سُبُل النهوض في الشرق الأوسط/ الفصل الثاني: أسباب تناقض شخصية المسلم !
    الأحد 20 أغسطس / آب 2017 - 15:09
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة:
    سأذكر في الجزء الأوّل من هذا الفصل  بعض أسباب ومظاهر إنفصام و إزدواج شخصية المُسلم العادي ,كذلك تاجر الدين الذي نصّبَ نفسهُ مُمثلاً وحامي حمى الإله على الأرض ,ليقوم بجلدِ الناس بسوط الرب إذا هم حادّوا عن مشيئتهِ .كأنّ الإله نفسه عاجز عن عقاب العُصاة والمتجبرين على الفور لو شاء!
    هكذا نجد مجتمعاتنا البائسة تئّنُ تحت وطأة سياط هؤلاء المُشتغلين بالدين
    أمثال :القرضاوي ,الخامنئي ,محمـد بديع , حسن نصرالله وآلاف غيرهم!
    بينما المشايخ أنفسهم وأولادهم يتنعّمون بكل نِعَم ورفاهيّة ومَباهج الحياة ومُخترعاتها الغربية (الكافرة) ,بدءً من سفرهم بالطائرات الخاصة في أحضانهم اللابتوب وإنتهاءً بما يملكون من ثروات خيالية أدخلت العديد منهم قوائم الأثرياء!
    سيلي ذلك موضوع الإهتمام بالكميّة على حساب النوعيّة في البلاد الإسلاميّة!

    ***

    أولاً : أسباب إزدواج شخصيّة المسلم!

    1 / تناقض النصوص الدينية مع بعضها  (سوبر ماركت متنوّع)!
    هناك مئات الأمثلة التي لا أوّد الإقتراب منها , كي أتجنّب إثارة الأخوة المؤمنين إنّما مثالٌ واحد يكفي في هذهِ العُجالة .
    كلّنا يعرف حديث تحريم المسلم على المسلم / دمهُ ومالهُ وعرضهِ!
    لكن من جهة اُخرى , فإنّ حديث الفرقة الناجية :
    (ستتفرق اُمّتي الى بضعٍ وسبعينَ فرقة كلّها في النار ,إلاّ الفرقة الناجية)! يقود عملياً الى كراهية الفرق الإسلامية لبعضها ,الى حدّ القتل .
    هذه النقطة بالذات تخلق إنفصام في القاعدة الفكرية للمسلم!

    2 / تناقض مطالب وأوامر رجال الدين!
    (فيما بينهم من جهة) ,مع ما يطلبونهُ من الناس ويقومون هم بهِ (من جهة ثانية)!
    فهم يتحدّثون ويأمرون الناس بالبّر والفضيلة والتسامح حيناً  ,وينسون أنفسهم وأولادهم أحيان اُخرى!
    فترى منهم الفساد والكراهية الى حدّ الحثّ على القتل , فيحير المرء بأيّ شيخ يقتدي , ونصيحة مَنْ يتبع؟   
    وبما أنّ (الصورة فجر الكلام ) وهي خير مُعبّر عن الأفكار , فقد إطلعتُ بالأمسِ على صورة إنتشرت على الفيس بوك للقيادي الإخواني (عاصم عبد الماجد) وهو يتناول طعامه في أحد فنادق قطر الفاخرة ,بينما أتباعهِ من العوام المُغيبين والشباب الغضّ يقبعون في السجون والزنازين!

    3 / حقوق المرأة !
    يتحدثون دوماً عن رعايتها وصيانتها وتكريمها .لكن عملياً تسود الثقافة الذكورية الأبوية التسلطيّة .
    حتى التحرّش الجنسي وإغتصاب المرأة يعتبرونها هي المسؤولة عنه .
    وأحد الدُعاة السعوديين إسمه (عبدالله داوود) طالبَ الشباب بالتحرّش بالعاملات والكاشيرات لأجلِ ردعهم عن الخروج من بيوتهم .
    وتسائل بصوتٍ صاخب :كيف تطالبون بالإختلاط ,وقوانين منع التحرش فى ذات الوقت؟
    ونسي أو تناسى ذلك الشيء المسؤول عن مشاكل الكبت الجنسي التي يُعاني منها هو وعشيرته ومعارفه ومجتمعه عموماً!   
    وصورة (اُخرى ) معبّرة وجدتها على الفيس بوك , بشأن نساء وفتيات الإخوان المُعتقلات مؤخراً في مصر على قانون التظاهر.كُتِبَ تحتها :
    وتلك الأيام نداولها بين الناس .. يا سُبحان الله ,الإخوانجية كانوا يقولون إنّ السيّدة التي تتعرض للتحرش والإغتصاب في التظاهرات تستحق ما يحدث لها ,مالَها ومال التظاهرات؟
    لكنّهم بعد طردهم من جنّة السلطة يدفعون بفتياتهم في مقدمة أعمالهم الغوغائية العدائية , فأين شرف الخصومة والمباديء؟

    4 / إزدواجيّة المعايير!
    حول بعض المفاهيم كالحرب مثلاً !
    إذ لا يفتأ المؤرخون المسلمون يعتبرون حروب الآخر علينا غزواً أو إستعماراً أو إحتلالاً .فيقولون الغزو الصليبي أوالإستعمار الحديث أو الإحتلال الأمريكي للعراق!
    بينما يقولون عن حروبهم ضدّ الآخر ,أنّها فتحٌ من الله ونصرٌ مُبين .
    كفتح الأندلس وفتح مصر وماشابه.    
    بالطبع أسوء وأقبح إستعمار ظهرَ على سطح الكوكب (وهو الإستعمار العثماني) للبلاد العربية وسواها .لا يعتبره الأشياخ إستعماراً  بل إمتداداً لدولة الخلافة الإسلاميّة التي يُحاول أردوغان العصمنلي إحيائها اليوم .

    5 / الحلال والحرام !
    في هذا الباب نسمع العَجب العُجاب من تحليل أنواع غريبة من المتعة والجنس ,بينما تحريم أشياء وأفعال طبيعية وإنسانية .
    فيكثر في بعض البلدان (اليمن مثلاً) الزواج بالقاصرات ,وفي مصر ختان الإناث وفي السعودية يجوز مفاخذة الأطفال ونِكاح الزوجة المتوفية حديثاً .
    وأفتى بعضهم بجهاد النكاح حتى (مع المحارم ) للثائرينَ على الظُلم .
    ناهيك عن زواج المتعة بأنواعهِ والزواج العرفي ,وغير ذلك كثير ممّا يشيب الرأس!
    لكن من جهة ثانية فالمشايخ يُحرّمون إنفراد الرجل بإبنتهِ البالغة كي لا يغويهم الشيطان .ويحرموّن لعب الطفلة الفتاة مع صديقها أو جارها
    (هناك شريط لرجل سعودي ضرب إبنتهِ ذات الـ 5 سنوات حتى الموت متهماً إياها بالفجور مع جارها الطفل في نفس عمرها)!   
    كما يحرّمون إراتداء لاعب كرة القدم أو الرياضي عموماً للشورت كي لا تُثير سيقانهِ شهوة المشايخ .
    وبعضهم حرّم حتى وضع الطماطة قرب الخيار , كي لا توحي للشباب (لا أدري بماذا ؟) . فهل سمعتم عن كبت وغرائب أكثر من هذه؟
    والتناقضات تصل قمتها في هذا الباب . فحتى المثليّة الجنسية وهي مُحرّمة في الإسلام دون أدنى شكّ .لكنّ شيخاً إسلامياً في أمريكا (إسمهُ الشيخ عبدالله) أعلن أنّها حلال .بل تفاخر بأنّهُ مثلي ويقوم بتزويج المثليين المسلمين .إستشهد كدليل على صحة رأيهِ بأنّ المؤمنين يوعدون  بالغلمان في جنّةِ الخُلد!
    أفلا يُثير ذلك إنفصاماً في الشخصية ,حتى لو كانت فولاذية التكوين؟

    6 / العلم والدين !
    التناقض بين هذين الطريقين معروف وملموس منذُ الأزل ,ولا سبيل لإلتقائهم البتّه!
    مع ذلك نسمع (علماء) الإعجاز العلمي رفقاء (زغلول النجار) يملؤون رؤوس مستمعيهم بأنواع الأكاذيب والتناقضات التي تزيد في إنفصام شخصية المسلم البسيط!
    وكمثال أكرّره دائماً على تناقض العلوم مع الأديان ,هو قضية تأجير الأرحام في حالة السيّدات اللواتي لا يقدرنّ على الإنجاب لأسباب خَلقيّة فكيف يوائم الشيخ بين العلم والدين (الذي يُحرّم ذلك) في هذه الحالة؟

    7/ الطائفية والعنصرية !
    من جهة الإسلام دين عالمي يتوجّه بالدعوة لجميع البشر ,أليس كذلك ؟
    لكن من جهة اُخرى ,لا يقبل المسلمون من الآخرين أن يفعلوا ما يفعلونه هم بهم  معناها بمفهوم المشايخ يحّق للمسلم (حتى اللاجيء) الى الغرب الكافر أن يستفيد من قوانينهم وإنسانيتهم فيقوم بدعوتهم للإسلام .
    وقد تطوّرت الأمور في هذا المجال في بريطانيا الى حدّ إعتبار بعض المتشددين ,الملكة الإنكليزية (إليزابيث الثانية) كافرة يجب خضوعها للإسلام أو قتلها!
    كما شاهدنا ذلك في الأشرطة العديدة على اليوتيوب!
    لكن لو سمعنا عن (مُبشّر غربي) قادم الى بلادنا بداعي مساعدة الفقراء والأطفال والنساء فالقتل والسحل سيطالهُ لو وقع في أيدي المتطرفين!
    أمّا الطائفية بين المسلمين أنفسهم فحدّث ولا حرج , كما شاهدنا من جرائم مروّعة في العراق وسوريا .جرائم يندى لها جبين الإنسانيّة!
    ***

    ثانياً / الإهتمام بالكميّة على حساب النوعيّة في البلاد الإسلاميّة!

    في أغلب الأشياء في بلادنا تراهم يهتمون بالكميّة على حساب النوعيّة ,بما ذلك البشر أنفسهم!
    يزيد عدد نفوس العالَم حالياً (2017) عن 7,5 مليار إنسان!
    المعدّل العالمي للنمو أقلّ من 2
    في عموم الدول الأوربيّة يقل المعدّل عن 1 ,بمعنى هو سلبي أو تناقص!
    لكن في عموم الدول الإسلاميّة يزيد هذا الرقم عن 3
    نعم معدّل النمو السكاني لغالبيّة الدول العربيّة والإسلاميّة هو الأعلى عالميّاً وبفارق أكبر من المعقول!
    فمن بين أعلى سبعين دولة في العالَم بهذا الخصوص سيجد المتابع أسماء جميع الدول الإسلاميّة الـ 59
    السرّ الأوّل وراء ذلك يكمن في الثقافة الدينيّة والإجتماعيّة والإبتعاد عن التفكير العِلمي!
    أحاديث من قبيل (تناكحوا تكاثروا فإنّ مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة)!
    (تزوّجوا الودود الولود فإنّ مُكاثر بكم الأمم) ,تشجّع على الخلفة غير المخططة علميّاً!
    في بلدي الأمّ العراق وكذلك سوريا وفلسطين (بالأخص قطاع غزّة حيث معدّل عدد أفراد الأسرة الواحدة يفوق الرقم 8) رغم الحروب هناك فإنّ النمو السكاني يمكن وصفه  بالرهيب!
    مصر على سبيل المثال كان عدد نفوسها في الحرب العالمّة الأولى 1917 هو 12 مليون نسمة .عام 1947 وصلَ الى 18 مليون.عام 1966 بلغ العدد 30 مليون.
    عام 1986 بلغ الرقم 48 مليون .عام 2006 بلغ العدد 72 مليون .عام 2014 فاق الرقم 90 مليون .اليوم في عام 2017 يقترب الرقم من 100 مليون!
    فإلى أين المسير والمصير مع محدوديّة الموارد الإقتصاديّة وشيوع ثقافة التديّن بدل ثقافة العمل والعِلم؟
    لاحظوا حتى الظواهر والأمراض الإجتماعيّة السيّئة تزايدت في مصر الجميلة مع تزايد الأعداد المنفلت العقال ,كالعنف والتحرّش وقطع الطرق (التثبيت) والتعدّي على شركاء الوطن الأقباط ودور عبادتهم وغير ذلك كثير!
    وبخصوص الأقباط فلنا أن نعلم أنّ مصر كانت قبطيّة بغالبيتها قبل دخول (عمرو بن العاص) وجيشه لإحتلالها عام 642 .
    وقد كان هدفه منها في البدء تأمين الفتوحات الإسلاميّة وحماية ظهر المسلمين في حالة هجمات الروم .بينما خليفة المسلمين يومها (عمر بن الخطاب) كان متخوّف من فكرة دخول أفريقيا التي وصفها بأنّها مُفرّقة!
    لكن بعد أن وجدوا مصراً بمثابة الوزة التي تبيضُ ذهباً ,قرّروا البقاء فيها الى الأبد بالقوة والقهر طبعاً ,كما كانت تجري معظم أحداث ذلك الزمان!
    على كلٍ هناك ظاهرة طبيعيّة إسمها (الظاهرة المالتوسيّة) قد تفعل فعلها أحياناً لإعادة التوازن الطبيعي بين الموارد الإقتصاديّة وأعداد السكان!
    هذه الظاهرة (رغم كونها لا تمثّل نظرية علميّة بالمعنى الحرفي) لكنّها تنطبق على جميع الأمثلة المعروفة!
    الظاهرة المالتوسية (لمن لم يسمع عنها) منسوبة للعالم والقس (توماس مالتوس) الذي يقول:
    أنّ الموارد الإقتصادية عموماُ في العالم تزداد بطريقة متوالية عددية
    يعني : 1 , 2 , 3 , 4 , 5 , 6 ... وهكذا
    بينما أعداد البشر تزداد بطريقة متوالية هندسية
    يعني : 1 , 2 , 4 , 8 , 16 , 32 ... وهكذا
    لذا تحاول الطبيعة العودة والحفاظ على التوازن الأصلي بين أعداد الناس والموارد بأنواعها .فتعمد الى الكوارث الطبيعية , زلازل ,جفاف , حروب أهليّة ,تسونامي أندونيسيا ,تصادم القطارات (العادي) في الهند وما شابه!
    ***

    خلاصة الفصل الثاني!

    هناك تقرير من الهند نشرته الـ BBC   العربيّة بتأريخ 18 مايو 2014
    يحمل عنوان :رحلة القضاء على مرض شلل الأطفال!
    يتحدّث بالتفاصيل المُمّلة عن الجهود الإنسانيّة والعِلميّة المُضنيّة للقضاء على هذا المرض الخطير الذي يصيب أطفال الفقراء خصوصاً!
    أُمنيتي أن أسمع في يوم من الأيام تبرير منطقي شريف من عالِم إسلامي حول : لماذا الفقراء مُبتلون الى هذه الدرجة البشعة؟
    بالطبع هذا الموضوع  وأجوبة الإسلاميين بخصوصه أصبح مَثار سخرية وتندّر الشباب على مواقع التواصل بقولهم :(الفقراء أحباب الله)!
    لكنّنا نعلم أنّ الجواب العلمي يعود الى ضعف الحالة الإقتصاديّة والمعيشيّة والغذائيّة والعلاجيّة وما شابه!
    على كلٍ ستجدون في هذا التقرير أنّ مئات الآلاف من النساء الهنديّات إنخرطنّ وتطوعنّ في هذا الجهد ,موزعين الملايين من جرعات مصل مكافحة هذا المرض!
    بحيث الهند التي كانت تضم نصف عدد المصابين بمرض شلل الأطفال في العالَم أجمع ,أصبحت عام 2014 خاليّة رسميّاً منه!
    لكن من جهة أخرى في الباكستان (الإسلاميّة) المجاورة التي كانت جزءً من الهند حتى عام  1947  مازال المرض مُنتشراً هناك بكثرة واضحة!
    السبب الرئيس في هذا الوضع هذه المرّة ليس الفقر فحسب ,إنّما مشايخ الإسلام (الشرفاء) هناك .فهم يُحرّمون أخذ مصل اللقاح ,بحجة أنّه مؤامرة من الغرب الكافر لتحديد نسل المُسلمين ومنعهم من الإنجاب مستقبلاً!
    على أساس عدد نفوس باكستان مليون واحد ..وليس 100 مليون!
    شايفيين التطرف والتخلّف الديني بيعمل إيييه؟

    [ ليس من أجلِ الإمتداد عدداً بل الأرتقاء ,ذلك هو ما ينبغي أن يساعدكم عليه جِنانُ الزيجة يا إخوتي ] هكذا تكلّمَ زرادشت / نيتشه!


    رعد الحافظ
    20 أغسطس 2017

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media