في الذكرى الـ 39 لجريمة اعدام الشيوعيين واصدقائهم.. كذبة التنظيمات الشيوعية في القوات المسلحة اخترعها صدام للاطاحة بـ "الجبهة"!
    الجمعة 23 يونيو / حزيران 2017 - 05:38
    [[article_title_text]]
    بغداد (طريق الشعب) - مرت اخيراً ذكرى تلك الايام من عام 1978 التي اقترف فيها نظام البعث الصدامي مجزرة وحشية، بإقدامه على اعدام مجموعة من المناضلين الشيوعيين واصدقائهم، عسكريين ومدنيين، بتهمة تشكيلهم تنظيمات عسكرية محظورة داخل وحدات عسكرية، ومحاولتهم اسقاط نظام الحكم بالقوة العسكرية.
    ولم يكن هؤلاء العسكريون يعرفون بعضهم كما لم يكونوا في وحدات عسكرية متقاربة. وكان اغلبهم من الجنود المكلفين او من صغار ضباط الصف ومن افراد الشرطة ولاعبي كرة القدم. وقد اقنع صدام القيادات البعثية بان هؤلاء العسكريين يشكلون خطرا على النظام ويجب اعدامهم بتهمة محاولة اسقاط النظام بالقوة المسلحة.
    في الذكرى التاسعة والثلاثين لتلك المجزرة نعود الى اولئك الرجال الميامين وتضحياتهم، ونعرض ايضا مواقف قيادة الحزب والجهود التي بذلتها وهي تحاول انقاذ تلك الكوكبة من المناضلين الابرياء من الموت والعدوانية الفاشية الصدامية، سواء عبر اللقاء مع قيادة الحزب الحاكم يومها وتقديم المذكرات الاحتجاجية والطلبات الاصولية، بكل الطرق والاساليب المتاحة، اضافة الى تحفيز المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان على القيام بدورها في مطالبة النظام يومذاك بعدم تنفيذ الاعدامات واطلاق سراح الضحايا. وحاولت الاحزاب الشيوعية والمنظومة الاشتراكية ثني النظام عن اقتراف الجريمة الوحشية الا ان النظام وزعيمه الدكتاتور كان لهم رأي آخر واهداف مرسومة فقد استنفد النظام وقيادته ما كان يريده من الجبهة والتحالف، حتى صارت تشكل ثقلا يسعى للتخلص منها.
    وكانت حجة التنظيمات العسكرية كذبة كبيرة روجها النظام واقنع بها نفسه وانصاره، وقد اكدت الاحداث والايام ان لا تنظيمات شيوعية داخل الجيش او الشرطة وان الذين صدرت الاحكام ضدهم ونفذت الاعدامات بهم وخاصة العسكريون منهم، لم يكن لهم اي علاقة تنظيمية لا من قريب ولا من بعيد، واذا كانت موجودة لدى البعض فانها علاقات من فترة ما قبل الالتحاق بالخدمة العسكرية. وهذا امر معروف لدى الجميع.

    ما حكاية التنظيمات العسكرية؟

    كانت الانظمة السابقة تحاكم المنتمين إلى الاحزاب السياسية وفق المادة (32) من قانون العقوبات العسكري وكثيرا ما كان يحكم عليهم بالحبس سنة او اقل مع الطرد من الخدمة العسكرية. لكن مع سيطرة البعث على الحكم وانفراده بالسلطة قرر محاكمة انصار اي حزب سياسي من الناشطين في المجال العسكري بالاعدام، خاصة بعد العام 1973 والتوصل الى اتفاق الجبهة مع الحزب الشيوعي وتصاعدت الاحكام من سنة الى اعدام وبجانب العسكريين شملت مسؤوليهم المدنيين (المفترضين)، وتصاعدت حملات الاعتقال والمحاكمة لتشمل المتسرحين من الخدمة او من كانت لهم علاقة قبل السوق الى الخدمة الالزامية وبشكل تعسفي.
    ولو نظرنا الى اللوحة السياسية بعد عام 1973 حين تم توقيع الجبهة وميثاقها، نجد ان حملات القمع والاحكام الثقيلة والاعدامات بدأت مطلع عام 1974 مباشرة، اي انها لم تهدأ الا لستة اشهر من عام 1973، وكان كاتب هذه السطور قد عانى لمدة سنة وستة اشهر بذات التهمة رغم انه مدني، واطلع على حالات وشخصيات تعرضوا إلى احكام متنوعة تبدأ من سنة واحدة وتصل الى الاعدام.
    واقولها للتاريخ ان المحكومين من العسكريين جيشا وشرطة ا جميعهم دون استثناء لم يكن لهم اي ارتباط او عمل تنظيمي مع الحزب، وهناك البعض وجدوا في بيته جريدة "طريق الشعب" او كتابا ماركسيا وعدّوا ذلك مستمسكا جرمياً!
    وكان هناك آخرون من الشيوعيين واصدقائهم التحقوا بالخدمة العسكرية وهم يحملون افكارا تقدمية وبناء فكريا وثقافيا ومعرفيا بامور الحياة، وهذا ما دفع بعض (كتاب التقارير الوصوليين) إلى إخبار (الحزب القائد وازلامه) "بخطورة" هؤلاء فجرت متابعتهم والايقاع، بهم علما ان الحزب الشيوعي يومها شدد على منظماته بقطع الصلة الحزبية والتنظيمية مع من يلتحق بخدمة العلم حسب الاتفاق في الجبهة الوطنية مع (الحلفاء البعثيين). لكن (الحزب الحليف) وتوجهات صدام وخططه كانت شيئا آخر لا مكان فيها للعهود والمواثيق والاخلاق، فكل شيء تحدده المصالح والظروف والتكتيكات.
    وبدأ النظام بإحالة البعض من العسكريين الى محكمة الثورة وبشكل مبكر من عام 1974 والحكم عليهم بالاعدام، علما ان هذه الممارسة (الصدامية) كانت لغما في العلاقات الجبهوية التي استمرت منذ انبثاق الجبهة حتى مرحلة انهيارها عام 1978.

    كيف تصرفت قيادة الحزب الشيوعي مع الاحكام والتجاوزات؟

    قد يتساءل البعض بحيرة وتعجب عن موقف الحزب الشيوعي من الاحداث وهذا الواقع الغريب، حيث احكام الاعدام بدأت منذ مطلع العام 1974. فقد صدر الحكم باعدام عريف مخابر رحيم هادي كاسب في 23/ 3/ 1974 اي في السنة الاولى لقيام الجبهة بتهمة الانضمام الى الحزب الشيوعي العراقي، علما انه لم يكن حزبيا ولكن من عائلة شيوعية.
    وقد حصلنا على بعض اوراق ومذكرات الراحل عامر عبد الله، وفيها جزء مهم يخص فترة الجبهة الوطنية يوم كان الراحل وزيرا ومنسقا مع قيادة البعث حيث يقول انه "بحث والرفيق عزيز محمد مع البكر وصدام اكثر من مرة قضية السجناء الشيوعيين واصدقائهم الذين حكموا بالإعدام والاشغال الشاقة بتهمة النشاط التنظيمي في الجيش، اذ كانت هذه القضية موضع لقاءات وجدل متواصل مع القيادات البعثية". وتؤكد الاوراق ان الراحلين عزيز وعامر بحثا هذه القضية مع البكر أكثر من مرة. ويضيف انه اي الرفيق عامر عبد الله كان قد احرج البكر باقتراح مقصود قال فيه: "ما رأيك بان تتعاملوا مع رفاقنا في الجيش كما كان يتعامل نوري سعيد مع اليهود، حيث لم يكونوا يجندون للخدمة العسكرية؟".
    هنا ابدى البكر استنكاره لهذا المقترح وقال: "الله اكبر هل يصح ان نتعامل مع المواطنين بهذه الصورة او نستغني عن خدمتهم لوطنهم؟". فرد الراحل عامر عبد الله: ما هو الحل اذن؟ والى متى نظل منشغلين بهذه المشكلة؟ ماذا نقول لرفاقنا الذين يستدعون للخدمة العسكرية؟ قل لي ماذا؟ اجاب البكر قائلا: يذهبون شأنهم شأن الآخرين الى معسكرات الخدمة، وعندما يعودون الى اهاليهم يومي الخميس والجمعة يتصلون بمنظماتهم الحزبية ويمارسون واجباتهم المعتادة وعملهم الحزبي. فقط اوصوهم ان لايصطحبوا معهم وثائق او كتبا شيوعية الى المعسكرات.

    تساءل الرفيق عامر عبد الله: هل نعتبر ذلك قرارا نهائياً؟ اجاب: نعم، طبعاً.

    وعلى اساس ذلك اصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي نشرة داخلية الى المنظمات الحزبية بهذا المعنى. لكن الاحداث اللاحقة برهنت على عكس ما تم الاتفاق عليه تماماً.

    ما هو العدد الدقيق لضحايا مجزرة أيار من الشيوعيين؟

    ما زال عدد شهداء مجزرة أيار من الشيوعيين يتراوح بين 21 و 31 مناضلاً نفذ بهم حكم الاعدام في تلك الايام الحزينة، وبقرار فرضه الدكتاتور صدام على القيادة القطرية للبعث ومجلس قيادة الثورة بذريعة زائفة، هي محاولة الحزب الشيوعي العراقي الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري علما ان الراحل عامر عبد الله كان قد قدم بالتنسيق مع الرفيق عزيز محمد تطالب باطلاق سراح هؤلاء الرفاق نظرا الى براءتهم من كل ما نسب اليهم من اكاذيب وافتراءات. وبعدها قدم الراحل مذكرة مفصلة بالاسماء غداة لقائه مع البكر. وفي ادناه اسماء المحكومين بالاعدام:
    1-    عدنان شرهان – جندي مكلف – صدر الحكم عليه من محكمة الثورة في 19/ 4/ 1974 بتهمة انتسابه الى الحزب الشيوعي العراقي واقامة تنظيم في الجيش علما انه كان صديقا للحزب قبل سوقه إلى الخدمة العسكرية.
    2-    سهيل شرهان – جندي مكلف – نفس المعلومات اعلاه.
    3-    ماجد جلوب حافظ – جندي مكلف – نفس المعلومات اعلاه والحكم والاتهام.
    4-    عباس فاضل عباس – جندي مكلف – نفس المعلومات اعلاه والحكم والاتهام. علما انه لم تكن لديه اي صلة بالحزب.
    5-    حسين علي الطريحي – جندي مكلف – صدر بحقه الحكم بالاعدام في 19/ 4/ 1974 نفس المعلومات اعلاه والاتهام، رغم انه لم تكن له علاقة بالحزب.
    6-    عبد المطلب ابراهيم سلمان – جندي مكلف – نفس المعلومات اعلاه ولا علاقة له بالحزب. (حكم على عدنان وسهيل وعباس وحسن وعبد المطلب في قضية واحدة بسبب علاقاتهم الشخصية اثناء وجودهم بوحدة عسكرية واحدة ولكونهم زملاء دراسة ومن مدينة واحدة).
    7-    اسماعيل عبد الحسن طار – جندي مكلف – صدر حكم الاعدام بحقه في 8/ 6/ 1974 من محكمة الثورة. كان شيوعيا انقطعت صلته بالحزب بعد التحاقه بالعسكرية.
    8-    خالد علو – جندي مكلف – نفس الحكم والتاريخ والتهمة. كان صديقا للحزب ولم تكن له صلة تنظيمية.
    9-    خميس عباس – جندي مكلف – نفس التهمة والمعلومات اعلاه.
    (كل من اسماعيل وجعفر وخالد وخميس حكموا في قضية واحدة بسبب روابط الصداقة التي جمعتهم من قبل، ولانهم ابناء بلدة واحدة ويحملون افكارا تقدمية).
    10-    حامد كشكاش لفتة – رئيس عرفاء – حكم بالإعدام في 19/ 9/ 1974 من قبل محكمة الثورة بتهمة الانتماء الى تنظيم سياسي. لم يكن له علاقة بالحزب الشيوعي العراقي.
    11-    رحيم هادي كاسب – عريف مخابر – هو الاول الذي صدر بحقه حكم الاعدام في ظل الجبهة الوطنية في 23/ 3/ 1974 بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي. لم يكن حزبيا لكن كان من عائلة شيوعية.
    12-    مسلول كريم حازم – جندي مكلف – حكم بالاعدام من قبل محكمة الثورة وكان صديقا للحزب وانقطعت صلته بعد التحاقه بالجيش.
    13-    ناطق عبد الواحد الحديثي – جندي مكلف – حكم بالاعدام في 23/ 3/ 1975 من قبل محكمة الثورة بنفس التهمة مع انه لم يكن يوما عضوا في الحزب او له اي صلة تنظيمية.
    14-    حميد عبد العال – نائب عريف – نفس التاريخ والحالة السابقة.
    15-    اسماعيل حسين حميد – نائب عريف – نفس التاريخ والحالة السابقة.
    16-    كيلو صبيح طلال – نائب ضابط – حكم بالاعدام في 17/ 4/ 1977 من قبل محكمة الثورة. نفس التهمة ولا علاقة له بالحزب.
    17-    مجيد حسين داود – جندي مكلف – حكم بالاعدام في 21/ 5/ 1977 بتهمة الاشتراك بتظاهرة تأييد الحكم الذاتي ولم يقم بنشاط حزبي او سياسي داخل الجيش.
    18-    جلال حسن عبد الوهاب – جندي اول مطوع – حكم بالاعدام في 22/ 5/ 1972 من قبل محكمة الثورة بتهمة الالتحاق بجماعة مسلحة والزعم انه تقاضى راتبا من الشيوعيين في حين انه كان هاربا من الجيش والتحق بقوات الانصار ثم ترك الحزب وصفوف الانصار ولم يشمله العفو السابق.
    19-    عامر سلطان هندي – ملازم في الجيش – حكم بنفس التاريخ والتهمة وليس له علاقة بالحزب الشيوعي.
    وشملت الاحكام بالاعدام عددا من افراد سلك الشرطة والمعلمين والفلاحين والمواطنين المدنيين وهم:
    20-    حامد خضير خير الله – شرطي – حكم بالاعدام في 25/ 5/ 1976 من قبل محكمة الثورة بتهمة التنظيم الشيوعي مع انه لا علاقة له بالحزب.
    21-    عبد الكريم عبد الله المياحي – جابي في مصلحة نقل الركاب – نفس التاريخ وبتهمة تنظيم احد افراد الشرطة. انقطعت صلته بالحزب عام 1972.
    22-    صميدح خديم الركابي – شرطي – نفس الحالة السابقة وبتهمة صلته مع عبد الكريم عبد الله.
    23-    عباس عبد حسن من سكنة مدينة الثورة نفس الحكم والجهة والتاريخ.
    24-    عزرة حسين عبد الله – شرطي – نفس الحكم والجهة والتاريخ والتهمة.
    25-    صباح شياع – موظف صحي في البصرة – حكم بالاعدام في 17/ 4/ 1977 بتهمة تنظيم احد العسكريين مع انه كان ضمن 30 شيوعيا اعتقلوا في البصرة في حزيران 1976.
    26-    عبد الزهرة محمد علي – معلم في محافظة القادسية – حكم بالاعدام في 21/ 5/ 1977 بتهمة ازدواجية الانتماء الحزبي مع انه كان عضوا في الحزب الشيوعي العراقي ولم يسبق له الانتماء لحزب البعث.
    27-    عبد القادر مشكور – فلاح من محافظة كركوك – حكم من قبل محكمة خاصة عسكرية بتهمة التمرد مع انه لم ينتسب الى (المتمردين) بل كان موضع ملاحقتهم لانه من عائلة شيوعية.
    28-    سعيد رسول قادر – فلاح من محافظة كركوك – نفس الحالة اعلاه.
    29-    صبيح جابر فارس – جندي مكلف – حكم بالاعدام من قبل محكمة الثورة بتهمة التنظيم الشيوعي. كان شيوعيا وقطع علاقته بالحزب بعد التحاقه بالجيش.
    30-    حبيب عبد ابراهيم – شرطي – حكم بالاعدام في 23/ 3/ 1976 من قبل محكمة الثورة بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي مع انه قطعت صلته بالحزب بعد التحاقه بسلك الشرطة.
    31-    بشار رشيد – مفوض شرطة ولاعب كرة قدم – حكم بالاعدام في 23/ 3/ 1975 من قبل محكمة الثورة بتهمة الاتصال بالحزب الشيوعي مع انه ليست له علاقة بالحزب بعد انضمامه الى سلك الشرطة كلاعب في نادي آليات الشرطة.
    32-    سعدي خالد – فلاح من اربيل – حكم بالاعدام في 15/ 3/ 1975 من قبل محكمة الثورة بتهمة انتمائه الى القيادة المركزية رغم انه قد تركهم بعد ان التحق بكردستان ثم عاد الى اهله.
    33-    نعيم حسين البدري – مدني – حكم بالاعدام في 21/ 5/ 1977 بتهمة تنظيم عسكريين من اقاربه واصدقائه مع انه لم يكن عضوا في الحزب.
    34-    نوري قادر غفور حكم بالاعدام عام 1961 من قبل المجلس العرفي العسكري الاول في قضايا كركوك والتي اغلقت مع زميل له بالاعدام وحكم للمرة الثالثة بالسجن لمدة ثلاث سنوات متعاقبة.
    35-    عاصي علي محمود – فلاح من كركوك – حكم بالاعدام من قبل المجلس العرفي العسكري الاول في قضايا كركوك 11/ 2/ 1962 وقد ألقي عليه القبض وحكم عليه بالاعدام.
    36-    اسماعيل حسين حميد – نائب عريف – حكم بالاعدام بتهمة تنظيمه لـ شاكر ناصر رحيم.
    37-    شاكر ناصر رحيم – نائب عريف شرطة – حكم بالاعدام ولا علاقة له بالحزب.
    38-    عبد الرحمن علي رحيم – عامل – حكم بالاعدام بتهمة تنظيم شاكر ناصر رحيم مع ان العلاقة النقابية بينهم انقطعت منذ عام 1973.
    قدمت هذه القائمة من الاسماء من قبل قيادة الحزب الشيوعي التي اكدت على ان ما ورد فيها من معلومات يتحمل الحزب مسؤوليتها. الا ان صدام تجاهل كل ذلك واصر على ايصال معلومات كاذبة ومفبركة اعتمدت اساليب التحقيق الهمجية وحسب رؤيا فاشية وعدوانية ولم يسمع صوت العقل وقرر ان تكون هذه فرصة من اجل انهاء التحالف وتوجيه ضربته الى الشيوعيين والديمقراطيين تنفيذا لحسابات وعلاقات مشبوهة لا رابط يربطها بمصلحة الوطن، بل لغايات عدوانية ترتبط بمصالح شخصية وتشبع رغبات الدكتاتور الذي اعتقد انه باق الى الابد وتحت حماية امريكا والدول الرجعية العربية.

    مذكرات اخرى قدمها الحزب للنظام المقبور
    وكانت هناك مجموعات اخرى وبأحكام تبدأ من سنة حتى الاشغال الشاقة المؤبدة حيث ذكر عن احداها (ان هناك 34 شخصا من المحكومين بالاشغال الشاقة المؤبدة وبضمنهم اعضاء في الحزب وانصار من كردستان). وانه لامر غريب ان يسعى الدكتاتور وحكومته الى سجن بعض رفاقنا من المحكومين غيابيا في سنوات 1964 و 1966 (يعني النظام بدأ يبحث عن دفاتر عتيگه)، ليجمعها بوجه الشيوعيين ويراكمها كأخطاء ومبررات لنسف التحالف الذي اصبح يشكل عبئاً على صدام وعصابته. واظيفت احكام وتهم غريبة كالسب والشتم او سماع اغان ممنوعة او نشاطات حزبية عدها النظام خرقا لميثاق الجبهة.
    ومع مرور الايام وجدنا ان البعث الصدامي بدأ يفتعل احداثا وحكايات عن الشيوعيين عدّها خروقا للعمل وعلى الشيوعيين الاعتذار عنها او تفنيدها.
    ونود هنا ان نشير الى بعض المذكرات التي قدمتها قيادة الحزب الى البكر وصدام، وبعض الاتصالات مع قيادات بعثية، كشاهد على ما بذله الحزب من محاولات لإنقاذ الرفاق الشيوعيين واصدقائهم من الموت وعذابات السجن الطويلة.

    ففي مذكرة الى البكر بتاريخ 21/ 6/ 1977 ورد ما يلي:   

    (نضع امام انظاركم قوائم بـ اسماء 88 شخصا من المحكومين بالاعدام او بأحكام مختلفة بعضهم من رفاقنا وآخرون محسوبين علينا الى جانب عدد آخر لم يكونوا معنا في الاصل او تركونا. وكانت اعدادهم كما يلي: 35 شخصاً محكومين بالاعدام صدرت الاحكام بحقهم اعوام 1959 و 1960 و 1961 و 1962. والبعض حكموا باحكام غريبة وقد سبق للحزب ان قدم عنهم مذكرات ومطالبات، لكن لا حياة لمن تنادي.
    واكدت المذكرة مطالبة الحزب الشيوعي بـ 34 رفيقاً وصديقاً من المحكومين لفترات متفاوتة تصل الى السجن المؤبد بسبب معاناتهم وعوائلهم من الاساليب الوحشية التي تمارس ضدهم، اضافة الى 17 من اصدقاء الحزب وهم يتعرضون إلى حرب نفسية وسياسات عدوانية مقصودة لإذلالهم.
    ووجه الحزب مذكرة مهمة اخرى في 12 نيسان 1976 موجهة الى رئيس الجمهورية جاء فيها:
    " نرجو التفضل بالاطلاع على الوثائق الخاصة بـ 26 شخصا من الذين حكموا بالإعدام مؤخراً. آملين ان تنظروا بعين الاهتمام الى هذه القضايا في ضوء المعلومات التي توفرت لدينا حول كل منهم، علما ان غالبيتهم ليسوا اعضاء في حزبنا وقد حكموا بتهمة ممارسة تنظيم شيوعي".

    البكر وعد ولكن!

    بعد لقاءات مكوكية مع البكر حول اطلاق سراح السجناء وانقاذ المحكومين بالإعدام يوضح الراحل عامر عبد الله أنه اعد قوائم بالسجناء واحكامهم وتفاصيل عن التهم الموجهة اليهم. ويقول: "استمرت هذه المناقشات لمدة ثلاثة ايام، وفي اليوم الثالث التقيت البكر ووجدته قد اشر اوليا على عدد من المحكومين بالسجن مدة خمس سنوات فما دون، وأن يدرس مع رئيس الديوان بقية القضايا ومنها احكام الاعدام وسيصدر مرسوما خاصا بهم." واضافت المذكرات ان اي البكر لفت نظر الراحل عامر عبد الله ورجاه ان يجري كل شيء (دون ضجة) وكذلك طلب منه اخبار عوائلهم بذلك. وقال عامر في مذكراته ان احداث تلك الايام وما جرى من احاديث خلالها والرغبة بان يكون اللقاء في بيته وليس في القصر الجمهوري جعلته يقدر أن البكر كان حريصا على ان لا يعرف صدام حسين بما جرى من حديث بيننا رغم انه لاحظ في لقاء اليوم الثاني وجود طارق حمد العبدالله معهم وانه جلس منصتا وصامتا دون ان يتفوه بكلمة واحدة. وقال عامر عبد الله على ان طارق حمد العبدالله استلم منه القوائم الخاصة بالسجناء وقال له: احسنت بكلامك يوم امس مع الرئيس وقد احزنته عندما ذكرت له الظروف الصعبة التي يمر بها السجناء.
    الا ان دفتر الذكريات يقول ان عامر عبد الله احس يومها بان طارق هذا مرسل من صدام لسماع حديثه مع البكر. وقال مضيفاً: كنا قد تعجلنا بإخبار عوائل السجناء بان ابناءهم سيطلق سراحهم قريبا حسب قول وتأكيد البكر. لكننا جوبهنا بعد اكثر من شهر بما جاوز التوقع والحساب، حيث ابلغت الحكومة عوائل (21) من المحكومين بالإعدام بصدور قرار تنفيذ الحكم بهم وبشكل مفاجئ.

    صدام يوقع قرارات التنفيذ

    كان صدام حسين وراء هذا القرار، كما يقول عامر عبد الله في تلك الأوراق، ويضيف: توجهت في صبيحة اليوم الى القصر الجمهوري وطلبت من رئيس الديوان يومذاك (طارق حمد العبدالله) مقابلة فورية مع رئيس الجمهورية. فاتصل على مكتبه بالتلفون، فاعتذر وقال لرئيس الديوان: اعتذر لي منه وابلغ سلامي وقل له (الله كريم). مع هذا بدأنا سلسلة من الاتصالات والمحاولات لإنقاذ رفاقنا واصدقائنا من الموت. وكانت اولى خطواتنا مع اعضاء قيادة البعث مع علمنا انهم لا يملكون حولا ولا قوة، ولكننا اردنا التأثير عليهم وحملهم على العمل لإلغاء هذا العمل الدموي الجائر ولتحذيرهم من عواقب هذا التوجه. وقد التقيت بـ عدنان الحمداني وكنت احسبه متعقلا وصاحب كلمة نافذة عند صدام حسين ولكنه خيب ظني بقوله: ان تنفيذ هذه الاحكام هو بمثابة تحذير للحزب الشيوعي، وانها ستصب في خدمة الجبهة وتجنبها ما يمكن ان يصدع علاقات التحالف بين الحزبين مستقبلاً!
    والتقيت بـ نعيم حداد لنفس الغرض فبدا مغلوبا على امره وكان يفتش عبثا عن تبرير لهذه الفعلة الغاشمة. والتقيت بـ عدنان خيرالله واثار دهشتي بصوته العالي وحالة التوتر والتأزم التي استحوذت عليه. اذ اعرب عن اسفه وعدم قناعته بهذه الاجراء.
    وقد حضر صدام حسين الى اجتماع القيادة وهو في حالة هياج شديد وطلب الموافقة على هذا القرار، مدعيا بان الشيوعيين يرومون القيام بانقلاب عسكري وعلينا ان نوقفهم عند حدهم. وتم تنفيذ احكام الاعدام بالشيوعيين واصدقائهم على وجبتين يومي 17 و 18 أيار 1978 لتسجل مرحلة الجبهة الوطنية اكبر مجزرة وحشية اقترفها صدام حسين بحق حلفائه. حيث تم اعدام 27 من ابناء الوطن اعقبتها بعد ايام حملة اعدام ثانية لـ 12 مناضلا آخرين ليصبح العدد الاجمالي 39 ضحية ولتسجل هذه الجريمة بانها الاكبر في ظل علاقات تحالف جبهوية ومشاركة للشيوعيين في السلطة.

    الاعدام .. الخطوة الاولى لانهيار التحالف

    كانت سياسة التحالف منهجا استراتيجيا للحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه، وانطلاقا من هذا المنهج وجدنا الشيوعيين حريصين على اقامة التحالفات بما يخدم مصالح الشعب وكادحيه. وعلى الرغم من تاريخ البعث ومجازره بحق الشيوعيين والوطنيين خلال فترة حكمه الاولى غداة انقلاب شباط الاسود عام 1963 الا ان مصلحة الشغب والوطن دفعت الشيوعيين الى تجاوز حساسية الماضي والتعامل بتفاؤل وحسن نية، مقابل موقف بعثي ومنهج صدامي مبني على الخديعة والمناورة والكذب والتآمر، هو الذي ساد في مرحلة الجبهة خاصة بعد أن لاحظ رؤوس النظام ما حصل من توسع في جماهيرية الشيوعيين واستقطابهم الشارع بكل اطيافه. كل ذلك جعل الدكتاتور صدام وبطانته يبحثون عن مبررات لإنهاء التحالف وقبر التجربة الجبهوية رغم سلبياتها الشديدة بعد ان كسب منها واستفاد بها كواجهة لعمل عراقي وطني كبير.
    و تحضرني هنا حكاية والدة كاتب هذه السطور والتي سماها أحد الرفاق القياديين (ام الشيوعيين) عندما سألت ضابط معتقل الامن العامة في احدى المواجهات: اگول يوم انتو ليش حبستوهم.. انتو مو جبهة وياهم؟ اجابها الضابط: حجية هذوله خرقوا الميثاق وحبسناهم! اجابت ام الشيوعيين: يمه شلون خرقوا الميثاق مال الجبهة؟ اجابها الضابط: حجية گام يسوون تنظيم بالجيش، ويريدون يسوون انقلاب عسكري على الحكومة.. تقبلين؟ هنا انتبهت ام الشيوعيين وقالت: يمه ذوله فقرة شلون يسوون انقلاب.. مو عدهم اتفاق وياكم! واسترسلت ام الشيوعيين واضافت: يمه لا انقلاب ولا تنظيم عسكري، انتو عبالكم تبلعوهم بالشارع وتبقون وحدكم، فطلعتو هاي الحجة.. تنظيم عسكري وانقلاب وگمتو تحبسوهم وتعدموهم.. هاي اولها وهاي تاليهه.
    انها الحقيقة، هذا هو التحليل البسيط والشعبي الذي عرفته الجماهير بالفطرة. لما يحمله صدام ونظامه تجاه القوى السياسية داخل الجبهة وخارجها لأنه لا يقيم للعهود والمواثيق والاتفاقات اي اعتبار.

    البعث يطالبنا بالتراجع عن تقرير آذار

    مع تدهور الاوضاع والعلاقات السياسية بين حزبنا و(الحزب الحليف) عقدت اللجنة المركزية اجتماعا اعتياديا في آذار عام 1978 وصدر عنه عن الاجتماع تقريرصريح وجريئ طالب الحكام بوقف حملات الاعتقالات ضد الشيوعيين والشروع في ارساء دعائم النظام الديمقراطي وانهاء الفترة الانتقالية واجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستورا دائما للبلاد. ووجه التقرير نقدا لاذعا وقاسياً الى البعث وسياسته، ويومها وبتوجيه من البعث والطغمة الحاكمة جاء الرد على الحزب الشيوعي والتقريرالمذكور من خلال صحيفة "الراصد" التي شنت هجوما مباشرا على حزبنا
    لقد اراد حزب البعث ان ينهي التحالف ويضع حدا للعلاقات معنا ارضاء للانظمة الرجعية في المنطقة وتقربا من الولايات المتحدة الامريكية ومغازلة للغرب وانظمته. ووجد في قضية التنظيم العسكري المزعوم للشيوعيين ذريعة للهجوم . وتلك هي الحقيقة التي أدركها الناس تماماً في الفترة اللاحقة .
    واليوم وقد انقضت أربعة عقود تقريباً على الجريمة النكراء التي اقترفها الدكتاتور ونظامه في حق الشيوعيين واصدقائهم، تبقى ذكرى أولئك الأبطال الشهداء ساطعة متوهجة، فيما لم يبقَ للطاغية ونظامه أثر بعد أن انتهوا سود الوجوه في مزبلة التاريخ.
    لم يكن لدينا الا وسيلة توجيه المذكرات والمناشدات بضرورة وقف التدهور الكبير في العلاقات وكانت هناك مناشدات دولية واممية واحزاب شيوعية والتي اعتبرها البعث تدخلا في الشأن الداخلي العراقي، وعجل بالاعدامات. والغريب ان سلطة البعث قامت بتسيير توابيت الشهداء من امام مبنى مقر الحزب الشيوعي العراقي كدليل على التحدي والاستهانة، وكذلك اقدم صدام على اعدام عوائل كاملة او مجموعة اشخاص من بيت واحد وهذا يؤكد على ان لصدام نوايا واهداف محددة غايتها انهاء العلاقات والبدء بهجوم قاس على الشيوعيين تنفيذا لمصالح واهداف دولية واقليمية وعلى حساب الشعب وجماهير الكادحين.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media