تطوير الحقول الحدودية واستغلال الغاز الطبيعي في ذي قار.. مشاريع مهمة ولكن العقود مبهمة وتفتقر الشفافية
    الأحد 16 يوليو / تموز 2017 - 15:09
    Ahmad Mousa Jiyad
    أحمد موسى جياد
    Iraq/ Development Consultancy and Research, Norway
    تم في ألأيام القليلة الماضية نشر بعض المعلومات عن وزارة النفط تتعلق بموضوعين او مشروعين مهمين كل منهما له تاثير مباشر وفاعل على ألاقتصاد العراقي وعلى المصلحة الوطنية؛ حيث يتعلق ألأول بالحقول الحدودية مع كل من ايران والكويت، والثاني يتعلق باستغلال الغاز الطبيعي المصاحب من حقلي نفط الناصرية والغراف في محافظة ذي قار.  وكانت مصادر هذه المعلومات هي 1- بيانات المكتب ألأعلامي للوزارة المتعلقة بزيارة وزير النفط الى محافظة ميسان؛ 2- مقابلة مديرعام دائرة العقود في الوزارة عبد المهدي العميدي مع تقرير نفط العراق (أى أو أر) ونشرت بتاريخ 10 تموز و3- بيان المكتب ألأعلامي للوزارة المؤرخ في 11 تموز و4- ألأعلان المصحح للمديرية العامة للعقود في الوزارة المؤرخ 12 تموز  5- بيان المكتب ألأعلامي للوزارة المؤرخ في 13 تموز المتعلق بموضوع الغاز المصاحب وغيرها من المصادر الرسمية التي يشار اليها في سياق البحث.

    بعد الإطلاع وبدقة على ما ورد  في المصادر المذكورة اعلاه تم تحليل ما يتعلق بكلي المشروعين وبيان الملاحظات وتشخيص النواقص والعيوب والسلبيات وتقديم المقترحات والبدائل العملية التي أأمل ان تنال اهتمام الوزارة وخاصة تلك التي تتعلق بالجهد الوطني في تطوير الحقول الحدودية وصيغة العقود ومكوناتها وعملية التعاقد. كما تم تشخيص بوضوح مدى وإنعكاسات  انعدام  التنافسية والشفافية والتي تقود بالضرورة الى التشكيك في نزاهة العملية التعاقدية. ولابد من التذكير ان الدستور العراقي  يؤكد على امرين اساسيين لهما علاقة مباشرة بهذين المشروعين: الاول يتعلق بتحقيق "أعلى منفعة للشعب العراقي" و الثاني اعتماد "احدث تقنيات مباديء السوق"؛ وفي ضوء ما تم عرضه وتحليله في ادناه يتضح ان الوزارة لم تمتثل لهذه المتطلبات الدستورية الملزمة.

    الموضوع الاول: تطوير "الرقع الاستكشافية الحدودية "

    حسب بيان الوزارة اعلن وزير النفط "اطلاق مشاريع لاستكشاف وتاهيل وتطوير انتاج تسعة من الرقع الاستكشافية والحقول النفطية الحدودية البرية والبحرية في جنوب ووسط العراق . وقال وزير النفط ان عملية التطوير والتاهيل تشمل الرقع الاستكشافية ( خضر الماء وجبل سنام وام قصر) التي تقع على الحدود العراقية الكويتية ، كما ستشمل مشاريع التاهيل الرقع الاستكشافية الواقعة على الحدود العراقية الايرانية وهي (رقع السندباد والحويزة والشهابي وزرباطية ونفط خانة)"،" اما الرقع الاستكشافية البحرية فقد شملت رقع الخليج العربي التي تقع ضمن المياه الاقليمية العراقية في الخليج"

    قبل البدء في تقييم المضامين ألأساسية في اعلان وتوجهات الوزارة بهذا ألشأن ارى من الضروري توفير مقدمة موجزة حول خصوصية وأولوية تطوير الحقول الحدودية.

    انني ادعم بشدة قيام العراق بتطوير حقوله الحدودية بغض النظر عن "الجدوى الأقتصادية المقارنة" التي تحدد اولويات تطوير الحقول والمفاضلة بينها والتوقيت الزمني لها. والسبب يعود في ألأساس الى مبدأ او "قاعدة ألأستحواذ- رول اف كابتجر" الذي عادة ما يحكم تطوير مثل هذه الحقول (ليس فقط بين الدول بل حتى بين الرقع ألأستكشافية والحقول المشتركة في الدولة الواحدة) في حالة عدم وجود او ألاتفاق على صيغة "الوحدانية- يونيتايزشن".

    ومن الممارسات المعروفة دوليا ان الجهة التي تقوم بتطوير الحقل المشترك قبل (او بدون التعاون مع) غيرها فان عملية التطوير تستند على استراتيجية تعاظم ألانتاج (ماكسمايزيشن) بأقصر فترة زمنية مما يضمن استخراج اكبر كمية من ألاحتياطي المؤكد (بروفن رزيرف) دون اعتبار لمباديء "نسبة الكفاءة القصوى-أم إي أر" و"ألادارة الحكيمة للمكامن البترولية"  او تعزيز "معامل ألأستخلاص- ركوفري فاكتر" في المديين المتوسط والبعيد. كما يتم اضافة الى ذلك اللجوء الى اسلوب الحفر المائل والحفر ألأفقي للتوغل اكثر في المكمن لتسريع وتائرالأنتاج وزيادته.  ومن المنطقي ان تقود هذه ألأستراتيجية الى نتائج  سلبية على المكمن البترولي وخاصة ظاهرة "النضوب غير الناجز او المبكر – بري متجور دبليشن" مما يعني بقاء كميات كبيرة من الاحتياطي في المكمن ولكن لا يمكن استخراجها إلا باستخدام تكنولوجيا متقدمة وبتكاليف عالية جداً مما قد يلغي الجدوى من استخراجها.

    ولتجنب الخسائر او النتائج المترتبة على التطوير احادي الجانب للحقول المشتركة يتم اللجوء عادة الى البدائل التالية:

    التطويرالتنافسي المتبادل؛ اي تطوير احادي الجانب المتبادل (من قبل الطرف اوألأطراف المعنية بالحقل المشترك او الرقع المتجاورة ذات التراكيب او الطبقات الجيولوجية المشتركة). وبموجب هذا البديل فإن كل طرف يتبنى استراتيجية تنافسية وما يترتب من نتائج على المكمن البترولي (كما ذكر اعلاه). وعادة ما تكون الحقول الحدودية المشتركة اساساً للخلافات الدولية وألأمثلة على ذلك عديدة ومنها ما حصل بين العراق وايران والكويت. وفي حالة الرقع المتجاورة ضمن البلد الواحد يتم عادة اللجوء الى الأجراءات القانونية لمعالجة التجاوزات كما حصل في الهند في شهر تشرين الثاني 2016؛ حيث طلبت الحكومة الهندية من الشركات التي تطور احدى الرقع البحرية مبلغ 1.55 بليون دولار عن "الغازالطبيعي الذي هاجر الى هذه الرقعة من الرقع المجاورة".

    التطويرالتعاوني المشترك؛ اي موافقة ألأطراف المعنية على التطوير المشترك وخاصة من خلال تبني صيغة "الوحدانية- يونيتايزشن" والتي يعهد بهى الى شركة نفطية متخصصة يتفق عليها من الطرفين ووفق عقد ثلاثي (على ألأقل) ألأطراف. بموجب هذا البديل يكون تطوير الحقل (فرضيا ومنطقيا) اكثر تناغماً مع الممارسات السليمة في الصناعة الاستخراجية. وفي حالة كون الحقل المشترك بين دول (متجاورة) يكون عقد التطوير بصيغة "الوحدانية- يونيتايزشن" معقدا وطويلا ويتطلب تغطية ثلاثة اعتبارات و متطلبات اساسية: الاول يتضمن اعتبارات القانون الدولي العام والمتعلقة بالمسائل السيادية والمعاهدات والعلاقات الدولية (الثنائية ومتعددة ألأطراف)؛ الثاني يتضمن نوعية ومجمل الجوانب التعاقدية والمالية والاقتصادية والتنظيمية والعملياتية؛ اما الثالث فيتضمن الجوانب الفنية وخاصة الجيولوجية المتعلقة بمختلف الابعاد والخصائص الجيولوجية للحقل المعني وتراكيبه. وقد يتطلب التوصل الى العقد النهائي جهود  ومهارات تفاوضية متكاملة ويستغرق وقتاً طويلاً. فمثلاً استغرقت المفاوضات الروسية النرويجية اكثر من 40 عاماً قبل ان تتوصلا ( في 2010) الى إتفاق بشأن البحث عن النفط والغاز وحفر ألأبار على حدودهما المشتركة في القطب الشمالي. ومن الجدير بالذكر ان مكاتب الخبرة والمحاماة الدولية قد طورت نماذج عقود متخصصة بصيغة "الوحدانية- يونيتايزشن".

    وبعد التقديم الموجز اعلاه وفي ضوء ما تقدم اعود لمناقشة اعلان الوزارة المتعلق بتطوير الرقع ألاستكشافية الحدودية

    اولا: رقع استكشافية ام حقول مكتشفة

    من الغريب ان يتم تشخص هذه المواقع على انها "رقع استكشافية" وهي ليست كذلك ويحدد عددها بتسعة وهي ليست كذلك ايضاً. فجميع "الرقع ألاستكشافية" باستثناء "الرقعة البحرية" هي حقول مكتشفة ومنذ سنوات بل وبعضها منذ عقود عديدة وقسم منها كان منتجا ً.

    وفي ضوء المعلومات الرسمية لوزارة النفط الخاصة بالاحتياطيات النفطية التي تم نشرها في شهر تشرين اول 2010 نورد ألأمثلة التالية التي تدحض تماماً ما طرح في ألاعلان. فحقل نفط خانة من الحقول المنتجة في منتصف القرن الماضي بحيث اصبح الاحتياطي المتبقي فيه يشكل نسبة 1.5% من الأحتياطي المؤكد (بروفن رزيرف) وبمعامل استخلاص قدره 49.3%.

    اما حقل الحويزة فقد بوشر بحفر اول بئر في نهاية السبعينات من القرن الماضي ولم يتم اكمال الحفر بسبب الحرب الايرانية العراقية. وحسب المعلومات التي قدمها مدير عام شركة نفط ميسان عدنان نوشي ساجن (حسب موقع وزارة النفط بتاريخ 5 كانون اول 2016) ان ألأحتياطي المؤكد للحقل يقدر بحدود 219 مليون برميل مما يؤهل الحقل لانتاج ما بين 20 الى 30 الف برميل يومياً بعد استكمال عمليات التطوير.(علماً ان معلومات الوزارة تشير الى ان الاحتياطي المتبقي يقدر بحدود 480 مليون برميل ويشكل نسبة 100% من الأحتياطي المؤكد (بروفن رزيرف) وبمعامل استخلاص قدره 20.9% حيث لازال الحقل بكرا (كرين فيلد) لم يتم تطويره بعد.

    ونفس ألأمر ينطبق على حقل السندباد. فحسب ما صرح به  خالد حمزة عباس معاون مدير عام شؤون الحقول في شركة نفط الجنوب (البصرة) في شهر شباط الماضي بانه تم حفر بئرين من مجموع خمسة ابار نفطية واشار الى بدء الانتاج بين 3 الى 6 أشهر. (علماً ان معلومات الوزارة لعام 2010 المشار اليها اعلاه لم تتضمن هذا الحقل)

    وفبما يتعلق بعدد "الرقع" فهو غير دقيق أيضاً. حيث تشير معلومات دائرة العقود في الوزارة مثلاً ان "رقعة" الحويزة تتضمن حقل الحويزة وتركيب الحويزة الجنوبي؛ و"رقعة" نفط خانة تتضمن تركيب نفط خانة الجنوبي وحقول نفط خانة، ناودومان وتل غزال.(علماً ان كل من حقلي ناودومان وتل غزال هي من الحقول البكر حيث يقدر ألاحتياطي المؤكد للاول 100 مليون برميل والثاني 10 مليون برميل وبمعامل استخلاص قدره 15% لكل منهما)

    ما يهم في هذا ألأمر ليس فقط عدم دقة المعلومات بإطلاق صفة "رقع استكشافية" على "حقول مكتشفة" اوعددها بل ألأخطر هو التبعات المادية (القانونية للعقود حيث كما هو معروف ان عقود الرقع ألاستكشافية تصاغ على اساس ارتفاع مخاطر الاعمال (بزنس رسكس) ومعامل اللايقين (انسرتنسي)) والمعنوية (التي تعطي الانطباع بان الذين لا يستطيعون التمييز بين الرقعة ألاستكشافية والحقل المكتشف لا يمكنهم فهم العقود المعقدة والتي يتم صياغتها من قبل تلك الشركات بشكل قانوني يضمن المصلحة القصوى للشركة الاجنبية) خاصة بعد ان تطلع الشركات المعنية على حقيبة المعلومات التي ستهيئها المديرية العامة للعقود في الوزارة.    

    ثانيا: تفضيل الشركات ألأجنبية وعلى الجهد الوطني

    كل المؤشرات والمعلومات المتوفرة تدل على ان جميع هذه الرقع الاستكشافية (او الحقول المكتشفة) سيتم احالتها على الشركات النفطية ألأجنبية ولن يتم تطويرها بالجهد الوطني. وفي هذا الشأن لابد من تسجيل الملاحظات التالية:

    (1)- على الرغم من تصريحاته التي يقول فيها بانه يدعم الجهد الوطني في تطوير الحقول فان جميع ممارسات وزير النفط الحالي تتناقض تماماً مع تصريحاته. فقد سبق وان اقترح على مجلس محافظة كربلاء باحالة حقول الفرات ألأوسط الثلاثة على الشركات الاجنبية، ثم عرض 12 حقلا متوسطاً وصغيراً بنفس الصيغة؛ كذلك وعد بتخصيص حقلين لمحافظة البصرة؛ ثم تفاوض مع شركة اكسون موبل لارتهان حقلي ارطاوي ونهر بن عمر؛ واخيرأ هذه الحقول الحدودية. فماذا سيترك للجهد الوطني او لشركة النفط الوطنية؟؟؟؟؟

    (2)- ان هذا التوجه نحو الشركات ألأجنبية يتعارض ايضاً وبوضوح مع خطط الشركات الوطنية في المحافظات المنتجة والتي تهدف الى تطوير الحقول بالجهد الوطني مما يعني ان الوزير فرض ويفرض تفضيله للشركات ألأجنبية على حساب الجهد الوطني!!!. فقد قال مدير عام شركة نفط ميسان عدنان نوشي ساجت (حسب موقع وزارة النفط بتاريخ 5 كانون اول 2016) بشأن حقل الحويزة أن "خطة تطوير الحقل ستبدأ في العام الجديد وبالجهد الوطني".  كما وأشار خالد حمزة عباس معاون مدير عام شؤون الحقول في شركة نفط الجنوب (البصرة) في شهر شباط الماضي الى بدء الأنتاج  في حقل السندباد بين 3 الى 6 أشهر.

    (3)- لقد سبق وان صرح وزير النفط (خلال مقابلته مع الشرقية والتي تناولتها في حينه) بأنه ليس للعراق الحق في مناقشة الحقول الحدودية مع الكويت عندما تكون تلك الحقول محالة للشركات ألاجنبية (بموجب جولات التراخيص). فاذا كان الامر كذلك فما هو سبب اصرار الوزير على احالة هذه الحقول والرقع الحدودية  الى الشركات ألأجنبية وهو على علم تام بان هذه الاحالات ستجرد العراق من حقوقه القانونية والسيادية؟؟؟ اضافة الى ذلك وحسب تصريحات وكيل الوزارة ألأقدم فياض نعمة في شهر نيسان 2016 بان العراق وقع مذكرة تفاهم مع الكويت بشان التطوير بصيغة "الوحدانية- يونيتايزشن"  وان الوزارة اعدت مذكرة مماثلة مع ايران.

    ثالثا: التنافسية والشفافية ونوعية العقود

    تطلب وزارة النفط "الحصول على مقترحات الشركات المؤهلة المشاركة بالمشروع المتعلقة بالنماذج التجارية للعقود النفطية لغرض اعتماد الافضل منها والذي يحقق مصلحة الطرفين". لابد من وقفة تقييمية جدية حول هذا الأمر الهام جداً.

    (1)- ليس في تاريخ العلاقات النفطية بين اية دولة نامية وشركات النفط الدولية ما يشير الى قيام تلك الدولة بعرض هذا العدد من الحقول والرقع وتطلب في نفس الوقت من تلك الشركات تقديم العقود الحاكمة لمشاريع تطوير تلك الحقول والرقع. فلا الشواهد التاريخية ولا الاعتبارات العملية ولا ألممارسات التفاوضية ولا  تحقيق المصلحة الوطنية ولا المسائل ألاعتبارية لبلد تقارب صناعة النفط فيه من عتبة قرن كامل تبرر هذا الطلب!!

    (2)- من اساسيات ومباديء وممارسات المفاوضات الدولية ان من يعد المسودة  الاساسية (للعقد اوالاتفاقية اومذكرة التفاهم الخ) يحصل على قوة تفاوضية اكثر من الذي يستلم تلك المسودة. وفي حالتنا هذه فان الشركات النفطية الدولية (بسبب خبرتها  التفاوضية وامكانياتها القانونية والفنية والمالية والتعاقدية والبشرية المتخصصة) ستعمد ( منطقيا) الى تقديم صيغة او شروط عقد يحقق اعلى سقف لمصلحتها وان اي تنازلات تفاوضية لاحقة مهما تتعدد اشكالها ستترك ذلك العقد لصالحها اكثر من ان يكون لصالح الطرف الاخر (وزارة النفط). وهنا علينا ان نتذكر ارقام اجور الخدمة "العالية جداً" التي قدمتها الشركات النفطية في جولات التراخيص مقارنة بألأرقام "التعاقدية" التي قبلت بها تلك الشركات ومنها مثلاً تلك الخاصة بحقول ميسان الثلاث حيث كان التباين بين الرقمين يعادل عشرة أضعاف تقريباً ونفس ألأمر ينطبق على عقد حقل الزبير. وانني ارى من السذاجة ان نتوقع من الشركات النفطية الدولية تقدم ما "يحقق مصلحة الطرفين" كاساس للتفاوض!!

    (3)- ويصبح الامر اكثر صعوبة وتعقيداً في حالة "عدم التوازن النوعي والكمي" بين  الامكانيات البشرية والتنظيمية  للاطراف التفاوضية. وكما موضح اعلاه فان ما تعرضه وزارة النفط يصنف الى ثلاث مجموعات: حقول منتجة؛ حقول مكتشفة (تم في قسم منها حفر ابار ولم يتم الحفر في بعضها ألأخر) ورقعة استكشافية بحرية واحدة. ان كل مجموعة سيكون لها عقد خاص يختلف جوهريا (بدرجات متفاوتة) عن عقدي المجموعتين. يضاف الى ذلك ان اعلان الوزارة اشار الى تسع رقع فقط في حين ان تفاصيل الأعلان تشير الى 12 رقعة وتركيب جيولوجي وحقل. ولو افترضنا جدلا ان هناك شركة واحدة (منفردة او إئتلاف شركات) لكل من الرقع التسعة فسيكون امام وزارة النفط على ألأقل تسعة عقود متباينة تماماً. وهنا تبرز التساؤلات التالية والتي على وزارة النفط اخذها بنظر الأعتبار:

                هل تملك دائرة العقود في الوزارة الامكانيات البشرية والمعرفية لتحليل وتقييم العقود المقدمة من تلك الشركات؟

    ماهي معايير اختيار العقد في حالة عدم وجود عرض تنافسي؟

    ماهي المعايير التنافسية للمفاضلة في حالة وجود اكثر من عرض لأية رقعة؟ (لم تذكر دائرة العقود في اعلانها هذه المعايير ولا متى ستعلنها)

    (4)- كما وأوضحت المعلومات والتصريحات الرسمية ان صيغة العقد ستتضمن "المسوحات الزلزالية وحفر الابار الاستكشافية والتقييمية وبرامج مسح وازالة الالغام والاجسام غيرالمنفلقة وانتاج النفط الخام والاستغلال الامثل للغاز الحر او الغاز المصاحب، وتوفير التمويل والخبرات والتكنولوجيا والمعدات والمكائن والخدمات ".

    وهذا يعني ان مدة العقد (بغض النظر عن طبيعته القانونية) ستكون بالضرورة بعيدة المدى قد تتجاوز 15 عاماً؛ ولكن ذلك يتوقف على خطط التطوير التي تحدد مستوى الانتاج في ضوء الاحتياطي المؤكد للحقل المعني.

    (5)- خلال مقابلته مع تقرير نفط العراق (إرأوأر) بين مديرعام دائرة العقود عبد المهدي العميدي بما معناه ان الوزارة ستقوم باعداد نموذج العقد النهائي بعد استلامها لمقترحات الشركات الخاصة بالشروط التجارية (المالية) مؤكداً ان الوزارة لن توقع عقود مشاركة في ألإنتاج؛ ولكنه اشار الى عقد يتضمن "توزيع ألأرباح". . وفي هذا الخصوص ارى من الضروري  جداً  ما يلي:

    (أ)- تجنب استخدام "عقد توزيع الارباح" لان هذا العقد ربما يشكل (من النواحي القانونية والإقتصادية والفعلية) الجانب النقدي لعقد المشاركة في ألإنتاج؛ وخاصة عندما يوفر هذا العقد للشركة الاجنبية "حق امتلاك الارباح المستقبلية (فيوتر بروفت تايتل كليم)"؛

    (ب)- على الوزارة الاستفادة من تجربة عقود جولات التراخيص وتجنب نواقصها وخاصة ما يتعلق بنسبة استرداد الكلف الراسمالية وهيكلية تسديد رصيدها المتبقي. وفي هذا المجال هناك العديد من البدائل الممكنة التي تعتمد على نوعية الحقل او الرقعة الاستكشافية؛

    (ج)- تحديد "المعايير التنافسية" للمفاضلة بين العروض المقدمة من الشركات بعد دراسة وتقييم تلك المعايير بشكل سليم ومهني وضمن افتراضات عديدة.

    (د)وقد يكون من المفيد جداً قيام دائرة العقود في الوزارة بعرض ومناقشة وتقييم  كل من بدائل "توزيع ألأرباح" و"نسبة وهيكلية استرداد  الكلف الراسمالية" و"المعايير التنافسية" و "نموذج العقد ألنهائي" بشكل مستفيض ومهني ومتأني قبل عرضها على الشركات ألأجنبية؛ وربما من المفيد إشراك الخبراء والمعنيين بالعقود النفطية من العراقيين خارج القطاع النفطي في هذه المناقشة.

    (ه)- كذلك اجد من الضروري جداً تضمين فقرة في "نموذج العقد النهائي" تتعلق بحق العراق في شمول الحقل المعني بصيغة "الوحدانية- يونيتايزشن"  عند الضرورة؛ على الرغم من انني ارى ان يتم تطوير الحقول الحدودية بالجهد الوطني فقط لاعتبارات اقتصادية وعملية وخاصة في حالة الاتفاق علي تفعيل صيغة "الوحدانية- يونيتايزشن" مع ايران او الكويت في المستقيل المنظور.

    الموضوع الثاني: باستغلال الغاز الطبيعي المصاحب من حقول نفط الناصرية والغراف في محافظة ذي قار

    ان استمرار حرق الغاز الطبيعي المصاحب يشكل احد شواهد فشل السياسة النفطية في العراق. وعلى الرغم من ان عقود جولة التراخيص الثانية تلزم كل من الوزارة والشركات المتعاقدة استغلال الغاز المصاحب وان شركة غاز البصرة (كمشروع مشترك مع كل من شركتي شل ومتسوبيشي) تستخدم بعض من الغاز المصاحب المنتج من بعض الحقول الجنوبية؛ الا ان نسبة حرق الغاز لازالت مرتفعة وتتزايد طردياً مع تزايد انتاج النفط مسببة اضراراً بيئية مؤثرة وخسائر اقتصادية هائلة. ورغم كل التصريحات والوعود والخطط فان نسبة حرق الغاز المصاحب قد ازدادت من 72% في شهر كانون ثاني الى 75% في شهر نيسان من هذا العام.

    وفي هذا المجال اعلنت وزارة النفط (13 تموز 2017) بانه تم توقيع عقد مشروع استغلال الغاز المصاحب في حقلي الناصرية والغراف مع شركة جنرال الكترك (متمثلة بشركة بيكرهيوز) حيث يتم تنفيذه على مرحلتين وعند اكتماله يكون بقدرة 200 مليون مقمق وسيتم توفير الغاز الجاف لمحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصدير أطنان من غاز البترول المسال والمكثفات.

    من الجدير بالذكر ان هذا المشروع هو من نتائج "اتفاقية المشاركة" وهي ألأولى من نوعها التي وقعتها الوزارة مع شركة جنرال الكترك (جي إي نفط وغاز) في شهر نيسان من عام 2016 (في وقت الوزير السابق) وتغطي عدة مجالات وأنشطة في  قطاع النفط والغاز والطاقة الكهربائية.

    ومن الطبيعي القول أن اي مشروع جدي لاستغلال الغاز المصاحب يشكل اضافة نوعية مهمة للاقتصاد العراقي يستحق الدعم وألاسناد؛ إلا ان ذلك يتطلب اعداد دراسة الجدوى ألأقتصادية الرصينة والواقعية من جهة والشفافية الكاملة للعقود المتعلقة بذلك المشروع. وهذا ما لم تفعله او توضحه وزارة النفط.

    (1)- لم تعلن وزارة النفط لحد تأريخه اية تفاصيل تتعلق بمضامين وشروط أتفاقية المشاركه المذكورة اعلاه ولا الاطر القانونية الحاكمة وخاصة ما يتعلق بالمسائل المالية. ونضراً لكون وزارة النفط هي التي وقعت هذه ألإتفاقية فإنها من الناحبة الدستورية تعتبر اتفاقية دولية مما يحتم موافقة البرلمان العراقي عليها بقانون ينشر في الجريدة الرسمية- الوقائع العراقية، فهل تم ذالك؟

    (2)- كذلك لم توضح الوزارة ماهية الألتزامات القانونية والتعاقدية لكل من (او بين) شركة جنرال الكترك و شركة بيكرهيوز.

    (3)- من الواضح ان هذا المشروع قد احيل الى الشركة بطريقة مباشرة وبدون اعلان وبدون اي عرض تنافسي.

    (4)- كما لم يتم نشر او تقديم اية معلومات تتعلق بالعقد الخاص بهذا المشروع او شروطه ألأساسية؛ وعليه فإن افتقاد كل من التنافسية والشفافية تزيد من احتمالية الشك في نزاهة العقد حيث من الثابت دولياً وقانونياً ان التنافسية والشفافية والنزاهة هي ضمن الاعمدة ألأساسية للحوكمة الرشيدة والضامنة لتحقيق مبدأ "قيمة للمال- فاليو فورمني".

    (5)- وليس من المعروف فيما اذا تم ام لم يتم اعداد الجدوى الفنية ألأقتصادية للمشروع وحجم التدفقات النقدية (كلف راسمالية وتشغيلية وعوائد) السنوية وألأجمالية؛ هيكلية ومصادر وشروط التمويل؛ معدل المردود الداخلي (أي أر أر)؛ المفاضلة بين البدائل الفنية المتاحة وغيرها من المسائل التي تتناولها عادة دراسات الجدوى للمشاريع.

    وختاماً لابد من التذكير ان الدستور العراقي (في المادة 112 –ثانياً) يؤكد على امرين اساسيين لهما علاقة مباشرة بالموضوعين التي تمت مناقشتهما اعلاه: الاول يتعلق بتحقيق "أعلى منفعة للشعب العراقي" و الثاني اعتماد "احدث تقنيات مباديء السوق"؛ وفي ضوء ما تم عرضه وتحليله يتضح ان الوزارة لم تمتثل لهذه المتطلبات الدستورية الملزمة في كلا الموضوعين !!!!!.           

    إستشارية التنمية وألأبحاث (العراق)
    النروج
    16 تموز 2017

    Ahmed Mousa Jiyad
    Iraq/Development Consultancy & Research
    Norway
    Email- mou-jiya(at)online.no
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media