العبادي يربط مصالح الشركات الأمريكية بإدامة الإرهاب في العراق
    الجمعة 28 أبريل / نيسان 2017 - 20:20
    صائب خليل
    تعاقد العبادي مع شركات امنية أمريكية لحماية الطرق الخارجية الغربية، ربما يكون الخطوة الأكثر خطورة التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي منذ جاء على ظهر تهديد امريكي وبضغط كردستاني شديد، من وراء الكواليس إلى رئاسة الحكومة مباشرة.
    ورغم أن تاريخ الرجل القصير في رئاسة الحكومة، مليء بالتنازلات والتراجعات غير المسبوقة أمام اميركا وكردستان وتسليمه للكثير جدا من الثروات والصلاحيات والسيادة العراقية لهما، واعادته مسيرة الاستقلال الجزئي إلى مربعها الأول بإعادة الجنود الأمريكان وبأعداد غير معروفة وتغاضيه عن قصفهم للجيش والحشد والقائهم المساعدات لداعش، وتوقيعه عقود قروض سرية مع أكثر المؤسسات المالية سوءاً للسمعة في العالم، وخطرا على مستقبل البلاد، فأن الخطوة الأخيرة تعد تطوراً نوعياً خطيراً على البلاد، للأسباب التي سنذكرها.

    علينا قبل كل شيء ان نوضح مبدأ "تضارب المصالح"، والذي تقر على اساسه القوانين في مختلف بلدان العالم، ومنها أميركا ذاتها، لخطر ذلك التضارب على مصلحة البلاد. فمثلا ليس من الصحيح أن يكون رئيس البلاد مالكا لأسهم في شركة معينة لأنه قد يستخدم صلاحياته لمنح تلك الشركة بشكل مباشر او غير مباشر، عقوداً مربحة للشركة ومضرة بالبلاد. وإن كان هذا الرئيس أو بعض مستشاريه يمتلكون أسهما في شركة أسلحة، فمن المحتمل ان يميل إلى إعلان الحرب بشكل واع متعمد أو غير واع، دون ضرورة لذلك. وإن كان وزير النفط في دولة ما يمتلك شركة نفطية او أسهما في شركة، فربما يعطي شركته امتيازات وعقودا في غير صالح البلد، وكذلك ان امتلك وزير التعليم مدارس خاصة.. الخ.
    بشكل عام، فان كل شركة رأسمالية، هي مشروع محتمل لحالة "تضارب مصالح" مع الشعب. وكلما كانت الشركة كبيرة وثرية، وكلما كان الفساد قويا والحكومة ضعيفة يكون التأثير اشد وانتشار تضارب المصالح أكبر وأكثر ضرراً.
    حيثما تكون "مصائب قوم عند قوم فوائد"، سيكون هناك "تضارب مصالح" وسيكون هناك فرصة لفساد وتدمير متعمد. لا شيء كان أكثر دمارا للبشرية من الحرب العالمية الثانية، لكن ليس كل "البشرية"!
    ففي السنوات الثلاثة التي دخلت فيها اميركا تلك الحرب، أي بين 1942 و1945، ازدادت أرباح أكبر 2000 شركة أمريكية بمقدار 40% عن السنوات الخمسة التي سبقت الحرب! بعض الشركات تضاعفت أرباحها ثلاث مرات، فارتفعت المبيعات السنوية لشركة "آي بي إم” خلال فترة الحرب من 46 مليون دولار إلى 140 مليون!(1)

    إذن، فما يعني "الموت والدمار" للبشرية، يعني الازدهار لشركات السلاح والتكنولوجيا وغيرها! ولا يوجد سبب يجعلنا نعتقد ان تلك الشركات ستهتم بحياة الناس أكثر من أرباحها، والتاريخ يؤكد العكس تماما.
    ولا يقتصر الأمر على هذا، بل ان هذه الأرباح التي جاءت على حساب دماء الناس، حولت الشركات إلى غيلان عملاقة أكثر قدرة على تسيير الأمور وفق مصالحها مهما كان تأثيرها على الناس. وقد أدرك الرئيس ايزنهاور هذه الحقيقة وهو يراقب تغول شركات السلاح في بلاده وسيطرتها عليها، فودع شعبه الأمريكي بخطاب تحذيري قلق، فقال:
    "لقد اجبرتنا الظروف ان نقيم صناعة تسليح دائمة وبمقاييس هائلة. ... إن هذا المركب المكون من المؤسسات العسكرية العملاقة والصناعة التسليحية الضخمة، عامل جديد في التجربة الأمريكية. إن تأثيره الكلي.. الاقتصادي والسياسي وحتى النفسي، ملحوظ في كل مدينة وكل مكتب من مكاتب الحكومة الاتحادية. 
    إننا نقدر الحاجة إلى هذا التطور الذي لا مفر منه، لكننا يجب ان لا نفشل في إدراك التداعيات الخطيرة جدا لوجوده. فكل جهودنا وثرواتنا وحياتنا تتأثر به وحتى كذلك أعمق اسس مجتمعنا.
    علينا أن نحترس جيدا من تمكن المؤسسة التصنيعية العسكرية من فرض تأثيرها غير المناسب، (على السلطة والقرارات)، سواء كان ذلك التأثير مقصودا أو تحصيل حاصل. إن إمكانية الزيادة المدمرة للسلطة التي في غير محلها، موجود وسوف يبقى.
    يجب ان لا نسمح ابداً لثقل هذه المؤسسة ان يهدد حريتنا او تطور ديمقراطيتنا. ولا شيء مضمون!" (2) (3)

    وبالفعل، اثبت التاريخ أن قلق أيزنهاور كان في محله تماماً. فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تم اختراع "الحرب الباردة" لتبرير العقود الضخمة التي كانت تستنزف ثروات الناس، لتحويلها الى أسلحة، عدا دماء الحروب المتناثرة في كل انحاء الكوكب، بحجة حماية اميركا من الاتحاد السوفيتي والشيوعية.
    وقد أدرك الراسخون في العلم سر القضية و "الاخطار" المتتالية، فكتب الخبير الاستراتيجي المختص في الحرب الباردة جورج كينان: «لو انهار الاتحاد السوفيتي غدا في مياه المحيط فإن التحالف الصناعي والعسكري الأمريكي سيظل قائما وموجودا، من دون أن يطرأ عليه أي تغيير إلى أن يتم إيجاد خصم أو عدو جديد»(4)

    وبالفعل، ما ان انهار الاتحاد السوفيتي، حتى تم اختراع "الإرهاب" الذي ما نزال نعيش مرحلته الدامية والمدمرة، والتي هي ليست سوى امتداد لسلسلة "تضارب المصالح" مع الشركات العملاقة، منذ الحرب العالمية الثانية، بل وقبلها بكثير أيضاً.
    والحقيقة اننا "محظوظون" باقتصار تلك الخسائر على ما وصلت اليه، فقد كان ممكنا جداً أن ينهي "تضارب المصالح" هذا حياة البشر تماما، بل الحياة كلها على الأرض، بحرب نووية، وصلت إلى حافة الانطلاق مرات عديدة خلال نصف قرن، ومازال الخطر قائما.
    إذن فالعالم الرأسمالي بالذات، مليء باحتمالات تضارب المصالح، ومليء بالقوى المتناقضة الكبيرة التي تجعل من ذلك التضارب خطراً كبيراً يجب حسابه في كل حركة وكل تغيير وكل عقد يتم توقيعه.
    والآن، وعلى ضوء ما رأيناه من تأثير لتضارب المصالح، دعونا نعود إلى موضوعنا الأصلي: قرار العبادي بتسليم امن الطرق الخارجية الغربية إلى الشركات الأمنية الأمريكية، ونفحص التداعيات المحتملة لهذا القرار على ضوء تلك المعرفة. ولنتساءل كيف ستكون مصالح الشركات الأمنية الأمريكية التي ستحمي الطرقات العراقية؟
    من الواضح أن استمرار عقود وارباح تلك الشركات، وربما وجودها كله، سيعتمد على بقاء الإرهاب وبقاء داعش قوية بشكل يبرر استمرار توقيع العراق العقود معها! ومما لا شك فيه، وفي الوضع العراقي المهترئ، فأن تلك الشركات، بعلاقاتها الأمريكية وقوتها الكبيرة، قادرة على ان تحمي مصالحها بالحفاظ على التهديد الذي يضمن بقاءها. وهنا نرى بوضوح، أنه حتى إن لم تكن داعش صنيعة أمريكية إسرائيلية، فأن هذا العقد، يجعل منها شريكة في المصالح مع الشركات الأمنية الأمريكية، ويربطهما "صراع البقاء" مع العراق والشعب العراقي!
    وستدرك الشركات الأمنية هذه الحقيقة بأسرع مما يدركها الشعب العراقي بالتأكيد، إن لم تكن مدركة لها مسبقاً. وستعمل هذه الشركات بالتالي ليس فقط على إبقاء داعش والإرهاب، وإنما أيضا ستعمل على بقاء الحكومة العراقية مترهلة ضعيفة ينخرها الفساد. لأن هذه هي الظروف الأنسب لحياة تلك الشركات، وهذه هي جنتها الحقيقية!
    انقسم ساسة العراق حول الأمر. وبينما اعترض عليها البعض بوضوح، فإن ذلك الاعتراض لم يكن له الصدى الذي يستحقه وبقي خامداً. بل ان الذيل الأمريكي المعروف "احمد أبو ريشة" كان من الإسفاف أن طالب بنفسه بتوقيع العقود مع الشركات الأمريكية الأمنية دون ان يهتم بما يعنيه ذلك بالنسبة للعراق!!
    سنعود للكتابة بتفصيل أكثر عن هذا الموضوع، لكننا نكتفي الآن بالقول بأن كل واحد ممن جاء بهم الأمريكان لحكم العراق، من أياد علاوي وحتى العبادي، قد ورط البلاد في المزيد والمزيد، واغرقها في الرمال والحفر الأمريكية المختلفة التي لا يسهل الخروج منها، إلا أن هذه الورطة التي تتم بصمت كبير، قد تكون الورطة الأكثر دماراً على مستقبل البلاد، بربط مصالح الإرهاب والشركات الأمريكية ومصائرها، وتوحيدها بوجه العراق ومستقبل شعبه. لقد رأينا ان الشركات لا تتردد في إدخال بلادها ذاتها في الحروب المدمرة من اجل أرباحها، بل انها تخاطر بإنهاء الحياة ذاتها على سطح الأرض، فيمكننا أن نتخيل ما يمكن ان تفعله تلك الشركات بدولة اجنبية صغيرة من دول العالم الثالث لا حول لها كالعراق، حين تتطلب مصلحتها ذلك!
    فهل يدرك المخلصون في العراق ما تخفيه عقود ساستهم مع اسيادهم من كوارث على بلادهم ومستقبل اولادهم، وهل يتحركون لوقفها قبل فوات الأوان؟

    (1) Why America Needs War
    http://www.globalresearch.ca/why-america-needs-war/5328631
    (2) Eisenhower warns us of the military industrial complex. - YouTube
    https://www.youtube.com/watch?v=8y06NSBBRtY
    (3) Military-Industrial Complex Speech, Dwight D. Eisenhower, 1961
    http://coursesa.matrix.msu.edu/~hst306/documents/indust.html
    (4) دوايت ايزنهاور: احذروا مخاطر لوبي الصناعات العسكرية على السياسة الأمريكية
    http://www.akhbar-alkhaleej.com/12161/article_touch/451364.html
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media