"البـصرة".. اغنى مدينة في العالم تبكي فقراْ وحرماناً
    الجمعة 18 أغسطس / آب 2017 - 16:39
    حيدر عبد الحسين الشيخ
    عندما يتسائل شخص غريب عن الحال المزري لهذه المدينة العائمة على بحر من النفط بماذا سنجيب ياتُرى!!
    هل سنجيبهُ بخيبة وحسرة؟!! ام بثراء منهوب ونفط مسلوب؟!!

    نعم انها المدينة التي لولاها لكان حال بقية المحافظات العراقية كحال دار فور وغيرها من المدن الفقيرة في افريقا حيث لا طعام ولا ماء صالح للشرب ولا ولا تعليم ولا صحة، ولا مبالغة في ذلك على اعتبار ان الاقتصاد العراقي اقتصادٌ أُحادي الجانب يعتمد بشكل رئيسي على النفط، اذ تشكل البصرة نسبة 80% من الموازنة العراقية ولاتزال الشريان الاقتصادي للعراق لما تحتويه من كميات هائلة من النفط قُدر احتياطيها النفطي حسب بعض الاحصائيات بـ 50 مليار برميل من النفط الخام، لكن رغم ثرائِها لاتزال الى اليوم تعاني من الفقر والحرمان والفشل حيث تكاد الخدمات الاساسية ان تكون معدومة اما البنى التحتية لم يطرأ عليها تغيير سوى استحداث بعض المراكز التي تعد بالاصابع لقلتها.

    من المؤسف جدا رؤية الحقول النفطية الضخمة في مدينة البصرة وأهلها يعانون من الاهمال والتردي وسوء الخدمات ولم يحصلوا على شيء من تلك الحقول سوى دخانها الاسود.

    يعود السبب الرئيسي في فقر البصرة الى الحكومات المحلية والاتحادية المتعاقبة، اذ اُهملت هذه المدينة عمدا واصبحت كنزاً لذوي الاحزاب والشخصيات السياسية المتحكمة في الشأن العراقي عموما والبصرة خصوصا، فحكم الاحزاب الاسلامية لهذه المدينة من ايام محمد مصبح الوائلي وهو من حزب الفضيلة الى خلف عبدالصد من حزب الدعوة الى ماجد النصراوي من المجلس الاعلى زاد هذه المدينة سوءا بعد سوء لان الاموال التي صُرفت وتصرف اليوم لم تنفذ فيها اي مشاريع تنموية واستراتيجية مستقبلية، كما لايوجد منها اية مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية تضع خيرات البصرة في برنامج مستقبلي لاستغلال هذه الثروات بشكل صحيح.

    هناك معلومات تشير الى ان المبالغ التي صرفت على شركات التنظيف فقط تقدر باكثر من(6) مليارات دولار  في زمن المحافظ محمد الوائلي من "حزب الفضيلة" اي مايعادل تكلفة ابراج عالمية ضخمة ومشاريع بنى تحتية عملاقة ولا زالت الأموال تصرف بشكل اكبر من السابق في ضل حكم المحافظ ماجد النصرواي الذي هرب خارج العراق لإيران ومنها متوجها الى السعودية لاداء مناسك الحج ولا اعلم كيف يمكن له ان يحج وهو مسؤول عن اموال طائلة خصصت لمدينة البصرة ولم يجني منها البصريون سوى تردي الاوضاع الخدمية بشكل مزري كما لم يتحقق اي شيء في مجال النظافة بل ازداد الامر سؤا حيث اكوام من "الزبالة" تغزو البصرة اليوم وكإنها مدينة نفايات وليست عاصمة العراق الاقتصادية.

    تأتي محافظة البصرة اليوم على رأس المحافظات الاكثر فسادا ماليا واداريا نتيجة انتشار الرشوة والمحسوبية والمنسوبية والاختلاسات المالية التي تمت بين الاحزاب السياسية الثلاثة التي تعاقبت على حكم البصرة مما تسبب في انعدام الخدمات الاساسية في هذه المدينة.

    بالرغم من ان مدينة البصرة لها ميزة خاصة من حيث موقعها الجغرافي المطل على الخليج العربي والمعروف بإرتفاع درجات الحرارة والرطوبة صيفا والذي يفترض ان يخفف عن كاهل المواطن البصري من خلال توفير الكهرباء لكن الى الان لم يتحقق اي انجاز في مجال الكهرباء ولازال المواطن يعاني من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في اليوم بالرغم من الاموال الطائلة التي صرفت والتي تقدر بملايين من الدولارات على الشركات الاجنبية مثل شركة "كاركي" التركية والتي توقف عمل بارجاتها الراسية في موانئ البصرة بين الفينة والاخرى لعدم تسديد الديون المستحقة لها والتي بلغت بـ (85) مليون دولار، وكل هذه المشاكل سببها عدم وجود مشاريع مدروسة بشكل علمي تخدم المواطن، حيث كان بالإمكان توضيف تلك المبالغ بصورة صحيحة لإنشاء محطة كهربائية دائمية تغذي البصرة بالكهرباء على مدار (24) ساعة في اليوم لكن غياب الشعور الوطني والمسؤولية وكثرة الاهمال وصرف الاموال في مشاريع فاشلة يمكن الاستفادة منها ماديا من قبل الاحزاب المتنفذة ادى الى ما ادى اليه من وضع مأساوي في واقع الكهرباء.

    لقد ذهب السياسيون الى ابعد من ذلك في هدر الاموال في مشاريع قصيرة النظر حيث تم صرف مبالغ ضخمة لانشاء ما يسمى بالحزام الاخضر وكان الهدف المزعوم من ذلك الحزام هو تلطيف الجو وصد الغبار واضافة ميزة جمالية لمدينة البصرة من خلال احاطتها بالاشجار، لكن المضحك المبكي في الامر لم يبقى من ذلك الحزام وتلك الاشجار سوى الاعواد الجافة التي خلفتها تلك الاشجار، فقد ادى التصحر الموجود في البصرة الى حالات اختناق بين المواطنين نتيجة الغبار الغليظ الذي يعصف بالبصرة بين فترة واخرى، حيث سجلت دائرة صحة البصرة في شهر مارس (92) حالة اختناق من مختلف المناطق، كل ذلك يحدث في ضل غياب القانون وعدم محاسبة السراق الذين نهبوا ولازالوا ينهبون بإموال الشعب المسكين.

    حيدر عبدالحسين الشيخ
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media