حوار مع القلم!!
    الثلاثاء 20 يونيو / حزيران 2017 - 10:18
    د. صادق السامرائي
    يبدو أن من الصواب أن نحاور القلم ونستبطن ما يعتلج في مواطن أعماقه , وما هية أفكاره وتفاعلاته , ولهذا حملت أسئلتي وتحدثت مع القلم , وبدأت معه بسؤال غريب!!
    فقلت: لماذا تكتب أيها القلم؟
    قال: الجمرات تلد لهبا!!
    قلت: وما علاقة ذلك بالسؤال؟
    قال: الكتابة إعتلاج داخلي , وبركان ثائر في الأعماق , ولا يمكن لوعاءٍ أن يكتم أجيجه , لأنه سينفجر , والكتابة إنسكاب متواصل لهذا الإشتعال المتوقد أبدا في دنيا الكاتب.
    قلت: لكن الكثيرون يكتبون.
    قال: هناك مَن يكتبون وهناك مَن يمتهنون الكتابة , بمعنى يهينونها ويذلونها!!
    قلت: وكيف يكون ذلك؟
    قال: الكتابة حمم تمور في براكين الأعماق , تسبكها حرارة الوجيع على مواقد الوعي والإدراك العميق , فتندلق ساخنة سيّالة ذات أزيز تفزع منه السطور.
    قلت: وعن أي كتابة تتحدث؟
    قال: الكتابة الأصيلة التي تنخلع معها روح الكاتب ومهجته , ويكون فيها حيا خالدا في تيجان الكلمات وعروش العبارات , فالكاتب الأصيل يستولد ذاته , أو يلد من رحمها حيا متسرمدا في كلمات كالجمرات التي تتحدى الخمود.
    قلت: تعني أن الكتابة إستنزاف طاقات الحياة؟
    قال: إن الكاتب الحقيقي يموت مع كل كلمة يخطها , ويعيش في مواجعه التي تلاقحت في دنياه وأوجدت كياناتها المتميزة القدرات.
    قلت: أيها القلم وكيف تعرف ذلك؟
    قال: من الأصابع التي تمسكني , فالكتابة الحقيقية تكويني أنامل كاتبها وتحيلني إلى جمر ملتهب تصرخ من نيرانه السطور , والكتابة الباهتة , تشعرني بثقل الأصابع التي تمسكني , وتمدني بزمهرير الإرتجاف والإعتلال والذبول.
    قلت: وبأيهما تأنس؟
    قال: الأصابع المثقلة ببراكين أفكار ومفردات صاخبة متفجرة متناسقة متواشجة مع عروق الأكوان , رغم أجيجها الوقاد , لكنها تمنحني لذة الإبداع الفائق , وهذه حالة إدمانية وإنتشائية لا تماثلها نشوة في الوجود.
    قلت: عمّاذا تتحدث؟
    قال: لذة الكتابة والتزحلق على أديم السطور.
    قلت: وهل في الكتابة لذة وأنت تصفها بالبركان اللّهاب؟
    قال: الإحتراق ببراكين الأعماق الأجّاجة من أروع التجارب الإنسانية وأعظمها متعة وشعورا بالحياة.
    قلت: التلذذ بالإحتراق  , يعني إنحرافا سلوكيا.
    قال: أنظرها كما تريد , فالكتابة قد تكون مرضا , وإدمانا , وتعبيرا عن سلوكيات متنوعة كامنة في جيبنات الكاتب , ولكل كاتب دافعه الخفي وما يجلده من الأفكار وما يكويه من الجمرات , لكن الخلاصة المشتركة , أن الكتابة سلوك مترافق مع البشر منذ الأزل , وهي أصل الإبداع والرقاء والنماء المعرفي والفكري والروحي والنفسي , وبواسطتها بنيت الحضارات.
    قلت: وماذا عنك؟
    قال: أنا طيّعٌ وبي يسطرون
    قلت: ولماذا هذا الإذعان؟
    قال: إن الكلمة مسؤولية , وأنا شاهد على ما يكتبون , فالذي يقبض على مصيري عليه أن يُدرك بأن الكلمة حبلى بفكرة , والفكرة متصلة بينابيع ذات منطلقات وإرادات متباينة العطاء والغايات , ولكل غاية وسيلتها الظافرة بها , ولكل كاتب سبيله إلى مدائن ما فيه , فالكاتب يسكب ما يغلي فيه , ولا يدري في أكثر الأحيان لماذا يتشظى ويذوب ويمضي في متواليات الإندفاق الصخيب.
    قلت: أصابني الدوار مما تقول , وما عدت قادرا على التواصل معك.
    قال: الضوء الساطع يعمي البصائر قبل العيون , ومن الأفضل أن تتمتع بالعماء , والنوم السقيم , وعليك أن لا تستيقظ ولا تريم.
    قلت وقد إرتعدت مفرداتي وإرتجفت أصابعي : أن القلم علينا رقيب.
    وأطفأت مصابيح يقظتي , وتدحرجت فوق سفوح الإعتياد على الخمود , فحدجني القلم متأسفا , وكأنه شعر كان يجب عليه أن لا يبوح بما فيه ويعتريه , لأن البشر لا يسمع ولا يتبصر بالجوهر المنير.

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media