسوأ الصغائر. وقيل للعتابي فقال : حلال من الفائق, حرام من غير الحاذق, وسئل بعضهم فقال : هو من ارتياح الكرم وامتياح النعم. من قال هو مباح وإلا فليس فيه جناح, قد يعفو الله عما فوقه ويأخذ بما دونه(2).
        وقد ذكر الأصبهاني أن أثر الصحابة بهذا الأمر يشهد بعدم تحريمه, أن الخليفة عمر بن الخطاب مرَّ بدار قوم فسمع ضجة, فقال : ما لأمر؟ فقيل : عرس, فقال : وما يمنعهم أن يخرجوا غرابيلهم (الدفوف) فإنها من أمارة العرس.
         وحضر الشعبي وليمة فقال : كأنكم في نائحة, أين الدف؟. وقد حاول بعض المتزمتين من الفقهاء بحضرة الرشيد أن يفرض آراءه في هذا الشأن, فقال, لابن جامع المغني : الغناء يفطر الصائم. فقال ابن جامع : ما تقول في بيت عمر بن أبي ربيعة : أمن آل نعم أنت غادٍ فمبكر. أيفطر الصائم؟ فقال : لا. فقال ابن جامع : إنما هو أن أمد به صوتي وأحرك به رأسي(3).
          وللغناء اثر لنفوس الناس إذ يقول شوقي ضيف (كأنه نعيمهم في دنياهم)(4), فهم لا يؤثرون سواه لما يبعث في نفوسهم من غبطة وابتهاج, وتذكر المصادر أن الغناء انتقل إلى العراق من الحجاز أواخر عصر بني أمية, إلا أنه انتشر في بغداد بشكل ظاهرة ملحوظة في الأوساط الاجتماعية العباسية منذ أيام تسلم المهدي ابن المنصور لصولجان الخلافة, حيث جذبت بغداد إليها المغنين والمغنيات من كل فج, ونثرت عليهم الأموال نثراً, بل كالتها كيلاً, وأول من كالها من الخلفاء العباسيين المهدي نفسه(5).
         وقد اشتهر من المعنيين في عهد الرشيد من الطبقة الأولى كل من : إبراهيم الموصلي وإسماعيل أبو القاسم وابن جامع وزلزال, ومن الطبقة الثانية : سيلم بن سلام وعمرو الغزال, ومن الطبقة الثالثة : أصحاب المعازف والونج والطنابير(6).
          وضمن الطبقات الأولى للمغنين والملحنين زرياب وقد حقق وإبدع في مجال الغناء والتلحين, إلا أن اسحق الموصلي حال دون ذلك خوفاً من المنافسة واخذ مكانه لدى الخليفة, فهاجر زرياب إلى الأندلس زمن عبد الرحمن الأوسط.
        وقد افرد العلماء والمفكرين المسلمين الوقت الكافي في بعض كتبهم في مجال الموسيقى والغناء, منهم : الكندي والفارابي وابن سينا وابن زيلة, وخصص أخوان الصفا واحدة من أهم رسائلهم, رسالة في الموسيقى لتثبيت العلاقة بين الموسيقى والفكر الرياضي والفلسفي من النواحي المختلفة.
          وقالوا بعض الحكماء : من سمع الغناء, فلم يرتح له كان عديم الحس أو سقيم النفس, وكان حكماء الهند يسمعون المريض الغناء, ويزعمون انه يخفف العلة ويقوي الطبيعة, وبالأصوات الطبيعية ينوّم الطفل, وتحدى الإبل, وتجمع الأسماك في حظائرها, وقالوا الغناء غذاء الأرواح.
          كما يذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني أن من ابرز من اتخذ الغناء لذته واهتمامه الأرأس إبراهيم بن المهدي اخو الرشيد, وأخته عليّة بنت المهدي, كانا من كبار المغنين المجودين, وقد اشتهرت لإبراهيم أصوات كثيرة وكذلك عليّة فقد خلفت فيه ثلاثة وسبعين صوتاً, أي لحناً (7).
     
    المصادر
    1-   الراغب الأصفهاني. محاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعراء. منشورات مكتبة الحياة. بيروت. 1961. ج2.ص718.
    2-   الراغب الأصبهاني. المصدر السابق. ج2. ص715.
    3-   الراغب الأصبهاني. المصدر السابق. ج2.ص715.
    4-   شوقي ضيف. العصر العباسي الأول. منشورات دار المعارف. مصر. ط6. ص59.
    5-   د. خير الله سعيد. مغنيات بغداد في عصر الرشيد وأولاده. منشورات وزارة الثقافة السورية. دمشق. 1991م. ص39.
    6-   الجاحظ. التاج في اختلاف الملوك. تحقيق احمد زكي باشا. القاهرة. 1914م/ 1332هـ, ص37/38.
    7-   أبو الفرج الأصفهاني. الأغاني. طبعة دار الكتب المصرية . ط1. 1927م/ 1345هـ. ج10. ص174.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media