حينَّ دخل فكر ماركس حياة المفكر حسين مروّة (2)
    الخميس 22 يونيو / حزيران 2017 - 16:02
    نبيل عبد الأمير الربيعي
    [[article_title_text]]
          على عتبة الذكرى الجليلة لرمز من رموز الفكر العربي المعاصر, وقامة شامخة من قامات النضال الوطني التحرري, لنسلط الضوء على جوانب كثيرة من سيرة حسين مروّة, الانسان البالغ الثراء, المتوهج الحضور, والمناضل أبداً في انسجام تام بين فكره الطليعي وممارسته العملية الرائدة.
         محنة الثقافة من ارسطو وغاليلية إلى فرج فودّة وحسين مروّة وعشرات المثقفين, هي محنة الخصومة, خصومة السياسة الجاهلة من ابن حنبل, ابن رشد, الحلاج, الشيخ صبحي صالح إلى مهدي عامل, كانت السياسة القرينة بالجهل ودولة الغاب وانتهاك القانون, ودويلات عصابات وقطاع الطرق, ودولة الأشخاص, تذهب مهنة الكاتب وتترسخ مهنة كاتب السلطان, ومثقف البلاط والمسبح بحمد الخليفة الأمير.
          مهما طالت الأيام وعمل الجهل في قتل واغتيال المفكرين وتطوى الصحف لكن المفكر الشهيد حسين مروّة باقٍ حياً فينا, باقٍ في المجلات الثقافية والصحف, في فكر المفكرين والباحثين والهيئات الثقافية, فهو علماً من أعلام الفكر العربي, والحرص على بقاء راية الفكر الحر التقدمي, وتجديد الفكر الماركسي شريك كل المثقفين وعلى وجه الخصوص حسين مروة, لصلابة الموقف ووضوح الرؤيا.
         لم يمت حسين مروّة, ولم تنهار الأحلام الجميلة, ولم تنسد الآفاق, وما زلنا نسبح ضد التيار, لكن بالزمن نحيا وبعزيمته لا نفنى, فالتاريخ الصعب الذي خاضه حسين مروّة غماره ليصنع مجاديف نجاتنا نحو الضفة الأخرى, مهما كانت الضفاف بعيدة, وإن الرحلة إلى المستقبل تبدأ من تاريخ سحيق, غير أن النزعات المادية في تاريخنا لم تكن كافية, فلا عمامة خلفها ولا منهج مادي جدلي تمكنّا حتى الآن, لكن سنبقى على نهجك ومنهجك نقاوم ضد التيار لنصل إلى الضفاف البعيدة.
          حسين مروّة ظاهرة ثقافية فكرية تشعّ على أمته إشعاع النور الذي يكشف الطريق بضوئه المستنير, في أقواله وأفعاله حينما قال :"ولدت شيخاً وأموت طفلاً, وبين هذين الهديين قرابة ولحمة لا تفترقان, ولا غرابة أن يستعمل الأضداد في تفكيره لأنه في الحالتين لا يتوخى سوى سبر الحقيقة والتوصل إلى كشفها".
          حسين مروّة تابع دراسته في النجف وصمم للوصول إلى الهدف من تحقيق المعرفة دون المهنة, لذا يبحث عن المعرفة حتى وجدها, فأمعن في القراءة وجمع المعارف من مواردها, على كل حال أتاحت السنوات العشرون التي قضاها دراسات في جامعة النجف إمكانية التأصل في التراث العربي الإسلامي, لينفتح من بعد ذلك على الثقافة الغربية والعالمية, وكان ذلك سر نجاحه الجدلي والتفاعل بين التراثين المحلي والعالمي.
        ففي مؤلفه (النزعات المادية في الفكر العربي الإسلامي) الذي توّج به جهد عمره, أجرى مروّة عملية مسح واسعة للتراث العربي الإسلامي شملت أربعة قرون تبدأ بالجاهلية وتنتهي في القرن الرابع الهجري, وهو عصر العلماء والفلاسفة الكبار, فاستخلص مروّة بعد فرز التراث اللب عن القشور, معبداً بناءه على منهجه المادي التاريخي والمفاهيم الإنسانية, حتى نجح في تحويل التراث إلى مركز تاريخي استند إليه في صراعها الراهن والمستقبلي.
        مؤلفه هذا كان جهداً كبيراً حقاً قياساً إلى عمر مروّة كفرد, فهو كدراسة مطلوبة بشروطها الكاملة, نجدها ليست عسيرة المنال على جهد فردي لمثل هذا الجهد, فضلاً عن مؤلفاته الأخرى التي لا يخترقها النسيان, فهي أبحاث في التراث أضاءت الماضي كي ينتصر المستقبل بين تراثنا القديم وأجيالنا الشابة.
         اختزل المفكر مروّة بعض أنصار الماضي العربي, بأنها مجرد محكيات لوعي واحد بعينه هو الوعي الديني الثابت الذي لا تؤثر فيه التبدلات التاريخية, فقد جرى طمس أي دور للعوامل الأخرى في صنع المسار التاريخي, كالعامل الاقتصادي, والصراع على السلطة, وتصدير الأزمات السياسية الداخلية إلى الخارج, وطمس معالم البعد الجماهيري في حركة التشكل المجتمعي التاريخي العربي, لكن المفكر مروّة قد فسّر الصراع الداخلي الذي احتدم في التاريخ العربي الإسلامي صراع طبقي اجتماعي, كون الفقيد مروّة كان يتمتع ببصيرة نافذة, ونظر ثاقب, وفهم عميق لقوانين التطور الاجتماعي, وقد نذر حياته لتأسيس المشروع النهضوي الجديد للعرب, وقد كان مدخله إلى إعادة قراءة التراث العربي وتفسيره بأسبابه الحقيقية, والإمساك بوعي علمي متقدم.
          كان كتابه (النزعات المادية) إلا ملحمة تراثية ذات رؤية شاملة في موقف فكري مستنير فاعل, يقول مروّة في نهاية ملحمته (وبعد نحو قرن من زمن ابن سينا, استأنفت هذه الفلسفة في بلاد المغرب العربي كفاحها المجيد بوجه الإرهاب الفكري) على عتبة الذكرى الجليلة لرمز من رموز الفكر العربي المعاصر, وقامة شامخة من قامات النضال الوطني التحرري, لنسلط الضوء على جوانب كثيرة من سيرة حسين مروّة, الإنسان البالغ الثراء, المتوهج الحضور, والمناضل أبداً في انسجام تام بين فكره الطليعي وممارسته العملية الرائدة.
         إلا أن الرصاصة العمياء أوقفت هذه الرحلة الفلسفية في التوقف عن إعداد الجزء الثالث من الكتاب, لذلك افتقدت الملحمة الفلسفية التاريخية الجزء الثالث, لكن يبقى هذا الكتاب أول ملحمة ماركسية عن التراث الفلسفي العربي.

    حينَّ دخل فكر ماركس حياة المفكر حسين مروّة (1)
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media