بمناسبة عيد العمال العالمي.. ما يواجه الطبقة العاملة، من تغيرات في بنيتها وفي مهامها
    السبت 29 أبريل / نيسان 2017 - 03:07
    علي عبد الواحد محمد
    بداية لابد من الإقرار، بالتطور الحاصل في نظام الإنتاج الرأسمالي، وما نتج عنه من التداخل المعقد، بين عناصر ألإنتاج في هذا النظام ، لدرجة لم تعد فيه اغلبية منظومة الأفكار المنعكسة عن قاعدته المادية تتمتع بإستقلالها النسبي عنها . بل واقتربت اكثر فأكثر لتصبح هذه الأفكار من ضمن قاعدته المادية هذه، فعملية إنتاج المعلومات ، والمستكشفات في مراكز البحوث والجامعات، المنتشرة في المراكز الرأسمالية، اصبحت رافدا مهما من روافد الثروة المادية ، ومصدرا هاما للدخل القومي لهذه المراكز، حيث وصلت في الولايات المتحدة واليابان مديات واسعة ، اعطت المورودات الضخمة ، وعززت اقتصاديات هذين البلدين. حيث تشير الدراسات التي اجريت فيهما وغيرهما من البلدان الرأسمالية على تكنولوجيا النانو ، وعلى التصاميم الهندسية ، وتصاميم السيارات خاصة في اليابان، وفي الصناعات الآلكترونية ، وابحاث الطب ، والعلوم الإجتماعية والتنمية البشرية، وفي المجالات الأخرى التي تعد من ضمن البناء الفوقي، ومنها مؤسسات منظومة الأفكار التي كانت تتمتع بالإستقلال النسبي عن العلاقات الإنتاجية الى ان هذه الأبحاث والقائمين بها دخلوا ضمن عمليات الإنتاج .

    ومنذ بدايات شيوع اسلوب الإنتاج الرأسمالي وفي سياق تطوره، نمت المؤسسات الإعلامية والفكرية وتضخمت، وغدى القسم الأعظم من عناصر الوعي الإجتماعي، خاصة تلك العناصر المرتبطة، بالإعلام، والثقافة، وفي العلوم الطبيعية، وفي الأفكار السياسية وألإقتصادية والفنون والكنائس وغيرها ،جزءا من البناء التحتي، ومارست وظيفة مزدوجة في المجتمعات الرأسمالية المعاصرة ، وخاصة في ظل العولمة،وفي ظل بروز الدراسات والبحوث المستمرة،عن الرأسمالية وإتجاهاتها المختلفة في التطور وظهور المدارس المختلفة في مختلف المجالات للإستحواذ على اكبر قدر من ألأرباح . وتزداد بشكل متواصل التغيرات في بنية الطبقة العاملة ، بعدما إنظم اليها الملايين من شغيلة الفكر والمدراء والمخططين والآطباء ، وممن يطلق عليهم ذوي الياقات البيضاء ،في كل المجالات الإنتاجية بما فيها العسكرية والإستراتيجية ، فلا يمكن تخيل خلو اي مؤسسة في هذه البلدان ،من النشاط الرأسمالي، وتبعاته ، خاصة وإن عملية طرح المزيد من العاملين بأجر لصفوف العمال في إزدياد، وكذلك تزداد عمليات الإستغناء عن العمال والإنتلجنسيا مع التوسع بإستخدام التقنية الرقمية والروبوتات ، ومع إستمرار الأزمات الدورية لنظام الإنتاج الرأسمالي، الذي يعيش الآن اقوى وأطول أزمة يشهدها هذا النظام.. وبالموازاة مع ذلك جرت تغيرات ايضا في بنية علاقات الإنتاج الرأسمالية ، خاصة تلك المتعلقة ، بشكل الملكية لوسائل الإنتاج ، وبتوزيع الثروة ، فالبورصة واسواق السندات رائجة وكثر المشاركون في ملكية المؤسسات الإنتاجية،من خلال حيازتهم على السندات والمضاربة بها ،...(1)

    وفيما اضطر الرأسماليون الى مشاركة العمال والمجتمع لجزء بسيط من ارباحهم للمعونات الإجتماعية، والضمانات الصحية وتأهيل العمال وعوائلهم ، ان هذه التطورات الحاصلة في بنية الطبقة العاملة وفي شكل علاقات الإنتاج الرأسمالية، بالتأكيد أثرت على مفعولي القانونين (قانون التوافق الضروري بين البناء الفوقي والبناء التحتي) ، (قانون التوافق الضروري بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج) وأدت الى تكيف الرأسمالية رغم كل مصاعبها ، وإطالة عمرها ، وهذا ليس بمعزل عن إستخدامها مختلف الأساليب الملتوية لإطالة عمرها وتكيفها مع المتغيرات الموضوعية المحيطة بها ، ولم تتوانى عن إستخدام الأساليب الدنيئة والممقوتة لتشويه الأفكار والقيم والحركات المناوئة لها ، بل وشمل التشهير حتى بحراس نظام الإنتاج الرأسمال بعضهم البعض وخاصة في فترات التنافس في الإنتخابات البرلمانية والرئاسية ، وإستعانتها بأشد العناصر رجعية وحربجية للرأسمال المالي ، في الوقت الراهن.

    هذه التغيرات تضع امام النقابات العمالية والأحزاب اليسارية، مهام جديدة تتلخص في جذب المتضررين من النظام الرأسمالي، وخاصة التقنيين وشغيلة الفكر ،الذين يبيعون افكارهم وابحاثهم الى المؤسسات الضخمة، وهم بذلك بدون دراية منهم، تشابهوا مع العمال الذين يبيعون قوة عملهم الى هذه المؤسسات ،هذه المسألة المهمة تدفع الكثيرين منهم للتضامن مع الطبقة العاملة ، اما الذين خسروا مواقعهم بفعل المنافسة، وظهور أجيال جديدة من التقنيين ومن المشرفين على خطوط الإنتاج كمدراء ، هؤلاء الذين فقدوا وظائفهم تجمعهم مصالحهم مع العمال، وهنا يجب ملاحظة ان معظمهم غير ثابت في تضامنه وفي نضاله. ولكن أثناء وجودهم في ازماتهم ، يمكن جذبهم للعمل المطلبي للنقابات ، بل ويمكن الإستفادة من خبراتهم. ولا زالت المهام العامة للنضال الطبقي، مهمة ايضا في هذه الظروف ، وفي المقدمة منها ، تأتي اهمية التضامن الطبقي ، بين العمال ، وتحالف نضالاتهم مع نضال الأحزاب اليسارية والعمالية، وقوى السلام في العالم والبلد المعني ، ومع حركات الشباب والمنظمات الإجتماعية ، مهما كان عمل هذه المنظمات يبدو بعيدا عن القضايا العمالية ، كمنظمات البيئة والسلام الآخضر ومنظمات أطباء بلا حدود وصحفيون بلا حدود ومنظمات ضد العنصرية ،وغيرها من المنظمات التي تهتم بالإنسانية، وحقوق الإنسان.

    (1) على الرغم من زيادة حملة الأسهم الا ان التصرف في الملكية وكل سياسات المؤسسة الرأسمالية تكون بيد من يملك الحزمة الأكبر من الأسهم وهم الرأسمالين وليس غيرهم، فهم حريصون على بقاء الحزمة بأيديهم .

    (موقع الناس)
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media