الجهل بالوطن جلاّبٌ للمِحن!!
    السبت 29 أبريل / نيسان 2017 - 03:03
    د. صادق السامرائي
    الآخرون يعرفوننا أكثر مما نعرف أنفسنا وأوطاننا وتأريخنا وحضاراتنا وما فينا من الطاقات والقدرات وما عندنا من الثروات , فهم الذين أدلونا على آثارنا , ولا يوجد منّا واحد أدّلَ الدنيا على حضاراتنا , أو أسهم في إكتشافها.
    ففي مصر على سبيل المثال, جميع الآثار مُكتشفة من قبل الألمان والفرنسيين والإنكليز , وكذلك في العراق , وهذه أدلة على أننا من الجهلاء بأحوالنا وبلداننا.
    وبسبب الجهل الوطني أو البُلداني المروّع أصابنا ما أصابنا من الويلات والتداعيات , ذلك أن معظم الدول العربية تولى أمرها قادة يجهلونها , ويتوهمون بمعرفتها , والآخرون الطامعون بها يعرفونها ويعرفونهم حق المعرفة , وبذلك يتم تمرير الخطط والمشاريع وإنجاز الأهداف المطلوبة بسهولة وسرعة.
    ولا يزال العرب يتنعمون بقادة يجهلونهم , ولا يعرفون البلدان التي يمتلكون زمام السلطة فيها , ومن غير البديهي أن يتمكن قادة يجهلون ما يقودون من تحقيق أي إنجاز إيجابي وصالح للوطن والمجتمع.
    فلو أخذنا بلدا كالعراق , بثرائه الحضاري والمادي وتأملنا مسيرته , لتبين أن السبب الأساسي في مآسيه المتلاحقة , عدم توفر القائد الذي يعرفه , فقد أبتليَ بالقادة الذين يجهلونه تماما , ومنذ تأسيسه إلى اليوم لم يحضَ بقائد يعرفه , حتى وصلنا إلى مرحلة أجهل الجهلاء به , وبسبب هذا الجهل المدقع فأنهم يعادونه ويكرهونه وينكرونه , عملا بأن البشر عدو ما جهل.
    قد يقول قائل أن الذي أصاب الوطن بسبب كذا وكذا , ويمكنه أن يؤلف موسوعات وموسوعات ولا يستطيع أن يصل إلى جزيرة نجاة في يم التداعيات المتلاطم , لكن عبارة واحدة تغني عن جميع الكتابات , إنها الجهل بالعراق , فما جرى في ألفين وثلاثة وما بعدها وقبلها نابع من هذه العلة المريرة التي تنخر الوجود الوطني وتمزق المجتمع , وتقدم البلد على طبق من ذهب للطامعين به والذين يعرفونه حق المعرفة , ويبنون سياساتهم ومصالحهم على ضوء ما يعرفون , وقادتنا يقررون كل شيئ على ضوء ما يجهلون.
    فلو إمتحنت أي قائد أو مسؤول بموضوع العراق لإكتشفتَ رسوبا مذهلا , فهم لا يعرفون جغرافيته ولا تأريخه , ولا ما فيه وما حوله ودوره وقيمته الستراتيجية والإقتصادية والحضارية , إنهم مغيبون في متاهات الضلال والبهتان , وما يشغلهم هو الفساد والمتاجرة بالبشر الحيران.
    إن الخروج من المأزق الفاعل في البلاد يستدعي الجد والإجتهاد بمعرفة العراق , والعمل الدؤوب على فهمه وإدراكه والتفاعل معه بدراية واضحة , توفر المنارات الكفيلة برؤية المنطلقات السلوكية الصالحة للوجود العزيز.
    أما الإمعان بجهل الوطن , فأنه يساهم بتحويل القادة إلى دمى وموجودات مسلوبة الإرادة , وفاقدة للقدرة على صناعة الحياة , فالفرق بين الذي يعرف والذي يجهل كالفرق بين النهار والليل.
    فهل سنعرف العراق لكي يعزنا العراق؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media