وإن عدتم عدنا.. عن كشك الفتوى نتواعد
    الجمعة 28 يوليو / تموز 2017 - 04:19
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    المسئولون عن مترو الأنفاق تصرفوا فيه، وكأنه عزبة ورثوها كابراً عن كابر، أو شقه استأجروها من حر مالهم، يغيرون ويبدلون ما شاءت إرادتهم أن تغير وتستبدل، ويسربلونه ويسرولونه بالعمامة والقفطان أو بالجلباب واللباس القصير، ويجمّلونه باللحية المخضبة بالحناء، أو العمامة الخضراء سيراً فى ركاب الدروشة، ولسان حالهم يقول: من لا ينفع بالعلم والعمل، نفع بالهوس ودعاء المجاذيب، وكانوا فى طريقهم لتجميل الأرصفة قريباً بالسواد، وفرشة البخور والحبة السوداء والسواك وقوارير بول الإبل، والنساء من ضاربات الودع، وفتح المندل، ومشايخ الرقية الشرعية، وكتبة التمائم وأحجبة المحبين والكارهين والمفارقين، ومجاذيب مشايخ الطرق والدروب والمسالك، حتى يصبح للمترو مقام ومولد كل عام، فيسعد الناس ويفرحون وهم فى طريقهم إلى المترو، كما يفرح زوار المشايخ وأضرحة الأولياء. وكان أولى بهؤلاء القوم القيام بمهامهم المطلوبة دون نقصان، التى كانت سبباً فى اعتلاء مناصبهم، وليست صلاتهم وتقواهم، فهى أنفع لهم، أما ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، فهو تقديم خدمة جيدة ومتطورة وفعالة للمواطنين، وأن يضيفوا للمكان مساحة من الجمال والحسن، بديلاً عن القبح الذى غطاه وستره وحجبه عن عيوننا، وأن يعتنوا بنظافة المكان وإزالة الأتربة والأوساخ التى أصبحت هى والجدران شيئاً واحداً، والاهتمام بدورات المياه، على اعتبار أن قضاء حاجة الناس أحوج من قضاء حوائجهم، فلا يمكن للمرء الصبر على «زنقتها»، ويمكن الصبر على «زنقة» الفتوى حتى يعود، ولن يموت منها، بل يموت «محصوراً» من الأولى، وأن يطوروا الأداء، ويرفعوا من كفاءة العاملين والآلات والمعدات، ويعملوا على منع التحرش والنشل والتسول، وكل مظاهر الفوضى والتخلف فى المحطات وعلى أبوابها، وتشغيل التكييف رحمة بالركاب فى فصول الصيف، أو إصلاح ما أفسدوه. الأدهى والأمر أنهم لم يكتفوا بانتشار الزوايا فى كل ركن بكافة المحطات، بل زادوا الأمر هوساً فى إنشاء أكشاك الفتوى السريعة، التى ستغنيهم تماماً عن العمل والإنجاز، الذى سيسير بفضل دعاء الصالحين والوافدين وكثرة التسابيح. أحد السادة الأفاضل بعد ثورة وانتفاضة شبكة التواصل الاجتماعى من المثقفين والتنويريين، وعلى صفحات الصحف والمواقع، وكانت على مستوى الخوف من المقبل، خرج علينا هذا المسئول يعلن عن انتهاء الغرض من الأكشاك بعد موسم الحج، التى كانت وراء الغرض من إنشائه، وهى حجة مكشوفة ومكسوفة، لكنها على تفاهتها مقبولة وكأنها اعتذار، فليس سفر الحجاج يبدأ من محطات المترو، حتى يقف المشايخ على أبوابها لتقديم المشورة والفتوى للمسافرين، فالمترو لا ينقل حجاجاً إلى بيت الله الحرام، بل إلى بيوتهم، وكان أولى بهم لقاء الحجاج فى المطار أو منافذ السفر قبل مغادرتهم، وإلا قل لى ما فائدة المئات التى تسافر ضمن بعثة الحج من المشايخ لمرافقة الحجيج، وتقديم العون والنصيحة، وتعريفهم بمناسك الحج؟ إلا إذا كان «حج وبيع مسابح»، لكنه كذب مقبول ومسموح، فإذا كان مندوحة، فهى مقبولة لمرة واحدة على أن يفى بما وعدنا به. وأسأل هذا المهندس المتعلم الهمام والناشط رئيس المترو، ألم تفكر فى عقد بروتوكول مع الهيئة العامة للكتاب، أو دور النشر واسعة الانتشار فى إنشاء مكتبات صغيرة متنقلة لبيع الكتب زهيدة الثمن عالية القيمة لمزيد من ثقافة شعب فقدها بفعل فاعل وهم الوهابية، أو عرض برامج إرشادية بالصحة العامة بالتعاون مع وزارة الصحة للرد على أسئلة المواطنين، أو تعريف المواطنين بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وكيفية الانضمام لها، والمساهمة فى مسيرة التنمية وزيادة دخلهم، أو الإعلان عن وظائف شاغرة فى شركات القطاع الخاص، أو تعريف الناس بالرموز الوطنية، أو بث برامج تثقيفية أو سماع الموسيقى التى تنشر فى النفوس البهجة، وترتقى بها وتهذبها، بدلاً من السلفيين الذين يتجولون بحرية ويتوعدون الناس بعذاب القبر والثعبان الأقرع، حتى كره الناس الحياة وخافوا الموت، وتسمرت بهم الدنيا فلا أقبلوا عليها ولا أدبروا منها.

    السيد وزير النقل قد قرر الانتهاء من عمل الكشك بنهاية موسم الحج، وقد التزم برفعه من محطة الشهداء فى نهاية أغسطس، ونحن فى انتظار هذا اليوم المجيد، وإن عادوا به إلى محطة أخرى عدنا إليه، ليس حرباً ضد الإسلام، كما يصور البعض، فليس مكان الفتوى على الأرصفة أو الأكشاك أو الطرقات، فليس هذا محله، ووسائله كثيرة ومعلومة ومتوافرة للجميع، لكنه باب خطير لتوزيع الفتاوى حسب الأمزجة الشخصية دون رقيب أو حسيب، ولقد بدأت من هنا الكارثة والمصائب التى نجنى ثمارها حتى الآن، فلم يكن عمر عبدالرحمن، مفتى الجماعة الإسلامية، وعبدالله عزام، قائد الجهاد الأفغانى ومؤسس القاعدة فى أفغانستان، وأبوربيعة المصرى، زعيم تنظيم القاعدة فى البصرة وكلهم، وأكثر، مصريون، سوى أكشاك متنقلة فى الفتوى أخذت وأعطت من نفس المعين، فهى صناعة وبضاعة تنتشر إذا خرجت عن الهوى والمزاج والسيطرة، ويظن حاملها أنه قادر عليها وعلى الدنيا يسيّرها كيف يشاء، فأطاح بالفتوى وأطاح من استقبلها بالرقاب. (وليس موقف سالم عبدالجليل الأزهرى ببعيد). ونذكركم بنهاية أغسطس موعد الإزالة، وإن عدتم فيه عدنا.

    adelnoman52@yahoo.com

    "الوطن" المصرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media