ما الذي يحاول السيد عمار الحكيم ان يبرهنه للعراقيين؟
    الخميس 27 يوليو / تموز 2017 - 20:20
    أ. د. حسين حامد حسين
    كاتب ومحلل سياسي/ مؤلف روايات أمريكية
    هذا السؤال طالما طرحته على نفسي وانا احاول استقراء ما يجيش في ذات السيد عمار الحكيم من خلال السلوك السياسي الناعم الذي يقترن دائما بتحقيق جميع الرغبات الشخصية الضخمة منها والمضنية والتي نجح في فرضها من اجل نفسه كواحد من الشباب "الاستثنائيين" لجماعة الاسلام السياسي  ، وبشكل اكبر من كل من كان يطمح له أي عراقي اخر على شاكلته ممن أبدوا تفانيا منقطع النظير من اجل تلك الرغبات الدنيوية.
    فالسيد عمار الحكيم الذي اصبح خلال السنوات القليلة الماضية سياسيا مرموقا واسع الجاه والثراء وهو الذي انحدر من عائلة متواضعة ازاء قوتها الحياتي اليومي لكنها كانت غنية بعلومها ومعارفها الحوزوية والدينية ، ليصبح السيد عمار هذا، وبسرعة مذهلة من الوجهاء العراقيين سياسيا واجتماعيا واعلاميا ، عربيا واسلاميا ، وربما حتى دوليا . فالسيد عمار الحكيم ، جاء ليؤكد كغيره من جوقة النظام الجديد ان حكم صدام  الذي عرف باضطهاده للعراقيين بشكل عام ، فان من عادوا من ايران بالذات، فلهم حصة الاسد في "النعيم" العراقي الجديد حيث المقاييس والقيم الاخلاقية والدينية الجديدة اصبحت مسألة "فيها نظر" امام قضية الاضطهاد الذي عاناه العراقيون بشكل عام امام الامتيازات الخاصة لتلك المجموعات السياسية التي عاشت في ايران ، حتى وإن لم يكن السيد عمار الحكيم والكثير من هؤلاء "الوجهاء" الجدد من بين اولئكم الابطال المضحين على الصعيد الشخصي . فالمضحون من الاحزاب السياسية اليسارية اوالدينية معروفون على الصعيد الوطني ، وان استثمرنتائجها البعض ممن غرقوا بالفساد واللصوصية . 
    وهكذا بدأت تتكشف حقيقة الاحداث الجديدة ، وازداد البؤس العراقي بؤسا أعظم ، واختفت مليارات الولارات في جيوب "الوافدين" المناضلين الجدد. وانطلقت "المواهب " الجديدة في تنويع عمليات الفساد واقتصرت الارادات على تخزين السحت الحرام. وكان عمار الحكيم واحدا من بين "الفرسان" الجدد الذين ركزعليهم الاعلام العراقي الانتهازي ، لاضهار نرجسيته و"عشقه" ألاضواء من خلال وقوفه اليومي على المنبر وممارسة "تنظيرا" انشائيا سطحيا مكررا لا يسمن ولا يغني من جوع.  لكن السيد عمار الذي كان شديد الوضوح في رغبته بالتسلط والشهرة ، فانه ومع مرور السنين بقيت هناك في ذاته أشياءا اساسية تمثل نقصا في "درعه" . كان من بينها عدم الكفاءة  في التخصص أوالعمق الديني مع تعامل بنوع من "حسد" نحو بعض من القيادات الشيعية واصطفافه مع البعثيين ضد اؤلئك الوطنيين.
    فقد فشل عمار في اقناع الاخرين ممن حوله من اعضاء قيادته في المجلس الاعلى على اثبات امتلاكه "الكريزما" المطلوبة كرئيس للمجلس الاعلى وفي عدم استطاعته من التأكيد على وجوده "كضمانة" لاستمرار المسيرة السياسية للمجلس الاعلى فجاء تبنيه لموضوع "الشباب" ، الامر الذي جعل عمار يعيش نوعا من افتراق مع بقية اعضاء القيادة، بعد ان اصبح واضحا ان ارائه الجديدة لا تلقى تأييدا مع اراء واجندات هؤلاء ممن يفترض انهم تحت رايته.
    فالسيد عمار الحكيم يذكرنا في علاقته مع قيادة المجلس الاعلى كعلاقة "تروتسكي" مع قيادة الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي اثناء الثورة البلشفية ابان تواجده كعضو قيادة فيها ، حيث كان تروتسكي شابا فرض وجوده كقائد كبير وعبقري بين اعضاء القيادة المخضرمين . فكان هؤلاء يحاولون مضايقة تروتسكي في وجوده كقيادي شيوعي بينهم وقد تم فرضه عليهم فرضا ، فكانوا يبدأون أحاديثهم في اجتماعات القيادة ، مرددين أمامه : "نحن البلاشفة القدامى" كوصف للاستصغاروتحقير وجوده بينهم كشاب بعمر ابنائهم . ومن يدري ، فلربما كان السيد عمار الحكيم قد "تلقى" مثل هذا النوع من "اللمز" من قبل هؤلاء عندما أصبح الامر متعلقا بعدم استمرار أهليته على حساب وجوده كشاب قليل الخبرة بين قيادة المجلس الاعلى وقد ضاق ذرعا بهم. 
    كما وان السيد عمار الحكيم يذكرنا من جانب اخر بطموح المقبور صدام ، مع الفرق أن المقبور كان  صلفا ولا اخلاقيا ومستهترا بكل القيم ، على عكس السيد عمارالذي يتسم بالوداعة ، الامر الذي لم تنفعه وداعته في شيئ لكي يضطر أخيرا لتسليم رايته لمن يعتقدهم اكثر قوة منه واكثر دهاءا ، "فلا رأي لمن لا يطاع".
    ولكن يبقى تطلع عمار الحكيم نحو "عشق التفرد بالقيادة" يذكرنا "بوحام" صدام حسين ازاء تفرده بالقيادة المطلقة . الامر الذي اضطر معه صدام من اجل تحقيق حلمه العريض ذاك اختلاق قضية مؤامرة رفاقه أعضاء القيادة القطرية لتبرير ذبحهم والتفرد بالسلطة . والسؤال هنا : ماذا لو كان عمار الحكيم لا يعتمر الجبة والعمامة أو انه كان ضابطا عسكريا كبيرا، فهل ربما وجد لنفسه حلا يتسم بالعنف مع من خذله من "رفاقه" كما فعل المقبور؟
    باعتقادي المتواضع ، ان هناك كانت ايضا اسبابا اخرى لرفض ما يقال عن "الكريزما" لعمار نفسه مردها البون الشاسع بين سنه البايلوجي وبين سن هؤلاء "الشيوخ" ممن حوله نتيجة لتواجد عقدة لا شعورية بهذا الخصوص بين الطرفين والتي ربما كانت قد قادت الى اسباب جوهرية لفشل استمرار ذلك التحالف الاستراتيجي لعمار كرئيس للمجلس الاعلى.  ولكن أيضا كانت هناك مشتركات بينهم من اجل استمرار ذلك التحالف . فالسيد عمار كان يحتاج الى الخبرات السياسية ودهاء هؤلاء ، في نفس الوقت، ان هؤلاء كانوا بحاجة الى عنوان كبير يمثلهم من قبل أل الحكيم من اجل حمايتهم من ادانتهم بالفساد. ولكن وكما يبدوا ، ان السيد عمارقد فشل في اقناع هؤلاء "صناديد" الشيعة من الانتازيين والفاسدين من حوله على ضرورة تمرير بعضا من اهدافه الكثيرة كرجل شاب ينظر الى الحياة بمنظار التفاؤل بينما هؤلاء يدركون ان الشباب مرحلة انتهى وقتها بالنسبة لهم ، الامر الذي يتعارض ذلك مع التفكير السائد لشاب كسيد عمار في رؤيته نحو المستقبل .
    أو لربما ، من جانب اخر، ان قضية توجه السيد عمار نحو تبني قضية الشباب مؤخرا، كانت مجرد "ذريعة" من اجل خلق اختلاف جوهري بينه وبين مجموعته من اجل الانفصال عنهم بعد ان تأكد انه سوف لن يستطيع ان يكون "القائد" الحقيقي لامثال هؤلاء الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الشخصية  وان كثيرا منهم من جانب اخر، ليسوا سوى مجرد اسماء مشوبة بعدم الاحترام من قبل العراقيين .  فمن المتوقع إذا ان تصطدم تلك الرؤى والاهداف فيما بينهم وبما لايستطيع أيا من الطرفين من الاستمرار في مجارات تلك الخلافات الجوهرية لانها سوف تتفجر عاجلا أو أجلا فينهار البناء على رؤوس الجميع. فالسيد عمار لا يمتلك العمق السياسي ولا الدهاء ولا الثقافات الدينية التي يمتلكها هؤلاء من قيادة المجلس الاعلى. وهكذا بقي السيد عمار كل تلك السنين مع اولئك الشيعة المخضرمين  كقائد شكلي تصطدم اراؤه بجدران مصالحهم المادية والسياسية والاجتماعية والتي تعني وجودهم الحياتي باكمله.
    والسيد عمار الذي لم يستطع ان يجد مفرا من كونه قائدا "شابا " بين تلك اللحى الفضية ، فانه ادرك أخيرا ان الحل الافضل لنفسه، هو تبني "قضية وطنية شبابية" جديدة لتبرير خروجه من المجلس الاعلى تتلائم مع سنه "كقائد" للشباب العراقي . ولكن السؤال الاهم هو ما الذي سيفعله عمار الحكيم من اجل هؤلاء الشباب عندما تكون البطالة منتشرة وخزينة الدولة خاوية وهناك اولويات اكثر اهمية في الوقت الحاضر تخص عودة المهجرين الى مواطنهم وبناء ما تم هدمه والانفاق على مواصلة مقاتلة داعش؟  فربما ان انشاء مؤسسة للشباب من قبل عمار نفسه شيئ يحسم هذا الهدف ، وهذا شأن يخص عماروحده.
    فالمطلوب من السيد عمار الحكيم أولا ، ومن اجل ان يصبح مقبولا من قبل الشباب العراق ومن الجميع ، ويستطيع ان يصبح قدوة لهم، عليه ان يزيل عن كاهله تلك الاتهامات في استغلاله لمواقع سكنية تعود ملكياتها للحكومة والاشخاص وضرورةاعادتها الى اصحابها، هذا ان كان السيد عمار يطمح لاعادة احترامه فعليا من قبل العراقيين.  وما عدا ذلك، فعمار هذا ، وهو في انسلاخه الجديد من مؤسسة كان لها وقعها وتأثيراتها على المجتمع العراقي وعلى الشيعة بالذات، فان عمار يجب ان لا يبقى كمن "ينعق بما لا يسمع إلا دعاءا ونداءأ ، صم بكم عمي"
    والعاقبة للمتقين....
    حماك الله يا عراقنا السامق...
    7/27/2017
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media