مداخلة على هامش ما كتبه الاستاذ عبد الخالق حسين
الثلاثاء 18 يوليو / تموز 2017 - 05:21
فاضل بولا
كنتَ فصيحاً جداً في التعبير عن آرائك بشأن الأوضاع السياسية ايام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم ، كما أنك أشرت بدقة الى نشاطات الأحزاب والقوى السياسية ، ومنها (الحزب الشيوعي العراقي وحزب الوطني الديموقراطي ، وحزب البعث ، وحزب الإستقلال) ومواقف كل منهما من السلطة العراقية الجديدة آنذاك. كانت آراؤكم سديدة في تبيان نشاطات كل قوى من هذه الأحزاب واهدافها ومراميها . ولدى قراءتي لمقالكم (الثورة والحزب الشيوعي العراقي) داهمني شعورٌ وكأني حاضر الى جانبكم في استرسالكم وشرحكم لمواقف هذا الحزب العريق ومسيرته في دعم الثورة وزعيمها المخلص الذي تألق في نشاطه وسمعته حتى تمكن بصدقه وحبه لوطنه استقطاب جمهرة كبيرة من ابناء الشعب العراقي ، تحييه فرحة وتبتهج لمرآه اينما حل او تواجد . وبذلك استطاع قيادتها باتجاه الحفاظ على المنجزات الوطنية التقدمية .. تلك التي حفزت طوابيــر من الجماهيــر للدفاع عنها والوقوف بحـزم بوجـه الرجعيـة المحليـة واللاهثيـن وراءها ، لوئــدِ ثورة تموز الوطنية .
نعم إن الحزب الشيوعي كان صادقاً في مهمته التاريخية في دعم الثورة الوطنية ، وكان لامعاً بين بقية القوى السياسية في هذه المهمة ، الأمر الذي دعى الجماهير الشعبية للإنظواء تحت قيادته او الوقوف الى جانبه في اسناد الثورة والدفاع عنها وعن منجزاتها. لكن الأحزاب الوطنية المذكورة اعلاه التي تحالفَ معها الحزب الشيوعي منذ سنة (1957) هي التي اخطأت في مواقفها ، ولم يؤدِّ ذلك الى انفراط الجبهة الوطنية فحسب ، بل انساق كل حزب الى مبتغاه . والحصيلة كانت ، انقسام القوة الوطنية على نفسها وممارسة التباعد في ما بينها الى درجة التعاطي بالضغائن كما حصل لمّا انحاز حزب البعث الى القوى القومية والرجعية المحلية والخارجية ، واندفع باغياً في مشروع التآمر على العراق واسقاط نظامه . والحزب الديموقراطي انشغل في الإنقسام على نفسه والإبتعاد عن ساحة النشاط الجماهيري . أما حزب الإستقلال بات وكأنه حالَ نفسه على التقاعد ، إذ غدا لا يحل ولا يربط ، اضافة الى موقف الأكراد لما امعنوا في التعنت لنيل الحكم الذاتي في تلك الظروف الحساسة والملئية بأسباب النيل من العراق الجديد وحكومته الوطنية .
لما وجد الحزب الشيوعي نفسه في معرض الدفاع المستميت عن الثورة الوطنية ، طالب الحكومة بفسح له المجال للمشاركة بالحكم ، لكي يشكل من قوته الجماهيرية سوراُ منيعــاً يصطدم بــه اعــداء الثــورة والبغــاة ، لكن الطلب مثل ذلك في تلك الظروف ، فُسِّرَ من قبل الدولة ، بأنه محاولة للإلتفاف عليها .
وقد حُسِبَتْ على الحزب بأن الخطوة التي طالب الحكومة بها ، كانت خطأ ، حيث لم يكن دقيقاً في تقدير خطورة الرجعية المحلية والدولية على العراق وحكومته الوطنية التي اقلقت الدول الإستعمارية من سرعة المنجزات التاريخية التي قامت بها الثورة وقيادتها . وسُجِلتْ على الحزب الشيوعي نقطة سلبية على أنه أساء التقدير في مدى قوة الضغوط والمخاطر على قيادة الحكومة العراقية .. وبالتحديد على الزعيم عبد الكريم ورفاقه الأحرار . وبنفس الوقت ، قيل بأن ما كان على الأكراد طلب الحكم الذاتي في تلك المرحلة الدقيقة التي كات تعج بالأعداء من الداخل والخارج .
وبعد مرور سنة تقريباً على عمر الثورة ، وجد الحزب الشيوعي نفسه في مأزق من الكراهية تمثلت في هجمة مبيتة شرسة ، موجهة من رئاسة الدولة العراقية على الحزب ، لم تبقِ له مجالاً لأي نشاط جماهيري لا في المعامل ولا في النقابات ، لابل تمادت في مطاردة اعضائه والقاء بهم في المعتقلات أو جعلت منهم غنيمة للمجرمين القتلة لإغتيالهم في الشوارع بوضع النهار، حتى غدت قيادة الحزب في اشكال من ذلك الأمر والحكومة تغض الطرف عن كل ما كان يحصل ، لقد اسقط في يد القيادة كذلك ، وهي حائرة هل تٌبقـي رفاقها حملان تطاردها الذئاب ..؟ أم تتخذ موقفاً معادي من الحكومة الوطنية المهددة من الداخل والخارج .!!
وامضت الحكومة العراقية على هواجسها من قوة الحزب ومراميه رغم سلامتها ، وغدت تمارس كل ما بوسعها لإضعافه . انتعشت بذلك كل الجهات المعادية للثورة في الداخل والخارج ، وراحت تغتنم فرصة بعد اخرى مآتية للإجهازعلى النظام . وفي تلك الأيام العصيبة التي كان يمر بها الحزب الشيوعي ، كانت قيادته تبذل قصارى جهودها في كشف محاولات لمؤامرة بعد اخرى تحبكها القوى الباغية من البعثيين والقوميين والإقطاعيين ورجالات من النظام السابق المضروبة مصالحهم . وكان الحزب يضع ما اكتشفه من تلك المؤامراة امام الزعيم عبد الكريم . لكنه الأخير كان يغض النظر عن ذلك او يتعامل مع الخبر باستهانة.
كان كل توجه نشاط الحزب الشيوعي العراقي ، الحفاظ على الثورة الوطنية ومنجزاتها ، وكان يعلم بأن العراق على خارطة تحيط بها دول محسوبة على ملاك الدول الغربية ، واساطيلها تجوب في بحارها.
وعليه لم يكن من السهل إقامة اية نظام اشتراكي في العراق وهو على خارطة من الأراضي النفطية الممتدة الي دول الجوار العربي وكذلك الى إيران (آنذاك) بالإضافة الى تركيا . وجميع الدول المذكورة تخضع للمصالح الأمريكية ودول الغرب الأوربي وهي صاحبة الشركات النفطية ، ولها مختلف المصالح في المنطقة المذكورة .