مقامات الأربعاء (4)!!
    الأربعاء 26 أبريل / نيسان 2017 - 02:24
    د. صادق السامرائي
    المقامة الرابعة:

    حدثنا يحيى بن حيان وقال: " إذا جاءت الأقدار عميت الأبصار" , وإستمعوا إلى قصة نصر إبن سيار مع بني أمية ومنتهى المصار.
    كان نصر بن سيار عامل مروان آخر خلفاء بني أمية على خراسان , وقد ظهرت الدعوة العباسية بقيادة أبو مسلم الخراساني وتنامت.
    فأخذ نصر بن سيار يكاتب مروان ويكشف له عن أصحاب الدعوة العباسية , ويدعو لحسم الأمر بالقوة , وقد كتب رسائله الشعرية المحذرة فهو يقول:

    "أرى بين الرماد وميض نارٍ
    ويوشك أن يكون لها ضرامُ
    ...
    أقول من التعجب ليت شعري
    أ أيقاظ أميّةُ أم نيامُ
    ففِري عن رحالك ثم قولي
    على الإسلامِ والعربِ السلامُ"

    وقد وصف القائمين على الدعوة بقوله:
    "مَن كان يسألني عن دينهم
    فأنّ دينهم أن يهلك العربُ
    قومٌ يقولون قولا ما سمعتُ به
    عن النبي ولا جاءت به الكتبُ"

    وما سمعه أحد , وتواصل مع عامل مروان على العراق مستنجدا , ولا جواب , فخرج من خراسان وكتب لمروان :
    "......
    كنا نرقبها وقد مُزّقت
    واتسع الخرق على الراقع
    كالثوب إذا أنهجَ فيه البِلى
    أعيا على ذي الحيلةِ الصانعِ"

    وتلك حكاية إنهيار إمبراطورية بسرعة متواترة , وبروز أخرى على أشلائها متظافرة , ونحو إبادتها متنافرة , وكانت القوة بيد المهزوم حاضرة , لكنها الغفلة وموت الحذر وفوز القدر.
    وأذكركم بهذه الآية "إذا قضى أمرا فإنما يقولُ له كن فيكون" البقرة: 117

    وبقول أمية بن أبي الصلت:
    "تجري الأمور على وفق القضاء وفي
    طيَّ الحوادث محبوب ومكروهُ
    فربما سرّني ما كنت أحذرهُ
    وربما ساءني ما كنت أرجوهُ"

    وهكذا فإذا حلّ القدر عمي البصر , ولو حذّرت كما حذّر نصر بن سيار ألف مرة ومرة.
    وتلك حكاية الخلق في الدنيا , وتلك الأيام نداولها بين الناس , ويوم لك ويوم عليك , ولا ينفع التنبيه من الخطر.
    ففي الأمم نابهون وعارفون ومتيقظون ومستشرفون , لكن القوة العمياء تنال مصيرها , وتهلك وتُهلك بما فيها من نوازع فناء وإنتهاء.

    والأمم تدوس على موسوعات علومها وحِكَمِها وقوانين وجودها الأصيل فينالها السوء بما كسبت يداها!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media