هل بدأ خريف الإسلام السياسي ؟؟
    الخميس 27 أبريل / نيسان 2017 - 18:30
    د. مهند البراك
    فيما تتواصل انتصارات الجيش و الحشد و البيشمركة بأسناد فعّال من التحالف الدولي، على داعش الإجرامية، تتزايد التدخلات الخارجية، و يتزايد ضعف الدولة التي لاتستطيع إجلاء العسكر التركي من اراضيها و التي يتزايد بزمانها التدخل و النشاط الايراني علناً في البلاد، اضافة الى تواصل و تزايد نشاط الميليشيات الطائفية المتنوعة .  . 
    في اوقات تزداد فيها الأزمة الإقتصادية و المعيشية عمقاً و سعة و تتزايد اعداد النازحين العراقيين في بلادهم بسبب الإرهاب و استمرار السياسات الطائفية المسندة بالمحاصصة و بالفساد و النهب، خالقة ازمات حياتية متواصلة .  .  ازمات خلقت مواجهتها، تفاعل و تزايد تقارب و تضامن الجماهير الشعبية من كل مكونات الطيف العراقي ، القومي و الديني و الطائفي، من اجل حقّها بالحياة و بالعيش بسلام و امان.
    حتى اندلعت تظاهرات الرفض و الإحتجاج السلمية المتنوعة، التي تتصاعد رغم مواجهة التظاهرات الاولى زمن حكومة المالكي عام 2011 بالرصاص الحي في رابعة النهار و سقوط قتلى و جرحى جرّائها، و التي تواصلت و تتواصل و تتزايد منذ ان لم تعد الحكومة قادرة على الإستمرار بسكوتها عن الفساد و المحاصصة، و اعلنت عن بدئها بالإصلاح .  .
    حيث تصاعدت الاحتجاجات و الرفض منذ مايقارب السنتين بدءاً بالإحتجاج على ازمة الكهرباء و على صرف رواتب و مخصصات عمال مشاريع التمويل الذاتي، خاصة في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية، لتتصاعد ايضاً بسبب عدم تحقيق حلول لتلك الأزمات و تصل الى التظاهرات السلمية الهاتفة " باسم الدين باكونا الحرامية " التي شملت البلاد اواخر 2015 ، و التي ووجهت بأنواع القمع الذي لم يستطع ايقافها، بل و وصلت حد اجتياز اسوار المنطقة الخضراء الحصينة الحاكمة.
        لقد سجّلت الحراكات الجماهيرية في المدن و المحافظات المتنوعة و مطالباتها الفعلية بالحياة و الخبز و الأمن، سجّلت مشاركة كل المكونات العراقية بعيداً عن الطائفية و الإنتماء الديني و القومي، و اثبتت، تزايد وعي الجماهير باوليات و مفاهيم العمل السياسي و المطلبي، التي غيّبتها دكتاتورية صدّام بالحديد و النار و التعذيب و عقوبات الموت، و التي استمّر تغييبها بالمحاصصة و الحكم من خلال كتل متنفذة طائفية شيعيّة و سنيّة .  .  و اثبتت و تثبت ان الجميع يحترمون الأديان و لكن لايحترمون المتاجرين بها، الذين تستّروا بالطائفة و الدين لتحقيق و زيادة منافعهم الأنانية !!
        في اجواء شهدت فيها المنطقة فشل مشاريع الحكومات الإسلامية كبديل للدكتاتوريات العربية الحاكمة فيما جرى تسميته بـ ( الربيع العربي )، كما جرى في تونس و مصر .  . او ضياع السلطة و تحوّل الهبّات الجماهيرية الى صراع ضد الإرهاب المتأسلم (المتستر بستار الدين)، كما في ليبيا و سوريا و العراق، و بظهور داعش الإرهابية و اخواتها .  .  حتى اخذت (دولة داعش) تذوق الموت تحت ضربات القوات العراقية الإتحادية كما مرّ .
        و حتى هيمنت شعارات المطالبة بـ " الدولة المدنية " و اعتماد " المواطنة بدل المحاصصة " ، على الحراكات الجماهيرية السلمية في بلادنا التي ينشط فيها التيار المدني الديمقراطي بفصائله التقدمية و اليسارية المتنوعة و التيار الإسلامي الصدري، اضافة الى انواع التجمعات المتزايدة للمستقلين و اللامنتمين .  .  
        الأمر الذي اخذ يستفزّ قادة الكتل الطائفية، خاصة و انهم يستعدون للاعمال التحضيرية للانتخابات التشريعية القادمة، فأخذوا يبحثون عن مبررات لرفض الجماهير الشعبية لهم في المحافظات ذات الغالبية الشيعية، المحافظات التي رفضت زياراتهم و فعالياتهم فيها كما حدث في البصرة و الناصرية (ذي قار ) و الكوت و الديوانية (القادسية)، و وصل الرفض الى رفض طلبة جامعة القادسية زيارة السيد الخزعلي آمر ميليشيا عصائب الحق مدججاً بمرافقيه الشاكي السلاح حتى الاسنان، الذين اعتدوا على الطلبة بالضرب و تسببوا بسقوط جرحى جروحاً بليغة، اثر هتافاتهم الرافضة للزيارة و للتدخلات الإيرانية .  . و ادىّ الأمر الى فصل عدد من الطلبة اللامنتمين بسبب هتافاتهم .  .
        و تطور الأمر الى القاء قنابل على مقر الحزب الشيوعي في الديوانية، الذي تشير مصادر محايدة متنوعة بانها القيت من محسوبين على العصائب اثر اتهامهم بأن الذين هتفوا ضد الخزعلي عند زيارته الجامعة كانوا بتحريك من طالب شيوعي، حسب ادّعائهم.
    و ترى اوساط واسعة، ان محاولات القاء الذنب على الحزب الشيوعي، هي من محاولتهم ايجاد مبررات لرفض الجماهير الشعبية لهم في المحافظات، باعتباره المكوّن الأكثر نظافة في العملية السياسية بشهادة حتى ممثلي كتل معادية او منافسة له و اصطلحوا على تسمية ممثليه بـ (اصحاب الايادي البيضاء )، و لكونه من الناشطين البارزين في الحراكات الشعبية و المدنية السلمية، و تصور ناشطين في العصائب المتطرفة المؤيدة للمالكي و المدعومة من ايران (و غيرهم من المتطرفين)، تصورهم استسهال اتهامه بالعداء للدين و للطوائف، بمحاولات العودة الى الاسطوانة المشروخة ذاتها التي استخدمها العهد السعيدي البائد و انقلابيي شباط الأسود عام 1963 ضده .  .
    ناسين نظرة المجتمع للحزب الشيوعي بكونه من الاكثر تضحية و كونه الرائد في عبوره للطوائف من جهة، و ناسين ان الرفض لهم نابع من تزايد معاناة اوسع الجماهير الشعبية من حياتها المهددة في ظل حكومة المحاصصة الطائفية التي يقودوها من جهة اخرى، في وقت لم يعد ينفع فيه انكبابهم على تغيير الماكياجات و الخطابات لتكون بصيغ و اسماء مدنية مفتعلة، لتصوير كونها ليست طائفية.  
        و بضوء ذلك و غيره الكثير، اضافة الى الخلافات المتواصلة بين اطراف التحالف الوطني الشيعي الحاكم التي لم تعد مستورة، يرى خبراء و سياسيون مقررون، ان الحكم الطائفي التحاصصي يمكن ان لايكون مقبولاً، في بلاد تخرّب الكثير من مرافقها الاساسية للحياة الطبيعية بسبب عدم أهلية حكّامها، و هي على اعتاب الخروج من حرب مدمّرة ضد الإرهاب، بإسناد تحالف دولي عريض  .  .
        بلاد تحتاج بشكل عاجل تجفيف منابع الإرهاب و الإرهابيين، بتوفير حياة بشرية مقبولة مستقرة في سلام و أمان من سكن و مأكل و ملبس و غيره، و توفير السعي العاجل للبدء بالتثقيف المدني بالتعايش و قبول الآخر، و غيرها الكثير من الحاجات التي تحتاج معونات دول العالم للنهوض بها الآن، والاّ تتواصل داعش و تنشأ جديدة اخرى .  .  و دول العالم تتطلع الى سيادة حكم نزيه في البلاد يفي بوعوده و يسدد ديونه و يوفّر الأمان لفرق انقاذه القادمة، و يحمي مشاريعه .  .

    25 / 4 / 2017 ، مهند البراك
    ahmedlada@gmx.net    
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media