المقدمة: فكرة هذه الدراسة جائت نتيجة حوار دار بيني وبين المفكر العراقي الكبير الاستاذ حسن العلوي. و عرضت عليه هذه الدراسة قبل نشرها، فأخذت ببعض انتقاداته العلمية العميقة وبعضها الآخر احتفضت بها شخصيا لأنها تحتاج الى دراسات أكثر تعمقا من الدراسة الحالية.
هذه الدراسة تخص المجال الاجتماعي والنفسي وليس المجال الديني والسياسي. دراسة شبه معمقة لخصوصية العراق والعراقيين ومنها ممكن تفسير الظواهر الاجتماعية الحالية والتي هي مولودة من رحم العراق. ليس المراد بالهدم هنا من الجانب السلبي، بل من الجانب التحليلي العلمي والذي هو نتاج حركة التاريخ والتي تتميز بالهدم والبناء. الهدم والبناء قانون طبيعي تخضع له كل الكائنات الحية وغير الحية. هذه الظاهرة تحصل في جسم الانسان يوميا وبصورة بطيئة لا نشعر بها. وفي بعض الأحيان تظهر بصورة عنيفة كما تحدث الزلازل والبراكين. في المجتمعات الانسانية يحدث الشيء نفسه. هناك مجتمعات يحدث فيها الهدم والبناء بصورة هادئة كما في الشعب الانكليزي حصل فيها الديمقراطية والبرلمان بصورة سلمية، بينما في حالة الشعب الفرنسي حصلت الديمقراطية والبرلمان بعد ثورة دموية في عام 1789م أطاحت برأس الملك لويس السادس عشر.
لم أبحث في هذه الدراسة عن جدلية التاريخ التي نادا بها هيغل (1)، ولا العامل الاقتصادي والمادي الذي أقترن بكارل ماركس (2)، ولا نظرية التعاقب التي نادا بها بن خلدون (3)، ولا العامل البطولي الاجتماعي الذي تفرد به توماس كارليل (4)، ولا العامل البيولوجي الذي ينسب في القرن العشرين الى سبينجلر(5) وان كانت جذوره تمتد الى بن خلدون والتي تقول بأن الحضارة مثل الانسان، يولد طفل ثم يبلغ ثم يشيخ وبعدها يموت. هذه النظرية أيدها محمد أركون (6)، وليس عامل التحدي والاستجابة وهي نظرية توينبي (7) والتي تهتم بالبعد الحضاري الديني.
تتركز هذه الدراسة على نظرية الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (8) التي تعني التفكيك والبناء وليس الهدم والبناء أو الفوضى الخلاقة التي أطلقها مايكل ليدين (9). تتلخص نظرية دريدا، بحصول المستحيل والذي يهدم ماسبقه من قيم ومن ثم يبدأ البناء الجديد. أخذ الفيلسوف الفرنسي أمريكا كمادة أساسية لنظريته وعمل عليها دراسات كثيرة ومن ثم أصبح من أهم المحاضرين في الجامعات الأمريكية. مثال على ذلك لتوضيح هذه النظرية هو حصول الثورة الفرنسية التي لم يتوقعها انسان ان تحصل وأن ترفع رؤوس العائلة المالكة على أسنة الرماح مما أدى الى هدم القيم البرجوازية القديمة وبناء قيم جديدة لحقوق الانسان. والعراق هو خير مثال، لم يتوقع أحدا أن يرى الرئيس العراقي صدام حسين يخرجوه من داخل حفرة وعلى رأسه حذاء الجندي الأمريكي، وانهاء الحكم المركزي الديكتاتوري وبناء حكم ديمقراطي مع عراق فيدرالي أو اتحادي في العراق. ماذا يحصل بعد هدم الماضي؟ هل العراقيون سوف يستمرون بالهدم ومن بعده بناء قيم جديدة تفاجيء العالم فيه مثلما فاجأت الثورة الفرنسية العالم؟ هل رجوع العراقيين خطوات الى الوراء أي الى القبلية والطائفية هو كرامي الثقل قبل أن يرمي الثقل الذي فوق كتفه يرجع الى الوراء قليلا لكي يرمي ثقله الى أبعد مسافة. هل العراقيون يريدون أن يرموا هذا الثقل الكبير الذي على أكتافهم منذ سنة 1980 والذي أوقف نمو الدولة العراقية الحديثة؟. للأجابة على هذه الأسئلة يجب أولا توضيح حركة التاريخ الانساني.
الفلاسفة وعلماء التاريخ عندما فحصوا حركة التاريخ الانساني، وجدوا انها تسير على نموذجين:
الأول، هو التحرر من الماضي وتسمى بالحرية أو الانقطاع عن الماضي، أي الانسانية تملك الحرية المطلقة في اختيار طريقها. من رواد هذا النموذج هم، إبن خلدون، توينبي، كارل ماركس وجون بول سارتر(10).
الثاني،وهو الحتمية أو القدرية ويسموه بالاستمرارية . أي أن الأجيال محكومة بماضيها وبواقعها الجغرافي. اما وجود حرية الاختيار ماهو الا وهم تجعله يعتقد بأنه يرسم مستقبله ويرسم ما يريده، ولكن الحقيقة أنه محكوم بارث كبير وهذا الارث يحدد سلوكه ونمط تفكيره وبناء علاقته مع الآخر. لذا المجتمعات مستمرة وتعيش بصورة مختلفة لكنها تعيد الماضي. واما التغير فهو بطيء جدا. من رواد هذا النموذج هم، هيغل، اشبنجلر، علي الوردي(11)، ألان بيريفيت (12)، و أوسكار وايلد (13).
وهناك فريق ثالث يعتقد بأن الانسان ممكن أن يحمل الاثنان معا. من رواد هذا النموذج هم، جواد علي(14)، و عبد الرحمن بدوي (15).
الأديب والفيلسوف الفرنسي فيكتور هيجو (16)، عندما يعرف السياسة يقول، بأنها وسيلة لانتاج الغنى بكل أنواعه، أما أعظم شعب لانتاجه هو الأنكلوساكسون (الانكليزي)، اما أفضل شعب بالعالم لتوزيع الغنى هي الشعوب اللاتينية. اما العالم النمساوي فرويد (17)، يقول بأن الانسان يحكمه اللاوعي والذي يمثل حوالي 90 بالمئة، اما الوعي لا يمثل أكثر من 10 بالمئة.واللاوعي هو كل ما يرثه الانسان من ماضيه. اما العالم الفيزياوي والفيلسوف الفرنسي باسكال(18)، يقول بالعقل نفكر ونحلل (الوعي)، وبالمشاعر نقرر ونعمل (اللاوعي)
الهدف من الدراسة هو: استخدام نظرية جاك دريدا لمعرفة خصوصية العراق والعراقيين ليتسنى لنا تحليل الوضع الراهن الذي يعيشه العراق، ومعرفة ما الذي ممكن أن يحصل في المستقبل القريب والبعيد.
هذه الدراسة تتطلب منا أولا وقبل كل شيء معرفة فيما لو العراقيون يحملون طريق الحرية (الهدم) والانقطاع، أم طريق الاستمرارية (القدرية)، أم يحملون الطريقين في آن واحد وفي جيل واحد أم في أجيال متعاقبة أحدهما يحمل الأول والذي يليه يحمل الثاني؟
الأجابة على هذا السؤال يتطلب منا عمل مقارنة بين العراق والعراقيين مع بلد وشعب آخر لمعرفة بالضبط ما هو موقع العراق والعراقيين بالنسبة لهذين النموذجين الحرية والقدرية.
اخترت مصر والمصريين للمقارنة كما ذكرت في المقدمة وبصورة مقتضبة المقارنة بين بريطانيا وفرنسا.
هناك نقاط تشابه بين مصر والعراق. كلاهما يملك تاريخ حضاري عريق.الفراعنة للمصريين والاشورية والبابلية والسومرية للعراقيين.بنيت الحضارتين على ضفاف الأنهر. الفرعونية على ضفاف نهر النيل والعراقية على ضفاف نهري دجلة والفرات. النيل ودجلة والفرات ينبعان من الخارج حاملة معها ثقافات الشعوب التي مرت بها وتصب داخل مصر والعراق.تمثل الصحراء في مصر حوالي 96 في المئة من مساحتها بينما في العراق الصحراء تمثل حوالي نصف مساحتها. في العصر الاسلامي القاهرة كانت من العواصم العالمية المهمة وخاصة خلال حكم الفاطميين لها، بالمقابل كانت بغداد في العصر العباسي قبلة العالم. رغم هذا التشابه الجغرافي والتاريخي والثقافي الا ان هناك فرق كبير بين الشخصية العراقية والشخصية المصرية.
نقاط الخلاف بين مصر والعراق هي: العراق في آن واحد شهد عدة حضارات وهي الأكدية والسومرية والبابلية ثم الآشورية علما بأن اللغة كانت الأكدية والكتابة هي المسمارية. كذلك تميزت هذه الحضارات بالأدب والشعر الجميل وفن الادارة وسن القوانين وانشاء المدارس والمكتبات والمعابد ومن قممها ملحمة كلكامش وقصة الطوفان. أي العنصر الأدبي والفلسفي للحياة كان واضحا فيها، على خلاف مصر، كانت حضارة فرعونية وطابعها ليس أدبي وفلسفي بل كانت حضارة سلطة واستخدام العبيد لبناء الأهرامات. لم تكن حضارة حقوق الانسان والقانون لتنظيم حياة المجتمع كما في بابل. من الصعب القول بأن هذا الخلاف التاريخي بين العراق ومصر هو ناتج من ازدواجية الشخصية العراقية التاريخية والناتجة من صراع قيم البداوة مع قيم المدينة. ولتوضيح أدق لهذه الثنائية، سوف اعمل مقارنة وذلك بأخذ نماذج للمقارنة قريبة من عصرنا الحاضر.
1. على الصعيد الفردي، لو أخذنا الامام الحسين في عيون المصريين والعراقيين والذي نصفه (جسده) في العراق ونصفه الآخر(رأسه) في مصر. يعطي االعراقيون الأولوية عند قرائتهم للامام الحسين بأنه سيد الشهداء وقائد الثوار وسيد المقاومة والنضال في سبيل الحق،ويتخذوه رمزا للثورة والثأر، بقولهم يا ثار الله وابن ثاره، أو قولهم يا لثارات الحسين. بينما المصريين يعطون الأولوية الى محبتهم ومودتهم لأهل البيت، ويتخذون الحسين شفيعا لهم يوم القيامة، وهو غذاء روح الزهد والتصوف والعرفان ولم يتخذوه كوسيلة لا ثارت مشاعرهم للثورة ضد الظالمين. لماذا هذا الاختلاف في الاحتياج النفسي بين المصريين والعراقيين؟. قد يكون حسب حسن العلوي تعظيم الامام الحسين من قبل شيعة العراق هو التعبير عن الكبت الطائفي الممزوج في اللاوعي الجمعي للشيعة بعادة الثأر المتأصلة حتى يومنا في البيئات العربية الشيعية. وهذا الطرح يؤيد دراسة علي الوردي.
لنأخذ مثال آخر وهو المقارنة الأدبية والشعرية بين العراقيين والمصريين عسى وأن نحصل على جواب وهما كل من الشاعران العراقيان معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي مقارنة بشوقي أمير الشعراء وحافظ ابراهيم المصريان. نرى شوقي كان يسمى بشاعر الأمير وكان كل من شوقي وحافظ يكيلون المدح لملك مصر على عكس الرصافي والزهاوي كانا ضد البلاط الملكي علما بأن الملك فيصل الأول كان من أكثر ملوك العرب تقشفا وزهدا. علما أن أصول كل الشعراء أبا واما غير عربية عدى حافظ ابراهيم والده من أصل مصري وأمه تركية. رغم التجانس في الأصول والتربية لهؤلاء الشعراء أي تقريبا عدم وجود تأثير للقيم البدوية عليهم الا ان العراقيين يسلكون سلوكا مغايرا للمصريين. ماهو السبب ؟
لننتقل الى حالة مقارنة شخصية أخرى وبأكثر تعمقا عسى ولعل نحصل على جواب لسبب ازدواجية الشخصية العراقية. المقارنة هذه هي مقارنة صحفية وسياسية بين الصحفي المصري حسنين هيكل (19) والصحفي العراقي حسن العلوي (20).
نقاط التشابه بين الاثنين هي، هيكل كان رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية وحسن العلوي كان رئيس تحرير مجلة ألف باء العراقية، وشهدتا كل من الأهرام وألف باء لمعانا كبيرا. كذلك هيكل والعلوي كان كل منهما صحفيا متمرسا ومثقفا ذاع صيتهما محليا واقليميا ودوليا. هيكل والعلوي اتقنوا لعبة الصحفي في خدمة السياسة، كما اتقنوا أن يكون السياسي في خدمة الصحفي. أصبح هيكل بعد ثورة يوليو 1952 في مصر الصحفي المقرب من جمال عبد الناصر، والعلوي بعد انقلاب 1968 في بغداد وبالذات عام 1975 أصبح الصحفي المقرب من صدام حسين.
رغم هذا التشابه الكبير بين هيكل والعلوي، الا أن هناك تفاوت كبير في طريقة سلوكهما. حسنين هيكل ينظر للسياسة من خلال الصحافة فراح يتعقب القوة البازغة في الجيش المصري وتابع الرجل الأقوى منذ اللحظة الأولى وهو عبد الناصر بالرغم من وجود الرئيس محمد نجيب، على العكس من هيكل، حسن العلوي ينظر للصحافة من خلال السياسة فراح يتعقب القوة البازغة عند المدنيين وهو صدام حسين بالرغم من وجود الرئيس العسكري أحمد حسن البكر. سار العلوي وراء حدسه بأن صدام هو الرجل القادم في العراق كما راح هيكل وراء حدسه بأن ناصر هو الرجل القادم في مصر.
كيف نفسر التشابه والاختلاف بين حسنين هيكل وحسن العلوي؟
التشابه والتوافق بين الشخصيتين هو حاصل من تجربتهما الذاتية ومن الخبرات المكتسبة في حياتهم، لذا تصرفوا وسلكوا نفس الطريق المهني بدقة مهنية عالية. أي اختيار الوعي.
أما لماذا هيكل اختار رجل عسكري والعلوي اختار رجلا مدنيا، هذا الاختيار ناتج من اللاوعي. اللاوعي هو مجموع مايرثه الانسان من الماضي. مصر كانت محكومة من قبل المماليك. أي قادة عسكريين كبار ينصبون ويخلعون الخليفة أو السلطان بنفس طريقة القياصرة في روما، ثم عزز العثمانيون هذه الطريقة للحكم. ولذلك تميزت الدول العربية بحكم العسكر الذين يملكون الدولة وليست الدولة هي التي تملك الجيش. وظاهرة المماليك هي التي تفسر بقاء مصر اليوم كآخر دولة في العالم يحكمها الجيش. السلطان محمد علي باشا حاكم مصر كان رجل عسكري. كذلك الملك فؤاد ملك مصر كان ملازما بالجيش وهو من خريجي ايطاليا وعينه السلطان العثماني ملحق عسكري في أوربا. حسنين هيكل اختار عبد الناصر من اللاوعي. بينما في العراق الملك فيصل الأول كان مدنيا واستمر الحكم المدني من 1920 الى 1958 وبقى عسكريا لمدة 4 سنوات الا ان انقلاب 1963 كانت محاولة مدنية قادها الشيعة البعثيون لارجاع الحكم المدني للعراق. هذه المحاولة لم تدم اكثر من تسعة أشهر بعدها أخذ الجيش الحكم حتى عام 1968 عادة الكرة للمدنيين تحت عباءة العسكر وهنا لعب اللاوعي لحسن العلوي لاعادة المدنين الى سدة الحكم وقرر اللاوعي لحسن العلوي باختيار صدام حسين.
المجال الآخر الذي يميز حسن العلوي عن حسنين هيكل هو وجود الثنائية المتناقضة في شخصية العلوي. فهو ضد عبد الكريم قاسم سياسيا في 1963  ومعه في كتابه عبد الكريم قاسم . مع صدام حتى عام 1980 وضده في كتابه العراق دولة المنظمة السرية. وهو مع الشيعة في كتابه الشيعة والدولة القومية وضدهم في كتابه شيعة السلطة. ونرى في تدخلاته الصحفية مع الأكراد وضدهم، مع السنة وضدهم، ممكن القول أن حسن العلوي مع نفسه وضدها. فهو شخصية مركبة من الشيء ونقيضه، وليس اعتباطا ألف كتابا يجمع فيه علي عمر وهو عمر والتشيع ثنائية القطيعة والمشاركة  وما هذا الكتاب الا تعبيرا عن تركيبته النفسية المنبثقة من اللاوعي.
اما حسنين هيكل لم نجد في شخصيته هذا السلوك المتناقض. كان مع عبد الناصر 100بالمئة وألف عدة كتب عنه منها عبد الناصر والعالم، وكان ضد أنور السادات 100بالمئة وكتابه الشهير خريف الغضب هو خير دليل على ذلك.هذه الازدواجية عند حسن العلوي جعلته مفكرا وفيلسوفا وأديبا وباحثا اجتماعيا وكاتبا وسياسيا وصحفيا مرموقا، بينما نجد حسنين هيكل أبدع في جانب واحد وهو كاتب صحفي مرموق.
السؤال هو لماذا الشخصية العراقية ازدواجية وخير مثال هو حسن العلوي؟
من الصعب الاجابة الآن على هذا السؤال المعقد، ولكن ممكن القول بأن حسن العلوي (الشخصية العراقية) تجد توازنها النفسي والابداعي في هذا السلوك ولهذا السبب أصبح حسن العلوي محط أسئلة واستغراب أحيانا في حياته والله يعلم ماذا سيكون بعد مماته. اتخذت هذه المقارنة بين العلوي وهيكل لأني وجدت العلوي أفضل نموذجا بحثيا لفكرة علي الوردي وكذلك لنظرية جاك دريدا بالهدم والبناء.. شخصية حسن العلوي والتي تمثل الشخصية العراقية بامتياز يهدم لأجل البناء ولم يهدم البناء, فهو في الوقت نفسه علبة كبريت تقدح الشرارة في الحقول المتيبسة فتحيلها الى هشيم (الهدم) لتعيد زراعتها وديك الفجر في السياسة العراقية (البناء). ممكن القول بأنه أحد المفاتيح المهمة لفك رموز الشخصية العراقية وأفضل نموذج بحثي.
2.اما على صعيد المجتمع، اذا كانت هذه الأمثلة والنماذج البحثية المتعلقة بالأفراد والشخصيات بتنوعهم لم تعطِ الجواب المقنع لسبب ازدواجية الشخصية العراقية، اذن يجب الانتقال الى دراسة حالة المجتمع العراقي عسى وان نجد مفاتيح الاجابة.
أ.العائلة العراقية: العائلة هي الأساس في ميكانيكية انتاج المجتمع. العائلة العراقية تجسد قمة الثنائيات المتناقضة. من جانب تريد من أولادها وتدفعهم على الحصول على شهادات راقية والتي تؤهلهم على بناء مستقبل أفضل من حاضر أبويهم، أي العائلة تطلب من أولادها أن لا يتخذوا آبائهم قدوة ولا يتبنوا مهنة آبائهم. من جانب آخر العائلة تربي أولادها على قيمها ومعتقداتها وتطلب من أولادها الحفاظ عليها.
العائلة العراقية من جانب التعليم تشجع نموذج الهدم (الحرية أو الانقطاع)، واما من جانب التربية تفضل نموذج الاستمرارية (القدرية). هل العائلة العراقية هي السبب في تكوين الشخصية العراقية المزدوجة والمتناقضة؟ الجواب لا. لأن هذه الطريقة في التربية والتعليم موجودة في كل مكان في العالم وحتى في فرنسا موجودة بنفس الحدة كما في العراق. اذن المفروض ان نبحث في زاوية اجتماعية عراقية أخرى عسى وأن نجد الجواب.
ب.صراع الثنائيات المتناقضة في الشخصية العراقية هل هي حاصل من عدم قدرة العراقي على سد الفجوة بين الثقافة والطبيعة، أي بين مايصنعه الانسان وبين مايصنعه الله .دجلة والفرات والزاب الكبير والزاب الصغير مثلما يجلبون الطين والغرين والذي هو خير للانسان كذلك تجلب معها ثقافات الأمم التي تمر فيها(عالمي).هذه الثقافات تصب في العراق ويصنعها ويطبخها العراق بصورة فريدة وجميلة محليا(المحلي).صراع بين الذي يأتي من الخارج(العالمي) وبين الذي يصنع في الداخل(المحلي).وهذا ينعكس على السياسة والاقتصاد والتربية وما أجمل مثال هو الصراع بين الحزب الشيوعي(العالمي) وحزب البعث(المحلي) ولم نجد شعب في العالم أفتى دينيا بتكفير الشيوعية غير العراق،وقد يدل هذا على قوة الصراع العالمي مع المحلي.حتى هذه الظاهرة انعكست على المطبخ العراقي.نجد الوجبات العراقية الجميلة هي خلطة من مواد أولية مختلفة ويقدمها العراقي كوجبة جميلة وذات نكهة عطرة.مثال على ذلك،الدولمة،التبسي والبرياني،اضافة الى مهارة العراقيين في خلط التوابل والعطور.بالضبط مثل الثقافات كمواد أولية وتطبخ في العراق وتنتج محليا ثقافة وادي الرافدين المتميزة.
في هذه الزاوية لم يوجد صراع بداوة ومدنية أي لا توجد صراع قيم.قد يساعدنا ويقربنا هذا المثال أعلاه الى الجواب الصحيح،لأنه ليس الجواب القطعي لأن مصر جغرافيا مثل العراق ولكن لا يوجد صراع فيها بين العالمي والمحلي مثل ما موجود في العراق.فلنأخذ مثالا آخر يعبر عن ظاهرة لا يوجد لها مثيل في كل العالم وعسى أن تقربنا خطوة أكثر نحو الجواب الصحيح.
ج.عرض التلفزيون الفرنسي في تسعينات القرن الماضي ونتيجة الحصار الغاشم كيف يبيع العراقيون أثمن ممتلكاتهم في شارع المتنبي وهي الكتب.وعلق الصحفيون والمختصون كثيرا على هذه الظاهرة حتى أصبحت الكوادر العلمية الفرنسية تتداولها على عدة أيام.علاقة العراقي بالكتاب والقراءة علاقة فريدة ولم نسمع بالتاريخ أن كتبا قتلت كاتبا مثلما قتلت الجاحظ.هذه الميزة الفريدة التي يتحلى فيها العراقي لأنه شعب منبثق من الحرف.شعب ولد وتربى في جحره الحرف.لذا نجد العراقيون من أكثر شعوب العالم اهتماما بخط الحرف بحيث ولدت في العراق مدارس للخط ومن أشهر الخطاطين المعروفين آنذاك هو بن البواب( 21)الذي كان رساما وقام بتشريح الخط بقرون قبل ليونارد دافنشي(22)الرسام الايطالي الذي رسم تشريح الانسان.العرب أمة تتكلم قليلا والكلام أو الثرثرة عيب ولذلك هناك قول مشهور خير الكلام ماقل ودل.والعرب لايكتبون،لأنهم قليلي الكلام وحتى الشعر هو تعبير عن موجز وكان شخص يلقيه على مسامع الناس ولكل قبيلة شاعر لسان حالهم.في العراق كتبت نصف التوراة وكتبت ملاحم ومنها ملحمة كلكامش وقصص ألف ليلة وليلة ترجمت الى العربية ولو تفحصنا كتاب السيرة النبوية والأحاديث وكتب العلوم هم غير عرب. الصراع الذي يعاني منه العراقي هو بين الخارج والداخل.عراق أكد وسومر وبابل وآشور وكذلك ببغداد المنصور وهارون الرشيد والمأمون العباسي هؤلاء مجدوا وقدسوا الحرف والعلم وهذا ناتج محلي. نشاهد أن العراقي اليوم يمجد ويقدس ماهو خارجي مثل الامام علي والامام الحسين وأبو حنيفة والكيلاني أي الدين الذي جاء من الخارج.العراقي قد لم يجد حالة التوازن بين قدسية الدين الذي هو خارجي وقدسية الحرف الذي هو محلي.وقد يفسر هذا المثال قول العلامة علي الوردي عندما يقول،العراقي أقل الناس تمسكا بالدين،وأكثرهم انغماسا في النزاعات بين المذاهب الدينية،تراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى(23).نرى أن الدين خارجي ضعيف عند العراقيين،اما الطوائف فهي صناعة عراقية وظهرت في العراق لذلك يتمسك بها العراقيون لأنهم حولوا القادم من الخارج ومزجوه وطبخوه في مطبخهم وعرضوه للعالم كبضاعة.لايشهد العراق حروب دينية أي بين الاسلام والمسيحية لأنهما الأثنان خارجة عنها نوعا ما بينما الحروب الطائفية تحصل على أرض العراق لأنها صنعت في مطابخهم فردت لهم بضاعتهم.
نجد اننا نتقرب قليل قليل الى الجواب الممكن أن يفسر لنا ازدواجية الشخصية العراقية المتطرفة.لذا المفروض أن نذهب الى فضاء أوسع من الفضاء الشخصي والاجتماعي العراقي أي الى الفضاء الخارجي.
3.تصادم العالمي مع المحلي،الخارجي مع الداخلي يولد ظاهرة الهدم والبناء.ثقافات تنبع من الخارج وتصب في العراق مما تولد جيلا جديدا له رموز ومعاني جديدة.وهذه الرموز خارجة من اللاوعي الجماعي.آلية الشعور أو اللاوعي العراقي تحتوي على عالم من الرموز المتعددة الدلالات وأن المألوف في دلالة الرمز اللاشعوري أن يأتي الشيء في صورة نقيضة أو ضده للتمويه على الرقيب الشعوري(24). وهذا مما جعل العراق ساحة للصراعات الخارجية.لماذا يسمح العراقيون بذلك؟العراق يعلن ضد التدخل الخارجي ويحتج ويقاوم ولكن في الحقيقة اللاشعور هو الذي يرحب بذلك لأنه يعرف هذا التصادم يولد هدم القيم القديمة ومن ثم بناء قيم جديدة بها يبزغ العراق وهذا سبب تميزه عن الآخرين.لتوضيح هذه الفكرة نحتاج الى أمثلة توضحها أكثر.
المثال الأول،هوما حصل في أواسط القرن السابع ميلادي،حيث خرجت الجيوش العربية الاسلامية من شبه جزيرة العرب وأسقطت الامبراطورية الساسانية الفارسية التي كانت تهيمن على العراق.وجدت هذه الجيوش أمامها حوالي سبعة ملايين من السكان أغلبيتهم الساحقة من المسيحيين(النساطرة)مع أقليات من الصابئة واليهود والمانوية،بالاضافة الى بعض المجوس.كانت لغة هؤلاء هي السريانية (الآرامية) العراقية (25). هدمت هذه الجيوش اللغة واستبدلت باللغة العربية،اضافة الى تغير الدين المسيحي الى الدين الاسلامي.أصبح العراقيون من أكثر الشعوب في العالم التي تبنت العربية حرفا وكتابة واستعربت أسرع من غيرها ليس بسبب التجاور مع شبه الجزيرة العربية بل لأن العراق هويته ثقافية ويعطي أفضلية لكل ماهو جديد ونافع على القديم.الجديد هو العربية،والقديم هي السريانية.الجديد هو الاسلام،والقديم هي المسيحية.أي أن العراقي يعطي للعالمية (الخارج) اولوية الاختيار على المحلية (الداخل).
التبني السريع للعربية سمح لهم منذ بداية الفتح أن يشاركوا بصورة فعالة في صنع الحضارة الاسلامية،بل أن العراقيين هم من وضع اللغة العربية نحوها وبلاغتها وتنقيطها وحركاتها وسكونها من خلال ميراث الحرف البابلي واللغة السريانية،ثم برزت في هذا المجال مدرستي الكوفة والبصرة.أما استبدالهم الدين المسيحي بالدين الاسلامي،أصبح العراقيون رواد المدارس والمذاهب الدينية.هذا المثال يعبر بشكل واضح عن نظرية الهدم ثم البناء.هدمت في العراق قيم وأعراف ورموز ودلالات قديمة بغيرها جديدة.بعد توقف قليل خلال حكم السلالة الأموية،وبعد أن اتخذوا دمشق عاصمة لهم بدلا عن الكوفة،أحس العراقيون بأن الأمويين سرقوا جهودهم واقتنوا ثمار جهدهم.
الهدم الثاني:بعد أقل من ثمانين عاما،فتح العراقيون ابوابهم نحو جيوش أبا مسلم الخراساني القادمة من بلاد فارس لاسقاط الحكم الأموي واعادة تجربة التلاقح الخارجي الداخلي وأصبحت بغداد حاضرة العالم ومنارها مازجين المحلي هو ارث أكد وسومر وبابل حمورابي وآشور الذي ورثوه من أسلافهم في نينوى وبابل وسومر،مع الخارجي العالمي الفارسي والاغريقي والهندي والمصري والشامي وهدمت القيم القديمة وبنت قيما جديدة الرموز والدلالات والمعاني منها مثال على ذلك:
أ.التزاوج:منذ العصر العباسي الأول (750م-م846) برزت ظاهرة التمازج الحضاري السكاني بين الجماعات العربية التي استقرت في ربوع النهرين من سكان العراقيين الأصليين من الذين دخلوا الاسلام.فمثلا بالنسبة للخلفاء العباسيين،من بين سبعة وثلاثين خليفة عباسي لم يكن من بينهم من هو عربي الأم الا ثلاثة هم أبو العباس السفاح والمهدي بن المنصور ومحمد الأمين بن هارون الرشيد.وهذا خلاف ما جرى على العرف أيام الأمويين حيث كان لا يستخلفون أبناء الاماء.
ب.الجواري:في العصر العباسي تحول المجتمع العراقي الى أكبر المجتمعات في التاريخ الذي يملك هذا العدد من الجواري والرقيق من جميع أنحاء العالم العربي والأعجمي.وكثير من هؤلاء الرقيق قد أستثمروا أوضاعهم الجديدة فصعدوا بالسلم الاجتماعي وأصبحوا أعضاء في الطبقة الحاكمة، بل أن بعضهم أصبحوا سلاطين،ومن أشهرهم كافور الأخشيدي في مصر،كذلك أمهات وزوجات الخلفاء اللواتي كن جواري،ومن أشهرهن الخيزران أم هارون الرشيد.لم يقتصر أمر الجواري على نشر الخلاعة والمجون بل كان لهن تأثير ايجابي وواضح يتمثل بمساهمتهن في نشر الثقافة والفنون المجلوبة من مجتمعاتهم الأصلية،سواء الموسيقى والغناء وفن الطبخ والأزياء والأدب والشعر،وكان لهن تأثير على الأدباء،ولهذا أنتشر شعر الغزل بصورة تفوق أي عصر،وأنقسم الى غزل عفيف وغزل ماجن،ومن أشهر القصص المعروفة على هذا الصعيد قصة(بشار بن برد وعبدة) وقصة(العباس بن الأحنف وفوز) وقصة(أبي العتاهية وعتبة) و قصة(أبي نواس وجنان)(26).
ج.مشاركة المرأة:شاركت المرأة سياسيا بسبب التطورات الاجتماعية المتسارعة آنذاك.فقد اعتمد الخليفة المنصور على النساء في جميع الأخبار على أعداءه وكذلك معرفة أحوال الناس،مثل زينب بنت سلمان.كما مارست المرأة القضاء،فقد تولت أم الخليفة المقتدى العباسي رئاسة محكمة استئناف بغداد
ولما تسلم المهدي الخلافة ظهرت المشاركة النسائية بصورة واضحة واستمر لا حقا(27).
الهدم الثالث هو:ـتأسيس الدولة العراقية الحديثة.أكبر عملية هدم للقيم القديمة وبناء قيم حضرية جديدة حصلت في بداية القرن العشرين بعد غزو واحتلال بريطانيا للعراق.ثورة العشرين ماهي الا تصادم الخارج (بريطانيا)مع الداخل(الشعب العراقي)والذي ولد العراق الحديث.هذا التصادم في مبتداه هدم عالم الأمبراطوريات والخلافات والسلاطين والأمراء وعالم الولايات(البصرة،بغداد والموصل) الى عالم الدولة المركزية الحديثة وعاصمتها هي قلب التاريخ الذي عمره أكثر من 6000عام وهي بغداد،بغداد العباسي الملتصقة ببابل حمورابي.بغداد بالنسبة الى اللاوعي الجمعي للعراقيين هي الأم التي تعطيهم الحنان والدفيء والجمال،وتعطيهم العزة والفخر والشموخ.ظاهرتين تاريخيتين متشابهتين ظهرتا في تاريخ الانسانية مع فارق ستة قرون وهي:
انتقال الايمان من بيت المقدس(المسيحية) ورحيله الى أوربا وتزاوجه مع الفلسفة اليونانية.بدل أن يحصل الزواج في أثينا عاصمة الفلسفة اليونانية،بل تم الزواج في روما.لماذا روما؟لأن روما عاصمة الامبراطورية الرومانية كانت مشهورة بالقانون والعمران.حصل نفس الشيء بعد ستة قرون هو رحيل الايمان من المدينة وزواجه مع الفلسفة الفارسية.لم يتم الزواج في بلاد فارس بل تم في بغداد.لماذا بغداد؟لأن بغداد هي بابل،وكانت بابل مشهورة بالقانون والعمران.لولا التزاوج بين المسيحية والفلسفة اليونانية،لكانت المسيحية أقل حالا من الأقليات الشبه المنقرضة مثل الآثوريين والأكديين والأرمن،وكذلك بالنسبة للاسلام لو لا هذا التزاوج بين الايمان والفلسفة الفارسية لكان حالها مثل الصابئة واليهود.
الهدم الذي حصل بعد تاسيس الدولة العراقية والتي كانت وليدة التصادم الخارجي البريطاني مع الداخل المحلي العراقي،هدمت قيم الولائات العشائرية والطائفية والدينية والولاء والفيصل أصبح للدستور،كذلك تم بناء دولة قومية ذات حدود معترف فيها دوليا وعاصمتها بغداد،وكذلك بناء مؤسسة عسكرية وطنية،وظهور قيم اجتماعية جديدة مثل المواطنة والحرية والمساواة والدولة العادلة والاستقلال وحق تقرير المصير،ومفهوم الهوية.هذه المفاهيم والقيم لم تكن موجودة ابدا بل ولدت بعد الهدم الذي حصل نتيجة التصادم بين الخارج والداخل.هذه المفاهيم استطاعت أن تكون بوتقة تصورات الانسان الحديث وتتحكم في رؤيته وتفسيره ونظرته للحياة وللعالم(28).ويؤكد الباحث فالح عبد الجبار،أن تأسيس الدولة العراقية الحديثة أضعف عالم الرعايا والهويات القبلية والطائفية وأزيل أهل الذمة(29).ممكن القول هنا أن العراق يحصل فيه بناء كبير عندما يكون هناك تصادم عنيف بين الخرج والداخل كما حصل في العصر الاسلامي الأول والعصر العباسي وأخيرا بعد الاحتلال الانكليزي.وهناك نقاط تشابه كبيرة بين العراق وفرنسا.السؤال الذي ممكن أن نطرحه هو:هل هناك بناء كبير بعد التصادم العنيف الذي حصل بين الخارج في 2003 وهو الاحتلال الأمريكي وبين الداخل الذي أخذ أشكالا مختلفة؟حسب هذه الدراسة،نقول نعم.سوف يحصل هدما كبيرا في القيم الماضية وتظهر محلها قيما جديدة لم يعرفها العراقيون مسبقا وسوف يأخذ العراق دوره الحقيقي وتعيد بغداد عفتها وجمالها وهيبتها وشموخها ورقيها وتقدس من يعيد لها هيبتها مثلما اعاد الامام علي الهيبة للعراق بنقل الخلافة من موطن نزول القرآن الى موطن ولادة قيم القرآن.لا يوجد شعب يكره معاوية بن ابي سفيان مثل العراقيون لانه كسر هيبتهم بنقل الخلافة الى دمشق.وقد يكون اللاوعي هو الذي دفع صدام حسين بوقف مشروع الوحدة بين سوريا والعراق حتى لا يضعف هيبة بغداد أمام دمشق.
الخلاصة:دراسة حول الشخصية العراقية والعراق المميزة اقليميا وعالميا.هذه الدراسة ماهي الا استمرار لدراسة العلامة العراقي الدكتور علي الوردي عن الشخصية العراقية الا اني استخدمت منهجا بحثيا موحات من نظرية الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا والتي تسمى بنظرية التفكيك أو الهدم،وهي ليست نظرية مايكل ليدن الأميريكي المسمات بالفوضى الخلاقة والتي هي تعبيرا عن الهدم والبناء لكن بصناعة الهدم.تتلخص نظرية جاك دريدا بحصول المستحيل الذي يهدم القيم القديمة ويبني قيما جديدة مثل الثورة الفرنسية في عام 1789م التي هدمت قيم السلالات والاقطاعيات والدين وبنت قيم جديدة من المساواة والحرية والاخاء. من أولويات هذه الدراسة هي كيفية اختيار النماذج أو العينات البحثية التي ممكن بواسطتها الحصول على نتائج دقيقة وواضحة.من بين تلك النماذج أخترت المفكر والباحث والكاتب والسياسي والصحفي الاستاذ حسن العلوي حيث وجدته نموذجا متكاملا كالزجاج نرى من خلفه كل واردة وشاردة. بالنسبة للشخصية العراقية وجدت كما وجد الدكتور علي الوردي بأنها شخصية ازدواجية تحمل قيم متناقضة، ولكن على خلاف علي الوردي وجدت هذا التناقض ليس سببه صراع بين قيم البداوة وقيم الحضارة بل هذه الازدواجية ناتجة من اللاوعي الجمعي التي جذورها تمتد الى أكثر من 6000 عام ويعود بالدرجة الأولى الى هوية العراق التي هي ناتج  ثقافي أكثر مما يكون حربي.هويته ناتجة من التصادم بين الخارج(عالمي) مع الداخل(محلي) والذي يولد من هذا التصادم(الهدم) بناءا جديدا مميزا. يسلك العراق والعراقيون هذا السلوك منذ آلاف السنين.وخير دليل على ذلك،تصادم الاسلام العربي الخارجي القادم من الجزيرة العربية مع العراق المسيحي السرياني المحلي مما أدى الى هدم قيم الماضي(المسيحية والسريانية واللغة) وبناء قيم ورموز ودلالات جديدة(استبدلت المسيحية بالاسلام واللغة السريانية بالعربية) وأصبحت الكوفة عاصمة الخلافة الاسلامية العالمية وأصبح العراق مؤسس المدارس الفكرية والفلسفية وأعادت مجد بابل،ويعود الفضل بذلك للامام علي.التصادم الثاني حصل بعد أن ذلوا الأمويين العراقيين ونقلوا الخلافة الى دمشق،وبسببه سمح العراقيون بدخول جيش أبا مسلم الخراساني من بلاد فارس وتصادم مع بغداد وولد من هذا التصادم أقوى وأبهى حضارة انسانية عرفها التاريخ ولمدة 7 قرون في بغداد.رجعت مرة أخرى هيبت بابل في اللاوعي الجمعي العراقي.وبعد اقصاء العراقيين من فن الحكم والادارة لمدة 7 قرون من سقوط بغداد سنة 1258م الى بداية القرن العشرين وفيه حدث تصادم بين الخارج الانكليزي والداخل المحلي وحدثت شرارة ثورة العشرين وكان من بعد هذا التصادم العنيف ولادة أجمل دولة عصرية مدنية حديثة في بغدا ورجعت حلة بغداد وهيبة بابل. رمز العراق هي النخلة.النخلة شجرة وحيدة المسكن،أي الاعضاء الذكرية على شجرة والانثوية على شجرة ثانية.أي لا يتم التلقيح الذاتي كما في باقي الأشجار.لذا يتطلب دخول خارجي يسمح بالتلقيح. والذي يقوم بالتلقيح هو متسلق(صاعود النخل) يصل الى قمتها. الشخصية العراقي تعيش في القمم وبعدها تعمل التلقيح بين مايأتي من الخارج مع الداخل.لماذا لم يحدث بناء بعد التصادم الأخير الخارجي الأمريكي مع الداخلي المحلي بعد غزو أمريكا للعراق في سنة 2003؟.حسب دراستنا سوف يحدث تغيرا وبناءا لأن هذا هو سلوك العراقيون تاريخيا،لكن في حالة دخول الاسلام للعراق، ولدت الحداثة منهم وليس من غيرهم.استخدموا اللغة السريانية والحرف البابلي لتطوير اللغة العربية وتنقيطها. وفي عصر هارون الرشيد أيضا الحداثة نبعت من بيئتهم والأمم الأخرى تبنتها. في الدولة العراقية الحديثة عام 1920 رغم ان البرلمان والديمقراطية والدستور غريبة عليهم الا أنهم وبشطارتهم وقدرتهم العالية حولوا المضيف العشائري الى برلمان والقرآن بقيمه العادلة الى دستور يضمن كرامة الانسان بدون تميز، وحولوا الله الى سلطة الملك أو الدولة.أي الحداثة شبه عراقية. أما في 2003م يحاول العراقيون أن يخلقوا الحداثة من واقعهم مثلا البصرة تريد ان تعيد مجدها كولاية مهمة كما كانت في التاريخ ولكن باسم اقليم.وهذا قد يأخذ وقتا ولكن النتيجة هي بناء.
المصادر:
1.Friedrich Hegel,phénoménologie de l’esprit 1807.
Karl Marx,Introduction générale à la critique politique de l’économie politique.Marcello Musto 1939.
3.بن خلدون:(ت1406م)مؤرخ تونسي المولد ويعتبر من مؤسسي علم الاجتماع الحديث.ويكيبيديا،الموسوعة الحرة.
4.Thomas Carlyle,les héros,le culte des héros et l’héroique dans l’histoire.James Frayer 1841.
5.Oswald Spengler,Le Declin de l’Occident.An Abridged 1922.
6.Mohammed Arkoun,la pensée arabe.Presses Universitaires de Françe 2014.
7.Arnold Toyenbee,l’Histoire.Payot et Rivages 1996.
8 Derrida,Benoît Peters,éd.Flamarion coll.Grandes,biographie,2005.
9.Michael Ledeen,freedom Betrayed,1996.  
10.Jean Paul Sarte,critique de la raison dialectique.Gallimard,Paris 1960.
11.د.علي الوردي:شخصية الفرد العراقي.شركة الوراق للنشر،2007
12.Lain Peyrefitte,le mal Français.Fayard 2006.
13.Oscar Wilde,le portrait de Dprion gray.Chêne 2016.
14.د.جواد علي:المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام.دار الساقي 2001.
15.Badawi Abdurrahman,le problème de la mort dans la philosophie Existentielle.Thèse DEA,Paris 1964.
16.Victor Hugo,L’homme qui rit.Albert lacroix 1928.
17.Sigmund Freud,Introduction à la psycanalise.Payot 2015.
18.Blaise Pascal,Renaissance et Réforme.Encyclopaedia Universalis 1660.
19.حسنين هيكل:(ت2006م)أحد أشهر الصحفيين العرب والمصريين في القرن العشرين.ساهم في صياغة السياسة في مصر وكان رئيس تحرير جريدة الأهرام.ويكيبيديا،الموسوعة الحرة.
20..حسن العلوي:ولد في بغداد عام 1936في كرادة مريم حي العباسية ضمن عائلة فقيرة ومتعلمة تملك مكتبة ضخمة غنية بكتب التراث والفقه واللغة والتاريخ والتي تعود الى جده السيد سليمان فقيه الكرادة وامامها.كان حسن العلوي الشخصية المقربة من صدام حسين أيام أحمد حسن البكر وكان يلقب ب محمد حسنين صدام ،وكان رئيس تحرير مجلة ألف باء،وهو شقيق هادي العلوي الذي يعتبر من أهم من أنجبته العراق في القرن العشرين من كتاب مرموقين.ويكيبيديا،الموسوعة الحرة.
21.بن البواب:(ت1022م)من أبرز خطاطي العربية ،ولد في بغداد.ترك بن البواب منظومة في الخط.ويكيبيديا،الموسوعة الحرة.
22.ليونارلد دافنشي:(ت1519)كان موسوعيا ينتمي الى عصر النهضة حيث كان رساما،مهندسا،عالم نبات،عالم خرائط،نحات ومعماري ايطالي.ويكيبيديا،الموسوعة الحرة.
23.د.علي الوردي:كتاب شخصية الفرد العراقي.منشورات دار ليلى-لندن-الطبعة الأولى 2001.
24.Freud Sigmund : Introduction à la psychanalise. Paris2015.
25.انتشار الاسلام والتعريب في العراق-سليم مطر.
26.الجواري والشعر في العصر العباسي.سهام الفريح.
27.المرأة والمشاركة السياسية/د.محمد خريسان/بيروت1997.
28.بناء المفاهيم في الدولة الحديقة،المواطنة والدستور انموذجا.حكمت النحاتي-شبكة النبا المعلوماتية2017.
29.المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف.فالح عبد الجبار.الفرات للنشر والتوزيع.بيروت2008ص18.