الإمام الجواد عليه السلام المولود الأعظم بركة
    الأثنين 21 أغسطس / آب 2017 - 21:32
    عبد الكاظم حسن الجابري
    شكلت إمامة سيدنا أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليهما السلام مرحلة مهمة ومفصلية في تاريخ الإمامة, لما صادفها من ظروف سياسية واجتماعية, وما زامنها من شبهات عقائدية.
    ولد الإمام الجواد عليه السلام عام 195 هجرية, وأمه الطاهرة سبيكة تنحدر بنسبها لآل ماريا القبطية زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وكانت أفضل نساء عصرها, وقد قال عنها إمامنا الرضا عليه السلام "تقدست أمٌ ولدته خُلِقت طاهرة مطهرة"
    تسلم جواد الأئمة عليه السلام الإمامة وله من العمر ثمان سنين تقريبا, وقد عاصر اثنين من الحكام العباسيين هم المأمون وأخوه المعتصم.
    يذكر أهل البيت سلام الله عليهم إمامنا الجواد عليه السلام بالمولود الأعظم بركة, وقد شاعت هذه التسمية في أوساط الأسرة العلوية المباركة, يقول أبو يحيى الصنعاني كنت عند الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام, فجيء بابنه أبي جعفر عليه السلام وهو صغير, فقال عليه السلام "هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه" وعن ابن أسباط وعبّاد بن اسماعيل قالا: إنا لعند الرضا عليه السلام بمنى وجيء بأبي جعفر عليه السلام, قلنا هذا المولود المبارك؟ فقال الرضا عليه السلام "نعم هذا المولود الذي لم يولد ف الإسلام أعظم بركة منه".
    إن هذه الصفة التي أعطيت للإمام الجواد عليه السلام لا تعني أنه تميز عن باقي الأئمة سلام الله عليهم, لأنهم كلهم بركة وخير وسعادة للإنسانية وللإسلام, ولكن تأكيدها للإمام الجواد عليه السلام جاء لما مرت به فترة الإمام الرضا والجواد عليهما السلام من شبهات عقائدية, وابتلاءات مني بها هذين الإمامين, فقد كانت فرقة الواقفة نشطة في وقتهم, وهي الفرقة التي أنكرت إمامة الرضا عليه السلام, فاستغلت هذه الفرقة عدم انجاب الرضا عليه السلام لمولود وقد وصل عمره الأربع واربعين سنة ولم يرزق بمولود, لتثبت صحة معتقدها  فالروايات عن النبي صلى الله تقول إن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام, وها هو الإمام الرضا عليه السلام تعدى به العمر وليس له عقب, وقد أشاعوا هذه الفكرة, وساعدت أجهزة الحكم المعادية لخط الإمامة لدعم هذا التوجه, ومما يدل على ذلك هو اعتراض حسين بن قياما الواسطي –وهو من رؤساء الواقفية- على الامام الرضا عليه السلام وكتب للإمام رسالة قائلا فيها "كيف تكون إماما وليس لك ولد؟"
    فكتب الامام الرضا عليه السلام في جوابه "وما علمك أنه لا يكون لي ولد, والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا ذكرا يفرق بين الحق والباطل" وبالفعل رزق الامام الرضا بابنه الجواد عليهما سلام الله, وبذلك دحضت حجة الواقفة.
    كذلك وصل الحد ببعض ابناء عمومة الرضا عليه السلام, لإنكار انتساب الجواد عليه السلام لأبيه الرضا عليه السلام, بسبب سمرة بشرة امامنا الجواد عليه السلام, وكان لهذا التشكيك اثرا بالغا في قلب الامام الرضا والما, لذا احتج العمومة بالاحتكام الى القيافة –وهم الذين يقايسون المولود ويلحقوه بابيه- في حادثة مفصلة ذكرتها كتب السيرة, انتهت نهاية بفوز الامام الرضا وابنه عليهما السلام وبطلان حجة المدعين.
    عرض المأمون على امامنا الجواد الزواج من ابنته أم الفضل –بالحقيقة لم يكن عرضا بل هو اجبارا- ولم يكن خيارا امام الامام الا القبول, وكانت اهداف المأمون معروفة من هذا الزواج, هي لإسكات العلويين الذين تأكدوا بان المأمون هو من قتل الامام الرضا عليه السلام, وكذلك لتكون ام الفضل عينا على الامام الجواد عليه السلام, تنقل لأبيها التقارير عن تحركات الامام عليه السلام.
    في ظل هذه الرقابة الشديدة على الامام وابعاده عن محبيه وتضييق الخناق عليه, اتجه سيدنا الجواد عليه السلام لتعيين النواب الذين يديرون شؤون المؤمنين نيابة عنه, ويعد بذلك الامام الجواد عليه السلام واضع اللبنات الأولى للنظام المرجعي لدى الشيعة, والذي مهد له الصادقان عليهما السلام ومن ثم الامام الكاظم عليه السلام, فقد جعل الامام الجواد عليه السلام وكلاء له في كل الامصار, وحافظ على القواعد الشيعية, وكان يتصل بجمهوره من خلال هؤلاء الامناء, فقد أرسل وكلاء إلى كل من الأهواز, همدان, سيستان, بيست, الري, البصرة, واسط, بغداد, وإلى مراكز الشيعة الرئيسية الكوفة وقم, وقد سمح الامام عليه السلام لوكلائه ان يتقلدوا المناصب الحكومية لغرض خدمة المؤمنين "ومن هنا كان لمحمد بن اسماعيل بن بزيع وأحمد بن حمزة القمي مناصب راقية في الجهاز الحاكم, وكان نوح بن دراج قاضيا لبغداد بعض الوقت وبعدها قاضيا للكوفة, وأصبح البعض الآخر من الشيعة مثل الحسين بن عبد الله النيشابوري حاكما لبست وسيستان, وتولى الحَكَمْ بن عليا الأسدي حُكْمَ البحرين, وكان هذان يدفعان الخمس للإمام الجواد عليه السلام مما يعني ارتباطهم السري بالإمام التاسع"
    وكذلك أسس الامام الجواد عليه السلام مدرسة علمية وثقافية, وان لم تكن ترقى الى سعة مدرسة الامام الصادق عليه السلام بسبب الظروف الموضوعية, الا انها مدرسة اسهمت برفد الساحة العلمية بعلماء جهابذة وصلت الى ما يقارب 110 عالما رغم المضايقات الشديدة, وكذلك صغر عمر الامام حين قبض, ومن ابرز هؤلاء العلماء علي بن مهزيار وأحمد بن محمد بن أبي نظر البزنطي وزكريا بن ادم ومحمد بن بزيع و الحسين بن سعيد الاهوازي و أحمد بن محمد بن خالد البرقي.
    مكانة الامام الجواد عليه السلام العلمية, ومناظراته مع علماء البلاط, ودحضه حججهم, جعلهم يكنون الحسد للإمام عليه السلام, ويألبون المعتصم ضده -مع ما يحمله المعتصم من حقد ضد الامام- فعمد الى استخدام أم الفضل بنت المأمون لتنفيذ خطة اغتيال الامام عليه السلام, لما عرف عنها من حسد وغيرة لأنها لم ترزق بولد, فسقته السم روحي فداه وقضى نحبه وله من العمر خمس وعشرون سنة.
    فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media