أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ.. الرَّابِعَة (29)
    السبت 24 يونيو / حزيران 2017 - 06:08
    نزار حيدر
       {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

       فبعدَ جهادٍ مستميتٍ خاضهُ العراقيُّونَ من خندقٍ الى جندقٍ وكتِفاً لكتفٍ، ها هم اليوم يحصدونَ النَّصر المؤزَّر على الارهاب! فلقد قطعوا دابرهُ بالتَّضحيات السخيَّة الوحدة الوطنيَّة.

       ولا يخفى على أَحدٍ فانَّ الذي إِنتهى الآن هو الارهاب كقوَّةٍ عسكريَّةٍ تسيطرُ على الأَرضٍ، أَمَّا الارْهابُ كعقيدةٍ فاسدةٍ وقُوى ظلاميَّة تكفيريَّة، فلن ينتهي بهذهِ السُّهولة، إِلّا بالشُّروط التَّالية؛

       ١/ أَن تتعلَّم حواضنهُ من التَّجربة فتأخذ منها عبرةً ودرساً، فلا تثق بالارهابيِّين ومَن يقف خلفهم مرَّةً أُخرى والذين يتلبَّسون بلباس الدِّين وبذريعةِ الدِّفاع عن [المُكوِّن السُّنِّي] ليتمكَّنوا منهم قبل أَن يبدأوا بتنفيذِ خُطَّةٍ تدميريَّةٍ منظَّمةٍ لكلِّ شيء!.

       إِنَّهم لن يحرَصوا على شيءٍ ما خلَت أَهواءهم!.

       على حواضنِ الارهاب أَن تُغيِّر عقليَّتها وطريقة تفكيرها من أَجل أَن لا يتكرَّر المشهد المأساوي والدَّموي مرَّةً أُخرى.

       ٢/ لا يختلف إِثنان في أَنَّ أَصل وجذر الارهاب هو التطرُّف والتزمُّت الدِّيني على وجهِ التَّحديد! وهو الشَّيء الذي إِبتُليَ بهِ العراقيُّونَ اليوم وبِلا إِستثناء! وإِن كانَ بمستوياتٍ متفاوتةٍ! ولذلك ومن أَجل أَن نُنظِّف الْعِراقِ من أَرضيَّة الارهاب، وأَقصد به التطرُّف والتزمُّت واحتكار الحقيقة وإِلغاء الآخر، ينبغي تبنِّي ثقافة الوسطيَّة في كلِّ شيءٍ!.

       لقد وصفَ الله تعالى الأُمَّة الاسلاميَّة بالوسطيَّة في قولهِ تعالى {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} لماذا؟! وما العلَّة في ذلك؟! وما هي فلسفة الوسطيَّة أَساساً؟!.

       تُجيبُ الآيةِ الكريمةِ بقولِها {لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.

       الشَّهادةُ إِذن لا تتحقَّق إِلّا بالوسطيَّة، والتي هي المنطقة بين الإفراط والتَّفريط، بين اللِّين المُفرط والعُنف المُفرط!.

       وإِنَّ الشَّهادة في حقيقة الأَمرِ هي الوسطيَّة التي تكون حجَّة على الجانبَين، الإفراط والتَّفريط، بين مَن يجنح ذات اليمينِ والآخر ذلت الشِّمال! فلولا الوسطيَّة لا تتحقَّق الشَّهادة أَبداً!.

       والوسطيَّةُ هي الاعتدال في جوهرِها!.

       يجب أَن نشيع هذه الثَّقافة في مجتمعِنا لننبذ التطرُّف بكلِّ أَشكالهِ! سواء كان التطرُّف القومي أَو الدِّيني أَو المذهبي أَو الحِزبي والعشائري والى غيرِ ذلك!.

       إِنَّ التطرُّف ظلمٌ للنَّفس بالدَّرجة الأُولى! وهو إِسرافٌ في البُغضِ! ولذلك فانَّ المتطرِّف لا يمكنهُ أَن يتعايشَ مع الآخر، وهوَ يعيش ُحياتهُ مأزوماً معزولاً وربَّما منبوذاً!.

       إِنَّ التطرُّفَ يدمِّرُ كلَّ المجتمع وليس المتطرِّفينَ فقط، ولذلك ينبغي محاصرة الفِكر المُتطرِّف وتضييق الخناقِ وعزلِ أَصحابِ الفكر الشُّمولي والشُّوفيني في مصحَّاتٍ عقليَّةٍ قبل أَن يُدمِّروننا!.

       إِنَّ الكثير من السياسيِّين الحاليِّين شموليُّون في تفكيرهِم وشوفينيُّون في عقليَّتهم وطريقة تفكيرهِم ونظرتهِم للآخر! أَلم تسمعوا بالتَّصريحات التي أَدلى بها أَحدهُم يوم أَمس ضدَّ الكُرد؟! وتحديداً ضدَّ الكُرد الفيليِّين الذين ضحُّوا من أَجْلِ الْعِراقِ بما لم يُضحِّ به غيرهُم، ربَّما، من شرائحِ ومكوِّنات المجتمع العراقي؟! لحفظِ هويَّتهِ وحمايتهِ والدِّفاع عنهُ وبناءهُ.

       إِنَّها الشوفينيَّة التي تُصادر تضحيات النَّاسِ ومساهماتهِم وإنجازاتهِم وتتجاوز على الانتماء وتطعن بالنَّوايا، تارةً باسمِ الدِّين وأُخرى باسمِ القوميَّة وثالثةً باسمِ المذهب وهكذا!.

       ٣/ كما ينبغي أَن نشيع ثقافة المُواطنة لنتجاوز ظواهر التطرُّف الدِّيني والقومي وغيرِها! إِذ كلَّما تمدَّدت مساحة الحسِّ الوطني وترسَّخت في الوعي والسُّلوك كلَّما تقلَّصت المساحات الأُخرى وبالتَّالي إِقتربنا أَكثر فأَكثر من وعي التعدديَّة والتَّنوُّع الذي هو فطرة الله التي فطَر النَّاسَ عليها والتي خلقها الله تعالى من أَجل التَّعارف والتَّعاون والتَّعايش من خلالِ الحِوار، كما في قولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

       فاذا كانَ الله تعالى خلقَ التنوُّع والتعدُّد للتَّعايش الذي يتحقَّق بالتَّعارف فَمَن أَنتَ لتُلغيه؟! ولماذا يسعى البعض لالغاءِ ذلك من خلال إِعتماد لغة التَّعارض والتَّقاطع بين مكوِّنات المجتمع؟! أَلا يعني ذلك أَنَّهم يُحاولونَ المُستحيل؟! وهو الشَّيء الذي أَنتجَ الارهاب؟!.

       يلزم إِشاعة ثقافة التعدديَّة والتَّنوُّع بكلِّ أَشكالِها، وهو الأَمرُ الذي يتطلَّب رفض كلِّ العقائد والمناهج المتطرِّفة وعلى رأسِها العقيدة الوهابيَّة التي تُنتج الفكر التَّكفيري حصراً!.

       ينبغي أَن تنتبه حواضن الارهاب الى ذلك لتحولَ دون إِستيطان الوهابيَّة ومخلَّفاتها في مجتمعهِم مرّةً أُخرى! لأَنَّها ستدمِّرهم إِذا تمكَّنت من أَبنائهِم ومن النَّشء الجديد!.

       ٢٣ حزيران ٢٠١٧

                                لِلتّواصُل؛

    ‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

    ‏Face Book: Nazar Haidar

    ‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

    (804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media