وعرفتُ الحُبّ!
    الجمعة 23 يونيو / حزيران 2017 - 18:38
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    [إنّها الحقيقة أنّنا نحّب الحياة .لا لأنّنا تعودنا الحياة لكن لأنّنا تعوّدنا الحُبّ]   نيتشه

    [[article_title_text]]
    مقدمة :
    طيلة العقد الأخير من حياتي كنتُ أخشى الوقوع فيما يسمونه الحُبّ!
    ليس لأنّي غير مُقتنع أصلاً بوجود حُبّ عُذري حقيقي كما يُبالِغ العوام بوصفهِ ,إضافةً لتجربتي الشخصيّة الفاشلة وتقدّمي في العمر!
    إنّما (وهذا هو الأهمّ) لأنّ الحُبّ عندي يُمثّل أولاً حالة توافق مُتناهية ومصالح مُشتركة بين الطرفين ,نادرة الحدوث تقريباً .هذه تقود لاحقاً (إذا توفرت الظروف الملائمة) الى موّدة ورحمة وحنين وإشتياق مُتبادل!
    ناهيك بالطبع عن الإنجذاب الشخصي الذي يوّلد الشرارة الأولى!
    هذا الإنجذاب يعود تفسيره العلمي ببساطة الى فيرموناتنا!
    [الفيرمونات هي مركبات كيميائيّة مُصنّفة كعطور مُثيرة ,تفرزها بعض الثدييات لجذبِ وإستثارة الجنس الآخر]!
    يصف عالم الفيزياء الموسوعي الأمريكي (روبرت لي پارك) الفيرمونات بأنّها ..(قوادات الطبيعة)!
    ثم يضيف ..لكنّها ليست مُنحلّة بالكامل .فهي كي تُبعدك عن أن تُستثار بفرموناتكَ تجعلك لا تتعلق بمستقبلاتكَ ولا بمستقبلات أقاربك مثلاً!
    (بالطبع زواج العربان بإبنة العمّ والخال والأقارب عموماً هي ضدّ العلم والصحة والتطوّر النافع للبشرية ويوّفر فرصة ملائمة للأمراض والعاهات والتشوّهات المورّثة جينيّا  / لكن هذا موضوع آخر)!
    على كلٍ هرمونات الإستثارة (التستوسترون ,الأستروجين ,الأدرينالين)  
    إضافة الى فيرموناتنا البشريّة ,هي المسؤولة بدرجة كبيرة عن مشاعرنا الإنسانيّة وقراراتنا العاطفيّة!
    إنّها ليست قادرة على تفعيل عواطفنا فحسب ,إنّما أيضاً قادرة على تعطيل قدراتنا النقديّة تجاه مَنْ نُحّبْ ,لإعجوبة صغيرة (يقول روبرت لي پارك) هي أنّنا البشر واقعيّا نكون بلا حَول في وجه هجوم هرموني مُباغِتْ!
    يعني على رأي الشافعي (ومن النادر أن نسمع للعرب شيء مفيد) يقول :
    عينُ الرِضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٍ ,لكن عينَ السخطِ تُبدي المساويا!
    (بس لايجعله زغلول النجار ,إعجاز علمي في القرآن ,تبقى مصيبة)!
    بالطبع غالبيّة الناس يشعرون بالضيق والنفور وعدم التقبّل لو فسّرنا أجمل مشاعرهم الإنسانيّة ولحظاتهم الحميمة ,عِلميّاً!
    لكن هذا يحصل فقط بسبب طريقة تفكيرنا الخاطيء!
    ***
    حكاية حبّ!
    كانت حياتي قد تحوّلت تدريجيّاً الى حياة فرديّة بمعنى الكلمة!
    مُمتناً لبقائي وحيداً أنجزتُ خلال العقد الأخير ما أعتبره سبب وجودي الأهمّ في هذه الحياة!
    أقصد بالتحديد :ترك شيء بعدي يجعل الحياة أفضل على هذا الكوكب!
    مئات من المقالات العلميّة والنفسيّة والإجتماعيّة والسياسيّة والنقديّة للذات أولاً ,ولمجتمعاتنا الغارقة في ظلمات التطرّف والتخلّف ثانياً!
    أعانني على ذلك (بعد حالة الإنفتاح على ثقافة الآخر) مايلي :
    أولاً : مئات الكتب التي قرأتها طيلة حياتي ,لكن أخصّ منها العِلميّة!
    ثانياً : الكومبيوتر والإنترنت ووسائل الحضارة الغربيّة الحُرّة!
    ثالثاً : شعوري  الخاص بأنّي يجب أن اُحدِثَ فرقاً!
    رابعاً :الحُريّة وعوامل وطبيعة الحياة في السويد بدءً من الماء والهواء النقي والبحيرات والغابات والطبيعة الساحرة ,مروراً بنوع البشر وإحترامهم لحقوق الجميع ,وصولاً الى القوانين الرائعة وساعات العمل المعقولة التي توّفر الوقت الكافي للقراءة والكتابة!
    كنتُ أعرف صديقتي (أرورا) منذ بضعة أعوام من خلال النت!
    كنّا قد تبادلنا الحديث وتناقشنا بإقتضاب حيناً وبإسهاب حيناً آخراً عن كثير من عموميّات الحياة وطريقة المعيشة والتفكير والحريّات وتابوهات الفكر في مجتمعاتنا البائسة!
    لم يكن هناك شيء خاص أو شعوراً متبادلاً  أو إحساساً غريباً ينمو بيننا!
    ربّما فارق العمر الذي ينبهني طيلة الوقت لعدم إستغلال هذه الصداقة الرائعة كان حاضراً !
    ما الذي حصلَ فجأةً إذاً ؟
    كيف قَدحت الشرارة الأولى داخلي قبل بضعة أسابيع ؟ .. لا أعلَم!
    هل طغت روحها عليّ الى هذه الدرجة لتجذب كامل إهتمامي؟
    ربّما الرحيل المُفاجيء الصادم لصديقنا المشترك (الذي كان سبب تعارفنا)
    ثمّ لقائنا على النت للحديث عن الموضوع ,أشعل تلك الصبوة داخلي!
    ربّما لكون كلينا شخص غير متطلّب واقعي عِلمي!
    يقول الأمريكان ما معناه/ بعد حضور المأتم الكلّ يحتاج عاطفة وحنان!
    لذا نشاهد في أغلب الأفلام الأمريكيّة ,لقاء حميمي بعد قدّاس الجنازة!
    على كلٍّ أن تكون أغلب تفاصيل ومشاهدات الحياة اليوميّة التي تخصّ الفرح والضحك والسعادة وأشياء الجمال الأخرى ,مرتبطة بإنسان مُحدّد فذاك شيء كبير حقّاً ويزيد من نبض القلب ليجعله (مثل ضفدع يقفز على عشب)!
    ***
    الخلاصة:
    بعدما كنتُ أبحث عن إختراع جهاز يُسجّل أفكار ما قبل النوم بمجرد ورودها على خاطري ,كيّ أحوّلها في اليوم التالي الى مقال ينفع الناس
    أصبحتُ أبدء يومي بسماع كوكب الشرق تنشد :
    بالحُبِّ وحده إنتَ غالي عَليّا!
    أظنّ رغم تقدّم العمر ورغم كلّ شيء ,الحياة يجب أن تستمر!
    وبالطبع كلّما قلَّ تأثير الأديان وإزداد فهمنا وتفاعلنا مع الحياة ,وتوفرّت الظروف الملائمة لفهم أنفسنا والتصالح معها ,إلّا وإزدادت حياتنا جَمالاً وسعادة!
    [اُنثى هي الحياة .أكره هذه الحياة حيناً وأحبّها أحيان ,لا تناقض في ذلك] فريدريك نيتشه !

    رعد الحافظ
    23 يونو 2017
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media