الله وأبليس
    الثلاثاء 8 أغسطس / آب 2017 - 04:12
    هاني الحطاب
    لا أعرف لماذ اشعر في الحراج  كلما تحدثت في موضوع غير السياسة ! فهل بات قدرنا أن نشتم بَعضُنَا البعض ، أو نقف مع هذا  ضد ذلك ، لعل الظرف الأستثاني ،  الذي يمر به العراق والمنطقة ، والذي يريد أن يتأبد ، هو مصدر هذا الأحراج ، لأنه يذكر بالقول عرب وين وطنبور وين. ولكننا وجدنا ،  هنا من يتحدث عن الأستنماء في جرءة يحسد عليها ( كتبت تلك المقالة في ذلك الوقت ولم ننشرها ) فقد حسبنا وضع العراق هو الكل في الكل . وبما أن موضوعنا، فيما يبدو ،  أخف من ذلك ، وأكثر أهمية ، على الأقل حيث تناوله من الفئة المثقفة على مر التاريخ . ومن ناحية آخرى ، موضوعنا ، والذي هو أبليس والله ، أكثر معاصرة وأثار من الأستنماء ويخص وضعنا الحالي ، فأبليس أو الشيطان والرحمان يقفان الآن في صراع مميت من أجل السلطة أو السيادة والقوة  . وكانت مناسبة هذا الحديث هو كتاب قرأناه ، وثار الحمية فيينا لمراجعة كثير من المفاهيم المغلوطة والتي تحتاج لمراجعة قبل أن ينطفئ أخر وهج  في العقل النقدي ، الذي بشر به كانط ، في عصر الرأسمالية التي بلغت أوجها الآن ، حين خمد وخرس أي صوت للعقل في نقد ما يحدث في منطقة الشرق . فالقوة المعارضة والتي كان لها حضور وتغير من توجه حكوماتها راحت تسير في ركبها وتضفي المشروعية على أعمالها . فأفول العقل كان قد بشرت به مدرسة فرانكفورت  منذ فترة طويلة . فالعقل ، كما يعرف البعض مقولة اجتماعية وليس حالة طبيعية ، بمعنى قد يصبح التوحش  والعنف هو العقل والعقلانية في ظروف اجتماعية معينة ، كما هو الأن في اعلى مراحل الرأسمالية .  وفي هذا المقالة نريد أن نعيد الأعتبار إلى أبليس ، كما فعل صاحب كتاب أبليس في القرأن ، الذي نعتمد عليه في تلخيص رأيه في هذا الموضوع . فهو قد تناوله بشكل يختلف جذرياً عن تناول جلال الصادق العظم في كتاب أبليس  والعقل . فأبليس هنا ليس هو الشيطان كما هو شائع ، فمألوفنا ، يقدم تفرق بينهما ويصحح الفهم المغلوط عنهما .  فأبليس بادئ ذي بدء ، وكما يقول الكاتب شخصية تراجيدية ، وما نعرفه نحن عن الشخصية التراجيدية ، أنها ذلك الإنسان أو البطل الذي لا ينحي أمام العواصف ولا يساوم ، شخصية ذات جمود عقائدية ، فهي في المسرح مثل شخصية أوديب وهملت ونتغونا ، وفي السياسة والدين مثل شخصية الأمام علي . فالذين  كتبوا عن الأمام  علي بدء بكتاب اليسار واليمن في الإسلام  وجورج جرداق وكثير آخرون وصفوه برجل العقائدي والذي لا يترك مجال إلى المساومة والسياسة . وصف أبليس  بشخصية التراجيدية ليس بدون وجه حق كما سنرى بعد برهة . فعلينا أولاً أن نقول أن أبليس ليس هو الشيطان ، فأبليس ليس شخصية نمطية كما يقول لنا المؤلف لكتاب ابليس في القرآن ، بمعنى ، أن لا يفعل الشر وحده ، كما هول الحال مع الشيطان الذي كل افعاله شريرة ، أم ابليس ، كما صوره المتصوفة ، كالحلاج ، وجلال الدين الرومي ، فهو يقوم بكثير من الأفعال التي تدل على الخير أو التقوى ، ولكن ، أبليس عدو إلى الإنسان أو يريد يثبت إلى الله خطأه في تفضل الإنسان عليه وطلب السجود له ، والذي كان سبب في طرده من الجنة .  فأبليس قبل هذا الحدث كان ملأك كبير في السماء . وله مقام رفيع بين الملائكة. ومأساة أبليس تبدأ مع قرار الله في خلق كائن جديد ، لم يقدم الله سبب لهذا الخلق للملائكةًالتي كانت تعيش معه ، وحين اخبرهم بعزمه حذرته من هذا الكائن . لأنه سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء . ولكن الله تعذر لهم بأنه يعرف ما لا يعرفون وافقت الملائكة مضطره . وكل امتياز الإنسان عن الملائكة ، أنه يعرف الأسماء التي علمه أياه الله نفسه ، ( بدون أن يذكر اللغة الذي علمه  بها، فلشيء الواحد كما بتنا نعرف أسماء متعددة ، بتعدد اللغات ) أما لماذا لم يعلم الملأئكة تلك الأسماء ، فهذا يعد من أسرار الله . فرفض أبليس السجود لآدم ، مبرر من وجهة نظره ، ومن وجهة نظر المنطق ، حتى ولو كان الأمر الصادر له من الله ، لأن أبليس أتخذ عهد على نفسه أن لا يسجد للأحد سوى الله ، والله يعرف هذا  ، ومن وجهة نظر منطقية ، فأن مكانة أبليس ومنزلته لا تسمح له بهذه المذلة ، بأن يسجد لمخلوق من الطين لا زال الماء الوسخ ينز من مسامه ، فهذا الوضع المذل ، الذي وضعه الله فيه لا تسمح أو لا يتسع لخيار آخر سوى الرفض من قبل أبليس ، فأبليس كائن منطقي يفكر بالعقل ، ولا يخضع لنزوات الله التي تتعارض مع منطقه . فأبليس هو الكائن الذي يقول لا ، حينما يشم رائح تعارض مع المنطق والمعقولية ، وهو مثل إنسان البير كامو المتمرد الذي يقول لا حينما يصل العبث إلى ابعد من حدود العقل . فرض أبليس من مبرر من وجهة نظر عقل الإنسان على الأقل . فأي كائن عقائدي  صارم ، في وضع كهذا يتعارض مع مبأدىه ، يرفض ، وهذا بضبط ما حدث الفيلسوف الأنكليزي ، صاحب كتاب اليوطوبيا ، توماس مور حينما أمره ملك إنكلترا ، حينما كان  مور من كبار القضاة ، أن يسن له ، فقرة تسمح له بزواج من محبوبته ، وكان مور هذا صديق هذا المللك . فرفض خيانة مبأده  .  وهذا ، أيضاً ، موقف اللأمام علي ، حينما نصحه أحد أصحابه لبقاء على معاوية لفترة  في حكمه لشام  ، ثم عزله ، حينما يستب الوضع له ، فقال له هل تريد من أساوم وداهن علئ ديني . فالشخصية العقائدية ، أو في التعبير الحديث  التراجيدية لا تنازل عن عتقادتها لسلطة المستبدة  . وعليه يكون أبليس هو أول من علم الأنسان الرفض لأي أمر يتعارض مع العقل . وعلينا ، أن نظرإلى ابليس نظرة مختلفة عن الشيطان ، فالشيطان له بعد واحد أو صورة واحد في مخيلة البشر ، أنه شر مطلق ،  في حين نرئ ابليس كأئن محبوب ومقدر من قبل الفلاسفة والشعراء وخصوصاً المتصوفة الذين لهم قصص كثيرة عنه ، وينظرون له بتقدير وأحترام . وقبل أن نورد بعض القصص هنا ، والتي تدل على نوع العلاقة  التي تربطه مع البشر ، علينا أن نستقصي مفهوم أبليس ، سوى من ناحية سيكولوجية أو فلسفية . فهو من الناحية السكولوجية ، يمكن أن يفهم على أنه غرائز الإنسان البدائية ، من خوف ، وقلق ، وعدوان ، والتي وصفها القرآن  بالوسواس ، أي ما يوسوس في صدور الناس من جنت وأناس .  فجسد الإنسان ، بحسب هذا الفهم الديني مملوء بتلك الكائنات ( الغرائز )  والتي يمكن أن تحرضه في لحظة على العدوان  . فأبليس  في التحليل النفسي ، عند فرويد خصوصاً هو تلك الغرائز البدائية ، لأن في علم النفس لا وجود لمثل ذلك المخلوق في الكون ، فهو رمز  بدائيي لتلك الغرائز لدى الإنسان .  فأبليس يمكنه ينفذ لداخل الإنسان أو يشكل جزء من طبيعة الإنسان حسب الحكاية التي يوردها المتصوف الكبير فريد الدين العطار . فغرائر الإنسان كانت موضع دانة من قبل الدين والتي يصفها بالشيطانية ( الفجور في النفس ) لكي يكرس جهده للعبادة .  هذا أبليس من الناحية النفسية ، أما من الناحية الفلسفية ، فأن أبليس أيضاً شغل الفلاسفة ، وبما أن الفلاسفة لا يحبون استخدام مقولات الدين في وصفه ، ويحاولون الأبتعاد عن استخدام المقولات الدينية البحتة . فمنذ زمن المانوية ، وهذه الثنائية ،  الصراع بين النور والظلام موجودة ، والفلسفة اختار مقولة لامعقول ، بدل أبليس ، لكي تقر بهذا الصراع الثنائي ، الذي كان ميزة التفكير القديم . فصراع بين المعقول ولا معقول هو التفسير الفلسفي لما في الوجود من صراع . فالفلاسفة يفسرون الشر في المجتمع والكون بالجزء لا معقول في طبيعة الإنسان كما فعل فلأطون مثلاً في تقسيم النفس البشرية . وهذا الجزء لا معقول مرة يعزو إلى طبيعة البشر ومرة إلى بنية أو تركيبة المجتمع ، فرويد مثلاً نسب الشر لغرائز الإنسان بينما ماركس عده جزء  من تركيبت النظم الإجتماعية التي تعاقبت على مر التاريخ ، وراء في الراسمالي كمحطة أخير لصراع مع الشر ، لكي تدخل البشرية لجنة الشيوعية بعد الأنتصار . تلك الرؤى الثلاثة ، الدينية ، التي نسبت وجود الشر للبليس ، والفرويدية والتي قالت بالغرائز البشرية البدائية ، والماركسية التي  لصقت الشر في تركيبة المجتمع القائم على الأستغلال . هذه النظرات الثلاث هن اللواتي سادن بتفسير الشر في التاريخ الإنساني . فالشر ، وأبليس  ، في الفهم الديني ، شيء واحد ، لأن الإنسان مخلوق الله  ، الذي أفسده أبليس وأخرجه من الجنة غير منه ومن مكانته عند الله .فهل سبب الشر أبليس أم أمر الله له بالسجود لآدم وهو يعلم أن أبليس لا يسجد إلا له  ؟  ومن هنا ينبع تعاطف المتصوف مع أبليس ، ومن كونه كائن تراجيدي  ، يثير عطف وشفقة المتفرجين . ولذا لا ينظر أليه على أنه شر مطلق مثل الشيطان ، وتلك الجوانب الآخر هي التي ركز عليه المتصوف في في النظر إلى أبليس . فمعروف أن المتصوف يختلفون عن المؤمنين التقليدين ، والحادي الجانب ، الدوغمائيين . فهم ، أعني ،  المتصوفة  ، سوى ، في تفسيرهم القرأن أو في سلوكهم ، وممارساتهم يختلفون بشكل  جذري عن المؤمن التقليدي ، فأبليس لا يحظي لدي المؤمنين  بأي شفقة أو مكانة ، فهو مجرد كائن ملعون ليوم الدين . وهذا  ، في المقابل ، لا يعني آبداً أن المتصوفة يأيدون أبليس في تمرد وعدم طاعة للأمر الله ، كل ما في الامر أن يخذون موقفه في الحسبان ورح التفهم . فالله حينما طرد أبليس من الحضرة الإلهية ، لم يجرد من كل شيء ، بل  أعطاه العالم الذي يسكن الإنسان وجعل من المغوي له ، وهو صاحب المعرفةالشاملة ، كما في مسرحية فاوست لغوته  ، وكريستوف مارلو في مسرحية الشيطان . فقد أراد أبليس أن يثبت إلى الله بأن خلقه للإنسان خلق لشر . فالله ، من وجهة نظر أبليس هو المسؤول عن وجود الشر في العالم . وهذه الناحية الأخلاقية في أبليس هي محل تقدير المتصوفة له ، فالمتصوف لا يأخذون كلمات الله عنه وصفه له على علاتها ، وأنما يأولونها ، ويبحثون عن المعنى الأصلي لها . فأبليس من وجهة نظرة الصوفية المالك لهذا العالم ، وهو  أيضاً يشكل قسم كبيرة من طبيعتنا ، فالله عطاه تلك القدرة ، وترك له الحرية في أغواء من يشأ . فبحسب القصص ، تظهر هذين  الصفتين واضحتين ، فهذه القصة الأولى تبين ملكية أبليس لكل ما على هذه الأرض فالقصة تقول ؛

                "داهم النوم ، المسيح ، ابن مريم ، فوضع تحت رأسه نصف طابوقة .

    وعندما فتح المسيح عيناه بعد نوم قصير استرده به قواه ، رأى أبليس اللعين يقف فوق رأسه .

    فصاح فيه "أيها اللعين ، لماذا تقف هنا ؟

    فأجابه ،  "بسبب أنك وضعت طابوقتي تحت رأسك ! فكل هذا العالم هو مثل مملكتي ؛ ولذا لعلمك أن هذه الطابوقة تعود لي . فأنت أستوليت على  أشياء تخصني  ، وأنت تجاوزت على أرضي .

    رمى المسيح تلك الطابوقة بعيداً عن رأسه ، وصمم على أن ينام وجهه للأرض .

    وحين رمى المسيح ذلك النصف من الطابوقة  بعيداً ، قال أبليس  " الآن علي أن أتركك ، نوم هنئي . "

    فهذه القصة توضح في بساطة أن العالم المادي يخص أبليس فيما العالم الروحي والأيمان تعود للمؤمنين . فالله جعل هذه الدنيا ساحة صراع بين أبليس والبشر ، والرغبات والجاه والثروة هم أدوات أبليس في أيقاع البشر بحبائله .ولكن أبليس في كثير من الحالات ليس شيء خارجي  ، ويمكن تجنب وإنما هو في داخل الإنسان وجزء من طبيعته ، وعليه ، يقع علئ الإنسان عبء كبير في مصارعت أهواء ، كم توضح هذه الحكاية  لمتصوف فريد الدين العطار ، التي سنوردها كاملة بدون تلخيص ، على طولها ، خشية أفسدها بتلخيص  .


    " في أحد الأيام  ذهب آدم للعمل وجاء ابليس لزيارة حواء ، جالب معه أبنه الصغير ، خناس . وقال أبليس للحواء ، شيء ما مهم أستدعاني ، أرجوك أن تراقبي أبني حتى أعود ." وقبلت حواء العناية به . وغادرها أبليس .  وعندما رجع آدم ، سألها عن من يكون هذا الطفل ؟ فقالت ؛ أنه طفل أبليس ، تركه في عهدتي " أنفها آدم ، ولماذا وافقتي بهذا ؟ وأستشاط غضباً ، فقتل الطفل ، وقطعه إلى قطع ، وعلق كل قطعة على غصن شجرة . وحين عاد أبليس سأل أين طفلي ؟  وأخبرته حواء بالقصة ، وأنه قطع إلى قطع وعلقت كل قطعة على طرف شجرة . فناد أبليس ولده ، فعادت أشلاه تتلحم ثانية ، ودبت في الحياة مرة آخرى ، وقف أمام أبيه .

    وفِي وقت آخر خاطب أبليس حواء ؛ هذا أبني ، خذيه ، لدي عمل عاجل ومهم على أن أعمله ." رفضت حواء ، وراح يلح ويتوسل وينوح حتى قبلت . وغادرها أبليس. وجاء آدم وسألها ، عن من يكون هذا الطفل ؟ فأخبرته حواء بالقصة بحذافيرها . فعنفها . وقال ؛ أنا لا أعرف السر الذي وراء هذه القضية . أوامري تنبذيها، ولكن أمر عدو الله تقبليه ، وتنخدعين في كلماته ."  وبعد ذلك قتل الطفل وحرقه ، ونصف رماده القاه في الماء ونصفه الآخر ذراه في الريح ، ومن ثم غادر . ورجع أبليس وعمل نفس السيناريو مر ثانية . فهو بعث طفله من الرماد .

    ومر آخرى قدم مع أبنه خناس وطلب من حواء أن تعتني به ؛ وهي رفضت بشدة ، لأنها تخاف غضب آدم أكثر من أي شيء آخر ، أنه سو يقتلني توسلت للأبليس. بيد أن أبليس طمنئها ، فرضخت لطلبه ، غير قادره على مقاومة أغراه .  وأب أدم ، وتحير وغضب على حد سواى ، وتسأل كم سيطول هذا الوضع ، وشاور عقله ، وصمم على أن يجد حل نهائي . فقتل آدم الخناس وشواه ، وأكل هو نصفه ، وأعطى الآخر لحواء لتأكله  . وما أن رجع أبلس وسألها عن أبنه . روت له حواء كل الحكاية  ؛ " أنه قتله وشواه ، وأنا أكلت نصف وآدم نصف ."  فقال أبليس " هذه هي نيتي بالضبط، لكي أحرز على مدخل للداخل الإنسان ! وبما أن بات صدر الإنسان مسكني ، فأن مرامي تحقق ." ( ترجمتنا )

    وهكذا غدا أبليس في داخل الإنسان ، غير أن الصوفيين لم يطابقوا بين داخل الإنسان وأبليس تماماً ، كما يقول مؤلف أبليس في القرآن .

    فأبليس ، عند الصوفيين ليس فقط في الخارج وإنما في داخل الإنسان، والمؤمنين يستطيع مقاومته . وفِي الفهم المعاصر لم يبق من أبليس سوى القوى الشيطانية البشرية التي تريد تدمير العالم . فعالم بات خالي من القوى الميثولوجية  والتي حلت محلها القوى الطامحة لسيطرت على العالم بالقوة .

                                  هاني الحطاب
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media