"طُرّهات"!!
    الخميس 20 يوليو / تموز 2017 - 05:02
    د. صادق السامرائي
    التُرّهَةُ: الباطل أو القول الخالي من نفع , وجمعها  تُرَّهات.
    وفي مدينتنا كنت أسمع هذه الكلمة تطلق على الذي "يحجي حجي فارغ" , أي غير نافع ومحشو بما لا يقبله العقل السليم , أو " يحجي شيش بيش" , وأعتمدُ على لهجة مدينتنا لأنها بنت الفصحى , وهذه الكلمة من الأدلة على ذلك , فقد قلبت التاء إلى طاء , فصارت الكلمة "طُرّهات" , ومن أمثالها العديد من الكلمات التي تتبدل بعض حروفها وتصبح عامية دارجة , لكن لهجة مدينتنا ربما هي الأقرب للفصحى من أية لهجة محلية أخرى في بلاد العرب!!
    تذكرت هذه الكلمة أو أنها وفدت إلى خاطري بعد أن عاينت عددا المقالات , وإستمعت لأحاديث متلفزة لبعض الذين يسمون أنفسهم بما يحلو لنرجسيتهم من التسميات , فقفزت كلمة "طرهات" وتعجبت من ورودها وكيف أنها أخذت تختصر وتفسر ما يدور في واقع فارغ باطل , مشحون بالأفك والأكاذيب والأضاليل وبإبداعات الدجل والبهتان المُقيم.
    الأقوال والخطب والمقالات والأشعار والأغاني والمحاورات , جميعها يمكن وصفها بالطُرّهات , فلا نفع منها يُرتجى ولاخير فيها وبقائلها وكاتبها وشاعرها , فالواقع عبارة عن مستنقع طُرّهات آسن  تتكاثر فيه العظايا والخطايا والآثام , وصراعات المخلوقات الخالية من الشعور بغيرها , والمنغمسة في أنانيتها وإندفاعها المشؤوم للهيمنة والبقاء مهما كان الثمن.
    عالم أيا كان إسمه ونوعه محكوم ومأزوم بالطُرّهات , فما عاد للكلام قيمة ومعنى ولا للكلمة دور ونفع في حياة الناس , لأن البشر أصبح محكوما بالحاجات ومرهونا بالخوف والحرمان من الكهرباء , بل وحتى من الحياة التي كان يحسبها عزيزة وذات قيمة ومعنى وحرمة.
    وبإسم الطُرّهات المتنوعة سواءَ كانت دينية , عقائدية , خطابية , فئوية , تحزبية  صارت الأيام تتقلب على جمرات الوعيد , ويتصاعد منها دخان مآسيها وأنين وجيعها , والطُرّهات تتوالى عليها وتأنس بعنائها وقسوة النار عليها .
    وما أكثر الطُرّهات وما أسرع تآزرها وتجمعها وعقدها لمؤتمرات وإجتماعات وإطلاقها لتصريحات وبيانات , وما تجني منها سوى الباطل وتؤكد رؤيتها الطُرّهاتية الخالية من مفردات وعناصر بناء الحياة والتفاعل مع جوهرها بإرادة إنسانية وطنية حية ذات قيمة حضارية , ومنطلقات إبداعية كفيلة ببناء صرح العزة والكرامة والرجاء.
    وبين طُرّهات وطُرّهات تتأرجح الحالات وتتبدل التداعيات , والخاسر وطن مبتلى بالمُتطرّهين وشعب في تنور الحاجات , والكراسي تتغنى بالماضيات , وترقص على أنغام ما مات عاد , وكل ما فاتَ آت , وتلك قضية فيها جوهر الويلات , وقلْ عاشت الطُرّهات!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media