مقتدى الصدر ورموز العراق الحديث
    الأحد 27 أغسطس / آب 2017 - 06:49
    د. سداد جواد التميمي
    استشاري الأمراض النفسية و النفسية العصبية - المملكة المتحدة
    السيد مقتدى الصدر شخصية فيها الكثير من رموز العراق الحديث والتي تعكس ازماته السياسية٫ الدينية٫ العرقية٫ والاجتماعية.

     لا اظن ان هناك الكثير من المدونات عن السيد مقتدى الصدر قبل الاحتلال الأمريكي للعراق٫ ولكنه بلا شك كان له اتباعه وأنصاره في زقاق العراق الفقيرة٫ والتي قلما تثير اهتمام رجال السياسة. ما تسمع عنه لا يخلوا من الغلو مثل الإشارة الي تخلفه التعليمي وسذاجته السياسية وغير ذلك. ارتفعت شهرته مع اتباعه من جيش المهدي ومعاركهم ضد المتمردين أولا والجيش الأمريكي ثانياً. يختفي ويظهر من جديد تحت الأضواء السياسية بين الحين والاخر٫ واخر ظهور له لم يثير اعجاب الكثير من أنصار الحكومة العراقية الحالية.

    رحل الى المملكة العربية السعودية وقابل حاكمها الفعلي محمد بن سلمان. تم بعد ذلك فتح الحدود البرية بين السعودية والعراق٫ وحرص الاخيرة على فتح قنصلية لها في النجف الاشرف والعمل على استثمار تجاري في العراق. تحدث السيد مقتدى الصدر عن امله في عراق عربي ديمقراطي وإسلامي. هاجمته الصحافة الايرانية لتذكره بحرب اليمن.

    رغم اعتراض الكثير وحديثهم عن خيانة مقتدى الصدر ولكن ربما علينا أولا ان نتمعن في السيد مقتدى الصدر كرمز من رموز العراق الحديث.

    هناك أولا شخصيته الدينية وملبسه التي يعكس قوة العامل الديني في الحركة السياسية العراقية. لا يوجد مجلس تشريعي حقيقي في العراق٫ ولكن من السذاجة القول بان المرجعية الدينية الشيعية لا سلطان لها. الحقيقة هي ان المرجعية الدينية الشيعية تمثل المجلس التشريعي الغير منتخب في الديمقراطية العراقية٫ و ما يثير اهتمام الكثير هو من سيتولى أمور المرجعية بعد رحيل اية الله السيستاني في المستقبل. هناك من يخشي وصول مرجعية شيعية إيرانية ولائها لولاية الفقيه.

    هناك ثانياً البرنامج السياسي للسيد مقتدى الصدر و اتباعه. لا احد يعلم ما هي اهداف حركته الاقتصادية و الأمنية و الصحية و التعليمية٫ و لكنه في ذلك لا يختلف عن بقية الحركات السياسية على الساحة العراقية.  لا يزال العراق مثقلاً بالديون و ستفشل الخزانة العراقية في المستقبل دفع رواتب موظفي المؤسسات الحكومية اذا لم تسارع الحكومة في عمل إصلاحات و تقليص عدد الموظفين الى اقل من ٥٠٪ و التوقف عن دفع رواتب تقاعدية خيالية و مخصصات خدمات وطنية مشبوهة. لا يتحدث مقتدى الصدر ولا غيره من قادة العراق عن برنامج إصلاحي لعراق المستقبل.

    ثالثا نرى مقتدى الصدر رمز لتبعية الطبقات الكادحة في العراق للمؤسسة الدينية. هناك طبقة ثرية في العراق ترى علامات ثرائها ان تجولت في لندن عاصمة بريطانيا. هناك طبقة برجوازية تتأرجح بين الثراء والرهاب من المستقبل٫ وهناك طبقة عمالية لم تتحسن امورها. ولكن هناك طبقة رابعة في العراق دون العمالية٫ ولم يبالي بها أحد منذ ولادة الدولة العراقية الى يومنا هذا ٫و يتكاثر عدد سكانها العام بعد الاخر. ليس من المبالغة القول بان هذه الطبقة التي تعيش على هامش المجتمع العراقي كان ولا يزال ولائها للمؤسسة الدينية التي لم تنجح في دفع من ينتمي اليها من موقع لا وجود الى موقع مواطنة حقيقية تسنح الفرص لجميع البشر. بدلا من ذلك تكتشف الحديث العنصري عن هؤلاء في كلام جميع الطوائف العراق ووصمهم بالشروك والمعدان وغير ذلك من المصطلحات التسقيطية.

    رابعاً يمكن ان ندرس مقتدى الصدر كرمز لعدم وضوح الهوية العراقية وميولها الى تعريف نفسها بالتبعية الى الأجنبي. هناك ميول العراقي الشيعي الى إيران٫ وميول العراقي السني الى تركيا ودول الخليج العربي. العراقي الشيعي لا يطيق سماع نقداً لخامنئي والعراقي السني يضع اردوغان في مقام خليفة المسلمين. هناك من يتحدث عن هوية عراقية او اسلامية او عربية او شيعية او سنية.

    وربما هناك رموز أخرى متعددة في شخص السيد مقتدى الصدر وغيره من الشخصيات السياسية العراقية. التحديات التي ستواجه العراق في المستقبل تحديات هائلة ولا أحد يستطيع ان يخمن ان كان السيد مقتدى الصدر او غيره يمتلك القدرة على مواجهتها وضمان استقرار أمنى واقتصادي وسياسي. ولكن ما يجب ان الانتباه اليه في ان الرموز الذي تتمثل في السيد مقتدى الصدر وغيره تحتاج الى معالجة ثقافية وتوعية جماهيرية و تأهيل نفسها لكي تنهض بالعراق او ربما على الشعب العراقي البحث عن رموز جديدة تدفع بالوطن نحو مستقبل زاهر.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media