دحر داعش، انتعاش قطاع التأمين ومساهمته في إعادة البناء
    السبت 15 يوليو / تموز 2017 - 07:00
    مصباح كمال*
    نشر د. بارق شُبَّر، المنسق العام لشبكة الاقتصاديين العراقيين في الموقع الرسمي للشبكة تهنئةً للامة العراقية وجيشها الشجاع، حملت مشاعر نتشارك بها، وركَّز فيها على القضية الاقتصادية بمناشدة:
    "قيادات الدولة ومؤسساتها على الاسراع بالبدء بعملية اعادة الاعمار واعادة المهجرين الى مدنهم ومساكنهم، ونناشد رئيس الحكومة واعضاء مجلس النواب على التوجه نحو التركيز على الملف الاقتصادي وتنفيذ الاصلاحات الموعودة ومحاربة الفساد في جميع مفاصل الدولة والمجتمع."

    وبودنا هنا تقديم بعض الملاحظات الأولية عن دور قطاع التأمين في المساهمة ببرنامج إعادة الإعمار المرتقب.

    بعد أن سقطت الموصل، فيما يبدو في غفلة وهي ليست كذلك، كتبتُ مقالةً بعنوان "آثار داعش على قطاع التأمين العراقي."   واليوم، بعد الانتصار العسكري على داعش (المهمة الفكرية والسياسية ما زالت قائمة) ينهض العديد من المهام الاقتصادية وغيرها يستوجب بعضها حلولاً سريعة لاحتواء الآثار الإنسانية العميقة، التي طالت أعداداً كبيرة من المواطنين، واستعادة النسيج الاجتماعي والروابط الاقتصادية لإدارة الحياة العامة والتمهيد لاستعادة دورة الاقتصاد في نينوى.  وهناك، في ظنّي، دورٌ للتأمين الذي انحسر من نينوى منذ 2014 وتعرضت خلاله بناية شركة التأمين الوطنية-فرع الموصل (تصميم المعمار رفعة الجادرجي) إلى أضرار مادية (كسر زجاج النوافذ وسرقة مسلحي داعش لبطاريات المولدات الكهربائية من البناية).

    يمكن لشركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية العامتين، وكذلك شركات التأمين الخاصة التي كانت لها فروعٌ في الموصل، أن تبادر إلى إعادة فتح مكاتبها كجزء من حملة إعادة البناء لاستعادة روتين العمل فيها (هذا ما عملته شركات التأمين الألمانية بعد دحر النازية)،  والنظر في مطالبات التعويض المقدمة قبل 10 حزيران 2014، ما قبل داعش، التي باتت مُعلقةً بسبب احتلال داعش للموصل.  وبذلك توفر تدفقاً نقدياً بسيطاً لأصحاب هذه المطالبات لاستعادة ما كانوا يمارسونه من نشاط إنتاجي.

    وبالطبع فإن جميع الأضرار والخسائر المترتبة على العمليات الحربية مستثناة من وثائق التأمين الصادرة في العراق مما يعني أن مسؤولية تعويض المتضررين، من حملة وثائق التأمين وغيرهم، تقع على عاتق الدولة؛ ومن الضروري تأسيس صندوق طوارئ متخصص لهذا الغرض (يمكن لجمعية التأمين العراقية أن تقدم رؤية لكيفية إدارة مثل هذا الصندوق للتعويضات).

    من المتوقع، وهذا ما نتمناه، أن تبدأ حملة إعادة الإعمار خلال هذه السنة، وهذه ستشمل إعادة بناء البنية التحتية، الخدمات والمنشآت الأساسية كالكهرباء والماء والجسور والطرق، ودور السكن والمدارس والمعاهد وغيرها.  وكل هذه ستتم بموجب عقود إنشائية من المفترض فيها أن تضمَّ بنوداً حول اشتراط إجراء التأمين مع شركات تأمين مسجلة في العراق ومرخَّصة لمزاولة التأمين من قبل ديوان التأمين العراقي.  مثل هذا التخصيص ضروريٌ للحيلولة دون تسرُّب أقساط تأمين مشاريع إعادة الإعمار إلى خارج العراق، وبذلك تُحرم شركات التأمين العراقية من الاكتتاب في تأمينها مثلما تُحرم خزينة الدولة من الضرائب والرسوم الناشئة عن النشاط التأميني.

    ومن المفيد هنا أن نقتبس ما صرَّح به الخبير الاقتصادي أحمد بريهي لجريدة المدى بتاريخ 12 تموز 2017 إذ ركَّز على الانطلاق من القدرات الذاتية المحلية بالقول:

    "اننا لغاية الآن نسمع الحديث يركز على المال والانفاق وهذا خطأ كبير، لأن المطلوب في العراق من الآن النهوض بالقدرة الوطنية على البناء والاعمار وضمان وجود شركات متخصصة قادرة تشكلها الحكومة بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، مع أو بدون شركات اجنبية، وهنا نضمن وجود شركات وطنية نزيهة وكفوءة وطنية بالمشاركة مع جهات اجنبية، وهذه الشركات يمكن أن تكون فعلاً قادرة على الاعمار، الآن المسألة ليست متعلقة بإنفاق الاموال، فنحن انفقنا الكثير والكثير جداً منها ولم نحصل على شيء لأن القدرة الوطنية للبناء في العراق واطئة جداً."

    هذا التوجه الوطني، الذي يُعطي للدولة دورها في توجيه إعادة الإعمار، من شأنه تحريك الطاقات الكامنة داخل العراق ممثلة بالقطاع العام والخاص معاً.

    يمكن لبعض شركات التأمين العراقية، التي تمتلك احتياطيات مالية كبيرة، تزيد عن ما هو مطلوب فنياً لمقابلة التزاماتها تجاه المؤمَن لهم، زيادة الاستثمار في بعض المشاريع الصغيرة بدلاً من الاكتفاء بشراء أسهم شركات أخرى.  كما يمكن لها أن تساهم بشكل أكبر في توفير الحماية التأمينية للقروض الصغيرة، كقروض بناء وإعادة بناء المساكن، وبأسعار وشروط غير مرهقة.

    من المؤمل أن تشهد فترة ما بعد داعش استقراراً وتعزيزاً أفضل للأمن وانتعاشاً اقتصادياً قد يزيد من حجم الاستثمار ويحوّل العراق إلى ورشة عمل وإنشاء كبيرين، وهو ما يخلق أرضية للطلب الفعّال على الحماية التأمينية.  والأمل معقود على شركات التأمين العراقية للاستفادة من هذا الوضع الجديد لتطوير إمكانيات كوادرها وقدراتها الفنية.

    ربما نكون متطرفين في التحذير من لجوء داعش وخلاياه النائمة والحية، داخل وخارج العراق، إلى الإرهاب السِيبراني بعد فقدان قوته العسكرية وجغرافيته في العراق، من باب الثأر والانتقام وتعطيل الأعمال الرسمية وغير الرسمية.

    آمل أن تساهم هذه الملاحظات السريعة في إذكاء النقاش بين المهتمين بالشأن التأميني في تعميق التفكير بما يمكن لشركات التأمين العراقية تقديمه في إعادة الإعمار.

    (*) باحث وكاتب في قضايا التأمين

    حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر.14  تموز 2017
    http://iraqieconomists.net/
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media