أَلنَّجَاحُ شَرْطُ التَّمْكِينِ لِلْوِرَاثَةِ*[٢] وَالأَخِيرَة
    الأربعاء 24 مايو / أيار 2017 - 15:29
    نزار حيدر
       ولعَظَمةِ الامتحان بالعدلِ ومحوريَّتهِ في مفهوم البلاء، لذلك نرى كلَّ هذه الحسَّاسيَّة من الظُّلم عند أَميرِ المؤمنين (ع) الذي كان هو العدْلُ الذي يسيرُ على الأَرض، فكان عادلاً وهو في السُّلطة وعادلاً يَوْمَ كان خارجها، عادلٌ مع خصومهِ وأَعدائهِ وَعادِلٌ مع أَقربِ النَّاسِ إِليهِ، عادلٌ في أُسرتهٍِ وعادلٌ في الشَّارع! عادلٌ حتَّى مع النَّملة فقال عليهِ السَّلام {وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ}.

       لم يشأ عليه السَّلام أَن يتجاوزَ على حقِّ أَحدٍ من المخلوقات! إِنساناً كان أَو غيرهُ! لماذا؟! يُجيب (ع) بقولهِ {فَإِنَّ في العَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أَضيَقُ!}.

       وكلَّما نجح المرءُ في إِختبار العدل ضد الظُّلم كلَّما ارتقى درجةً من التَّمكين ليقتربَ من الوراثةِ الإلهيَّة! والعكس هو الصَّحيح فالفشلُ في تجاوز الامتحان يتقهقر بسببهِ التَّمكين الالهي وبالتَّالي يبتعد المرء عن الوراثةِ الموعودة!.

       ولقد مكَّننا الله تعالى في الْعِراقِ بمقدارٍ، إِن على مستوى السُّلطة أَو الاعلام او السِّياسة أَو غيرِها من المستويات المختلِفة! لندخلَ مرحلةً جديدةً من الاختبارات والبلاءات والمِحَن، الغرض منها هو إِختيار درجة العدل! لنرتقي به درجةً من التَّمكين والوِراثة كلَّما اجتزنا مرحلةً بنجاحٍ!.

       للأَسف الشَّديد لم تنسجم حالة التَّمكين هذه مع العدل ولذلك فمِن غيرِ المتوقَّع ان نستنزل التَّمكين الالهي أَكثر فأَكثر اذا استمرَّ التَّدهور بالعدلِ على حالهِ! إِذ من المستحيل أَن يمكِّننا الله تعالى أَكثر من التَّوريث إِذا كُنَّا ظالمين غير عادلين!.

       ينبغي الانتباه الى هذه الحقيقة لأَنَّ بديل التَّمكين هو الاستدراج لا سمحَ الله والذي يُخبرنا عنه رب العزَّة بقولهِ {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ* وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} وقولهُ {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ* وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} وقولهُ {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.

       من جهةٍ أُخرى، فلقد ابتلانا الله تعالى اليوم بالعقائِد الفاسدة التي أَنتجت كلَّ هذا الارهاب باسم الدِّين، وأَقصد بها عقيدة الحزب الوهابي التَّكفيري التي غذَّت جماعات العُنف والارهاب بالكراهية وإِلغاءِ الآخر والتَّكفير! إِلَّا أَنَّ العراقييِّن ولله الحمد قبِلوا التَّحدِّي، تحدِّي الارهاب، فتحمَّلوا المسؤوليَّة من خلال تلبية فتوى الجِهاد الكِفائي التي أَصدرها المرجع الأَعلى الامام السِّيستاني دامت توفيقاتهُ.

       لقد وقفت الفتوى بوجهِ الانهيار الذي كاد أَن يخيِّم على الْعِراقِ بعد أَن إِحتلَّ الارهابيُّون نصف الْعِراقِ [يوم أَن كان السياسيُّون مشغولون بصراعاتِهم على السُّلطة والنُّفوذ، ويوم أَن كان القائد العام السَّابق للقوَّات المسلَّحة مشغولٌ بالتستُّر على الفساد والفشل ويوم أَن كان مشغولٌ بالحربِ على جبهةِ الولايةِ الثَّالثة!] فجاءت الفتوى لتعبِّئ المجتمع ليس عسكريّاً فحسْب وإِنَّما على المستويات كافَّة، نفسيّاً وروحيّاً ومعنويّاً، وعلى مستوى الأَدب والاعلام والتَّعاون لرفدِ ساحات الجِهاد وغير ذلك!.

       إِنَّ اجتياز العراقييِّن لِهذهِ المرحلة الصَّعبة سيُقرِّبهم أَكثر فأَكثر من مفهوم التَّمكين الالهي اذا تزامنَ ذلك مع العدل الذي ينبغي أَن يسودَ في المجتمع، وعلى مُختلفِ المستويات، بدءاً بالأُسرة وليس إِنتهاءً بالسُّلطة! من خلال شنِّ الحَرْبِ على الفساد عاجلاً، لأَنّهُ من أَصدق معاني الظُّلم التي تعرقل التَّمكين الالهي وبالتَّالي التوريث الموعود!.      

       *إِنتهى  

       *ملخَّص الكلمة التي أَلقيتُها في مهرجان الأَمان الثَّقافي السَّنوي التَّاسع الذي تقيمهُ هيئة الامام الصَّادق (ع) في مدينة الدِّيوانيَّة في ذِكْرى مولد الأَمل في الخامس عشر من شعبان المُعظَّم من كلِّ عامٍ.

       ١٩ مايس (أَيار) ٢٠١٧

                                لِلتّواصُل؛

    ‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

    ‏Face Book: Nazar Haidar

    ‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

    (804) 837-3920


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media