هل يستبدل ترمب العبادي بصقر يرهب به الشعب العراقي؟
    الخميس 27 أبريل / نيسان 2017 - 18:41
    صائب خليل
    يبدو رئيس الوزراء حيدر العبادي كشخص هادئ لا يستثير كراهية أحد، لكننا حين نحسب الأمر بهدوء، سنجد بسهولة أنه قدم خلال فترة حكمه القصيرة للأمريكان من المساعدة على تنفيذ مهمتهم في تدمير العراق، ما لم يقدمه أحد قبله إلا صدام حسين نفسه!
    لسنا في هذا المقالة بصدد تعداد كوارث حكم العبادي على العراق، لكن لا مفر من إشارة سريعة اليها من اجل المشككين، قبل ان ننتقل إلى موضوع عنوان المقالة:
    لقد أعاد الجنود الأمريكان الى العراق، تجاهل ضربهم للقوات العراقية والحشد الشعبي وأنكر مساعدتهم لداعش، جاء بمشروع "الحرس الوطني" (الذي لم يوفق)، منع الحشد الشعبي حيث استطاع من مهاجمة داعش ووضع على رئاسة هيئته أحد المشبوهين المقربين من السفارة الأمريكية، قدم لتوابع الأمريكان والإسرائيليين في كردستان كل التنازلات الممكنة من نفط وسيادة واراض عراقية، ضاعف عطايا الحكومة الأردنية المعادية للشعب العراقي، وقع عقود قروض خطيرة، يوقع اليوم عقود حماية الطرق مع شركات امنية أمريكية، وهو من أخطر المؤامرات على استقلال البلاد، وسيكون موضوع المقالة القادمة.
    لا غرابة في كل ذلك، فهم الذين جاءوا به من المجهول ليرفعوه إلى منصب بعيد كل البعد عن طاقاته واستحقاقاته، ومن الطبيعي أن يقدم لهم ثمن ذلك، لكن هل هو سعيد بمهمته؟ هل كان يدرك ان ما سيطلب منه من ثمن سيكون بهذا الحجم وبكل تلك المهانة والخطورة؟ هل هو متورط أم ان كل شيء يسير كما هو متفق عليه؟
    من خلال مراقبتي لتصرفات العبادي وسلوكه احيانا ضد بعض الأعراف الاجتماعية والدبلوماسية، مثل تكرار عدم نظره في عين من يحدثه في لقاءاته بالمسؤولين الأمريكان، وهو أمر مرفوض ادبياً، لأنه مؤشر معروف على عدم ارتياح الشخص للمقابل. لذلك ورغم الفوارق في التقاليد التي قد تفسر او تخفف استنتاجاتنا، أميل للاعتقاد بأنه غير سعيد بهذا الدور.
    ألم يكن يعلم مسبقا بما ينتظره؟ لا شك انه من الغباء ان لا يدرك انه بتورطه مع الاحتلال، يكون قد سلم أمره بيده، وأن لا سبيل للتراجع. ولكن هذا الغباء ليس بعيدا عن العبادي كما عرفه رفاقه القدامى وقالوه علنا في تسجيل فيديو مازال متوفراً. والغباء هنا ليس تهمة بل العكس. فالبلادة هي التهمة الوحيدة التي قد تخفف الذنب الأخلاقي الهائل للتدمير الذي تسبب به هذا الرجل لبلاده وشعبه. لأنه إن كان مدركا منذ البداية للتدمير المطلوب منه، فهو يستحق الإعدام مئات المرات على فعلته.
     
    هل سيبقي الأمريكان هذا الرجل طويلا في منصبه؟ هل هو الأنسب لهم أم أن له مرحلة تنتهي ليؤتى بغيره؟
    لو رجعنا بضعة سنين الى الخلف، لرأينا أننا كنا نتمنى زوال المالكي لكثرة ما تنازل للأمريكان وذيولهم الكرد والأردنيين، واحتال على شعبه، وأضاع ثروته وفرصه، ولم نتخيل ان يمكن ان يأتي من هو أكثر سوءاً منه في تحطيم البلاد. لكن الأمريكان كانوا أبرع منا كثيراً، فوجدوا من يمكن ان يدفع بمخططهم اضعاف السرعة التي يقبل بها المالكي. فإن كان الأول يقول "لا" بين الحين والآخر، فيبدو أن هذا الأخير لا يعرف هذه الكلمة.

    ولأننا خدعنا في المرة الأولى بسبب محدودية خيالنا، نخشى ان نكرر ذات الخطأ ونتصور ان العبادي هو أسوأ ما يمكن ان يوضع على قيادة العراق من كوارث. فهل العلاقة مستمرة وطيبة بين الأمريكان وذيلهم الأخير، ام هناك مفاجآت أسوأ تنتظرنا؟
    طبيعي ان الأمريكان سعداء بمن يخفض عينه امامهم ومرتاحون إلى ضعف العبادي ومذلته وانعدام قدرته حتى على تأخير تنفيذ اوامرهم، حتى عندما يرى انها ليست في صالح بلده وشعبه ولا حتى في صالحه الشخصي. لكنهم يفضلون بلا شك على هذا الخادم المطيع خوفا وضعفاً، خادم يؤمن بمشاريعهم ويبادر اليها بشوق، فلا يحتاجون الى مراقبته وادامة الرعب في رأسه. شخص فيه أيضا من السادية ما يجعله يتمتع بالعنف اللازم لتنفيذ المآسي المطلوبة، وليس شخصاً ينفذها بصمت بسبب الخوف. شخص مثل أياد علاوي مثلا، على ان يكون أكثر شبابا وحيويةً. شخص مثل السيسي الذي جاءوا به خلفاً لمبارك، الذي لم يكن المصريون يتخيلون ان هناك شخصاً يمكن ان ينافسه سوءاً وطاعة في تدمير بلادهم وكرامتهم. كانوا مثلنا مخطئين.

    لا شك ان الامريكان يراقبون كل صغيرة وكبيرة في تحركات ومشاعر ذيولهم. ولا شك انهم يعرفون إمكانيات كل منهم. وفي تصوري أن ردود فعل وجه وعيون العبادي ليست في صالحه ولن تساعده في استمراره في منصبه. وأن ذلك لا يتعلق بما سيقدمه لهم.
    سبب آخر لاعتقادي بأن زوال العبادي قريب، هو التغير الكبير في استراتيجية الابتزاز الأمريكي للعالم بشكل عام. فمن التظاهر باللطف والضرب المخفي في نفس الوقت، إلى استراتيجية القبح المكشوف الهادف إلى إثارة الرعب في المقابل. الأولى تناسب التقدم التدريجي الهادي وقرض الأرض، اما الثانية فتعتمد السرعة والهجوم الصادم المتحدي الذي يترك فريسته مشلولة الحركة.
    أمثال العبادي مناسبين جداً، بما في وجوههم وحركاتهم من سذاجة واستسلام تجعل من الصعب على المرء أن يكرههم، للمرحلة السابقة التي كانت أميركا تتظاهر فيها بالديمقراطية وحب السلام، ويجب ان يتم فيها تآكل السيادة والثروات بهدوء لا يثير الضحية، تحضيراً للضربة النهائية. أما عندما تحين الضربة وتكشف الحقائق، فمن الأفضل أن يكون لمن وضعته اميركا كامتداد لها للسيطرة على شعبه، أن يكون وجهاً للإرهاب والتحدي ليثير الرعب في الناس. وفي هذه الحالة فأن مثل العبادي ليس أفضل الخيارات بلا شك.

    إن كان هذا ما يدور في أذهان ترامب ومن يقف خلفه اليوم، فما هو شكل المتوقع القادم؟ وهل سيسارعون بإزاحة العبادي أم يعطوه بعض الوقت؟ لا شيء أكيد بالطبع، إلا انني أتصور ان الوقت المناسب لإزاحته قد يكون في "الانتخابات" القادمة. لكن الفترة التي قبلها لن تكون فترة راحة له إن كان الهدف ازاحته بالفعل. فهم يسعون إلى اقصى استفادة ممكنة من اوراقهم المحروقة قبل القائها في المزبلة. فكل مشروع "محرج" يقوم به العبادي اليوم، سيخفف من ثقل المهمات التي يجب ان تلقى على الوكيل التالي الذي سيعينونه لحكم الشعب العراقي. لذلك فإن كانت هذه هي الخطة، فإن الضغط في تقديري سيشتد على العبادي لتوقيع اتفاقات مدمرة ومخلة بالشرف أكثر وأكثر في الفترة القادمة. فسوف يكون أسهل ان يبدو الوكيل القادم، وكأنه ينفذ اتفاقات لم يوقعها بنفسه، لكنه ملزم بها لأنه وجدها امامه، من ان ترتبط تلك الاتفاقات باسمه، تماما كما حدث لحسني مبارك والسادات. وهكذا سيتمكن من جعلها منطلقاً إلى ما هو أصعب وأسوأ لهذا البلد، وأقسى على شعبه.
    إنه سيناريو متشائم بلا شك، ويفترض أن تعيين الرئيس بيد الأمريكان تماما. لكني اذكركم بأن احداً لم ينتخب رئيس حكومتنا الحالي، بل لم يكن الكثيرين قد سمعوا باسمه! من اختاره هم الأمريكان! وقد نسقوا مع ساسة كردستان والمعتمدين لديهم في قيادات المجلس الأعلى وبعض القادة هنا وهناك. هذه هي الحقيقة الخطيرة. والحقيقة الأخطر منها هي ان الشعب لم يعتبر تلك قضية كبيرة. بل ان معظم الناس كانت سعيدة بتخلصها من المالكي، حتى لو كان ذلك بالضرب تحت الحزام وبتحطيم كل تأثير شعبي في انتخاب قادة البلد. وليس العراقيون وحدهم في هذا الخلل في الأمانة وفي الإدراك، فقد تكررت ذات القصة بالضبط في مصر، بتخلصهم من الاخوان المسلمين واستقبالهم رجل إسرائيل الواضح عبد الفتاح السيسي الذي اقام لأعدائهم الفائزين بالانتخابات، مذبحة لم تشهد مصر مثلها من قبل، وأعاد السلطة إلى إسرائيل ورجالها الفاسدون السابقون، دون ان يحتج أحد سوى الضحايا. لم يحتج أحد على ذبح الديمقراطية التي كانوا يحتفلون بها كأغلى ما حققوه بانتفاضتهم، مادام ذبحها يحقق لهم التخلص من خصومهم.
    وبنفس الطريقة لم يحتج على إزاحة المالكي المكروه سواه، ولم يحتج أحد على ذبح الديمقراطية التي تم تحقيق ذلك به. وبنفس الطريقة ايضاً فإننا لا نتوقع أن يحتج أحد إن قرر ترامب، بالتعاون مع خلاياه النائمة في الخضراء والمستيقظة دائما في كردستان والمجلس الأعلى، استبدال ممثلهم في رئاسة العراق، بما يناسب الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في عهد ترمب. وسيضرب هذا بقبضته على الطاولة متحدياً من يعترض عليه وهو يبيع البلاد علناً، ثم يقيم مذبحة للمعترضين وسط صمت البعض وفرح البعض الآخر. عندها ربما سنهز رؤوسنا ثانية ونقول: "لم نتخيل ان يأتينا من هو أسوأ من العبادي، خلف الله عليه".. ثم نراقب وننتظر الكوارث من الجديد، وقد نختلس النظر إلى عيونه وهو يقابل اسياده لنستشف منها ما ينتظرنا.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media